بقلم - نبيل فولي محمد
لم تكن تظاهرات يوم الخميس الثالث من يوليو 2014 بعد عام من الاعتداء على الشرعية، وإلغاء المسار الديمقراطي، وعزل الرئيس الشرعي، وإيقاف العمل بدستور الثورة – لم تكن أقل من صعقة قوية هزت نظام الانقلابيين من أعماقه، وأثبتت للعالم أن الرهان على بقاء هذا النظام هو رهان على الجواد الخاسر؛ طال الزمان أو قصر.
قد نتفق على أن الموجات البشرية التي خرجت في هذا اليوم لم تقدم شيئا نوعيا ينقل الحراك الثوري إلى الأمام نقلة كبيرة، أو يقربه كثيرا من اليوم الموعود الذي ينتظره كل حر، ولكن خروج الأمور يومئذ عن يد الانقلابيين، وعجزهم عن ضبط إيقاع الدولة تحت وقع الأقدام الزاحفة من آلاف النواحي والجهات، وذهولهم من كم حوادث قطع الطرق وتعطيل المواصلات، والارتباك العام في أوصال الدولة، نقل الانطباع المؤكد إلى العالم بأن استقرار الانقلاب حلم بعيد، وسراب ستبدده الزحوف المباركة والمتجددة القادمة من أحياء مصر وقراها.. {...حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
تأكد كذلك من خلال صرخات الميادين وهتافات الثوار المجلجلة أن استمرار المصريين في الخروج ضد الانقلاب وبأعداد هائلة، صار – بفضل الله تعالى – ثابتا من ثوابت الحالة المصرية القائمة حتى يزول الغثاء، ورقما أكثر ترشحا لحسم الأوضاع في مصر لصالح الحرية والعدل والاستقرار وضد الانقلاب والظلم والاستبداد.
ولكن ماذا يترتب على هذا الشعور الذي ولدته مظاهرات الثالث من يوليو المباركة بأن الرهان على الانقلاب رهان على الجواد الخاسر؟
بالتأكيد سترتعش يد الانقلاب أكثر، وسنرى مزيدا من الخلاف بين أقطابه، ومزيدا من التصرفات الحمقاء التي تمنح ثوار المواقع الاجتماعية فرصا أكثر للتندر والاستهزاء به، وثوار الميادين مزيدا من الثقة والثبات على مواقفهم وتضحياتهم.
وسترتعش كذلك الأيادي الخبيثة الداعمة للانقلاب – خاصة العربي منها - وهي تمد إليه اليد بالمال المسروق من شعوبها، وسيضغط الداعمون – خاصة العرب منهم - على الانقلاب حتى يثبت أنه قادر على البقاء.
ولحمقهم لن يضغطوا على الانقلاب في اتجاه التفاوض السلمي، أو توظيف الوسائل السياسية الناعمة كما هو فعل العقلاء، بل سيطالبون بمزيد من القمع ثمنا للدعم الحرام الذي يقدمونه، وهم يعرفون جيدا طبيعة النظام الانقلابي المجرم الذي يفكر بحذائه العسكري أو عقله السفلي، وينفذ ببندقيته العسكرية التي لوث شرفها قبل أن يُسيل بها دم الأبرياء.
كان عنف الرابع من يوليو ضد الثوار – أي بعد يوم من الهزة العنيفة للانقلاب – ترجمة لموقف الغيظ والقلق والأرق الذي يعيشه الانقلاب وحلفاؤه في الداخل والخارج، فلأول مرة نرى هجوما على منزل يئوي معارضين للنظام بقنبلة يدوية تقتل ستة من الدعاة إلى الله في الفيوم، كما كان العنف في نهار رمضان وليله بلا حساب، ولولا خوفهم من تصاعد ردود الأفعال وخروج الأمور كلية عن سيطرتهم، لما منعهم شيء من إسالة مزيد من الدماء.
وتبقى المعركة صراعَ إرادات فاسدة وإرادات صالحة؛ صراعا بين الطغاة الساعين إلى الاستبداد بخيرات الوطن كلها لأنفسهم وحدها، مقابل تجويع الخلق وإفقارهم، وهدم القيم الصالحة والأخلاق الفاضلة، وإقصاء الدين وإزواء الملة، وبين الوطنيين الذين يمثلون تراب الوطن وقطنه وقمحه وهويته؛ يزأرون في وجه الظالم، ويضعون أرواحهم على أكفهم في سبيل الله وهم يكسرون الأغلال.