بقلم : د.عمرو عادل
إحدي الفنون الهامه في إدارة المجتمعات القمعية هي إيجاد مسارات بديلة لتفريغ الغضب الشعبي المتنامي تجاه تلك الأنظمه. إن الأنظمة السلطوية الشعبوية عادة ما تأتي محمولة علي أعناق "الجماهير" ولكنها تلك الجماهير التي تم توجيه وعيها بعبارات ضخمة عن الوطن وخلق حالة شيفونية عامه والضرب علي أوتار الخوف من المجهول أو المعلوم؛ ولا جدال أن كل الأنظمة حتي التي تبدو لنا ديمقراطية تمارس هذا النوع من توجيه الوعي ولكن في النظم الشعبوية يكون أكثر حدة وتطرفا وعنفا. ويزيد الغضب داخل الأنظمة الشعبوية بمعدلات متسارعة مما يجعلهم دائما يبحثون عن وسيلة لإدارة هذا الغضب وإن فشلوا فيبدأون في إيجاد وسائل بديلة لتوجيهه أو تفريغه.
إدارة الغضب كانت متجلية في بدايات ثورة يناير في 2011 والتي أؤكد دائما أنها مستمرة حتي الآن؛ وإحدي تجليات استمرارها هي الانقلاب العسكري نفسه. عندما فشل في إدارته فبدأ في توجيهه تجاه عدو مزعوم ثم عادت وفشلت مرحلة إدارة الغضب في تحطيم الثورة بعد جهود مضنية فبدأ الآن في محاولة توجيهه ولكن تجاه معارك وهمية لا يعنيه الانتصار بها حتي يشتت الغضب إلي بالوعات النصر الزائف.
نعود إلي إدارة الغضب الأولي عندما خرجت الأمور عن السيطرة؛ استغل العسكر كل الأحداث لتحقيق هدفه في تغيير معادلة السلطة التي كانت ستؤدي إلي صراع لا جدال فيه بين المؤسسة العسكرية وبين مجموعة جمال مبارك والتي كانت مسيطرة علي الكثير من مفاصل الدولة. وبين التحية العسكرية للشهداء من أحدهم و تضميد جراح المصابين من الآخر وحماقة الكثيرين حقق العسكر مراده وأزاح من أراد بأذرع غيره وبقي "نظيف اليد" "طاهر السريرة" لم تلوث يده "بالدماء" فهناك دائما شريك صامت يحمل كل الجرائم حتي تأتي اللحظه التي سيحمل عدو العسكر اللدود بكل الجرائم . وظن أنه انتصر عندما وجه الغضب لمصلحته وهذا لقناعته أن ما حدث في يناير هي مجرد أحداث ولكنها في الحقيقة كانت مقدمات ثورة تسعي أن تكتمل.
عاد إلي تفريغ الغضب بعد أحداث محمد محمود في ملحمة انتخابية استمرت ما يقرب من أربعة أشهر وظن ثانية أن الأمور دانت له ولكنه فشل مرة ثانية وعاد الغضب يتراكم وحاول إعادة توجيهه لعدوه اللدود "تيار الإسلام السياسي" وأضطر إلي قبول الضربة الموجعة بخروج مقعد الرئاسة من بين يديه ولكنه عاد ليوجه الغضب العارم من ظلم السنوات الطوال التي حكم مصر فيها ناحية عدوه اللدود ونجح في مسعاه ولكنه اضطر إلي استخدام القوة المفرطة والانقلاب العسكري المعلن نظرا للقوة العارمه لعدوه اللدود والمفاجأة الغير متوقعة باستمرار التيار الإسلامي بكافة طوائفه في المواجهه.
طوال محاولات إدارة الغضب وتوجيهه حتي الانقلاب العسكري لم يكن الصراع معلنا ولا مفتوحا وكان هناك مجالات واسعة لتوجيه الغضب الشعبي المتراكم طوال فترة حكم العسكر منذ الانقلاب الأول في عام 52. أما بعد الانقلاب وحدوث خط واضح بين اتجاهين متصارعين ويتجهان كليهما إلي معادلة صفرية للصراع؛ فلن يستطيع أحد الطرفين إدارة الغضب ضد الآخر لأن المساحات الرمادية أختفت أو كادت وأصحاب الفتن اختفوا من ملعب الصراع ولزموا بيوتهم وأصبح الأمر جليا أن من أصبح هنا سيبقي هنا ومن أصبح هناك سيبقي هناك.
واقتربت لحظة المواجهة الشاملة نظرا لزيادة الغضب لدرجات غير مسبوقه داخل الطرف المقاوم للانقلاب وازدادت كتلته ووصلت إلي ذروتها وفي انتظار تلك اللحظه لابد من تفريغ الغضب في معارك وهمية بعيدا عن نقطة الصدام المباشر القادمه والتي ينتظرها الجميع.
إذا عليك بخلق معركة جانبية تجعل الطرف المهزوم يشعر بلذة انتصار زائفة فتطفئ لذة الانتصار الزائف جذوة الغضب من الكارثة الحقيقية ولا مانع من أن تجري بعض الاجراءات التي ترسخ لهزيمتك في تلك المعركة الوهمية.
إذا علي الطرف المقاوم أن يحدد قضيته جيدا ويوجه غضبه بنفسه ولا يجعل الطرف الآخر أن يسحبه لمعركة جانبية تشعره بانتصار زائف يسحب من رصيد قوته الدافعة في معركته الرئيسيه.
إن معركة ملصق – هل صليت علي النبي اليوم- نموذجا لتلك المعارك الجانبية والتي -وإن لم يكن العسكر صانعيها- فقد قاموا بتوجيهها لتصب في مصلحتهم؛ فلا مانع من أن يشعر المقاومون بنصر في تلك المعركة ولا مانع من أن نصدر قرارات تدل علي رفضنا لها ولا مانع أيضا من نشر أخبار عن ضباط يساعدون في نشر الملصق لتزيد من نشوه انتصار الطرف الآخر ولا مانع من أن ينتشرالملصق بصورة أكبر دليلا هزيمتنا الكامله ولكننا نحن في النهاية المنتصرون وحققنا هدفنا بتفريغ الغضب في بالوعة النصر الزائف وأبعدناه عن نقطة الصدام القادمة.
في إدارة الصراع لابد أن تحدد أبعاده ولا تلتفت أبدا عن طريقك الي رسمته ولا تنخدع بالنصر في المعارك الجانبيه ولا تجعل الطرف اللآخر يحدد لك خطواتك أبدا.
إن الطاقة الهائلة التي بذلت في هذه المعركه بالتأكيد انتزعت من طاقة المعركة الكبري؛ معركة العدالة والحرية والهوية وعند الانتصار فيها سنصلي علي الرسول الأعظم ليل نهار في الطرقات التي سرنا فيها تحت طلقات الرصاص والمساجد المغلقة وعلي صفحات الجرائد وعلي شاشات التلفاز؛ وربما ستكون الحرية والحرية فقط هي ما ستجعلنا نصلي علي الرسول الأعظم ونحن نعلم أنه صلي الله عليه وسلم فخورا بتابعي تابعيه الذين قاوموا في الطريق الصحيح لحماية هوية أمتهم وحرية شعوبهم
يقول المفكر الكبير مالك بن نبي في كتابه الصراع الفكري في البلاد المستعمرة "إن خبراء الإعلام والحرب الفكرية في الغرب يطبقون على المسلمين نظرية "الاستجابة الشرطية" التي صاغها عالم النفس الروسي "بافلوف"، فهم يستفزونهم من وقت لآخر حتى يشغلونهم عن التخطيط الاستراتيجي، والعمل المنهجي، ويستنزفونهم في ردود الأفعال الغاضبة التي تفور فجأة، ثم سرعان ما تذبل وتتلاشى، ونظراً لهيمنة العواطف على تفكير المسلمين اليوم فليس من الصعب التنبؤ بنوع ردود أفعالهم على هذا الاستفزاز أو ذاك."
يبدو أننا بحاجة إلي إضافة "وأذنابه" علي كلمة الغرب في عبارة هذا المفكر الفذ.
---------
قيادي بحزب الوسط وتحالف دعم الشرعية