الكاتب والمحلل السياسي الدكتور أحمد نصار يكتب :
الغرام المتبادل بين السيسي وتل أبيب.
_______________________________
تمخضت الحرب العالمية الأولى عن قرار بريطاني بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ولم تمض 3 سنوات على الحرب العالمية الثانية حتى أنشأ الغرب هذه الدولة في 1948!
وهذا الكيان الجديد يتسم بأنه كيان "يهودي صهويني استطاني".
يهودي: من حيث أنه يطرح نفسه كدولة اليهود في العالم.
وصهيوني: من حيث أنه نتاج الحركة الصهوينة بكل ما تحمله هذه الأفكار من حق في فلسطين من الفرات إلى النيل وهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم.
واستيطاني: من حيث أنها قامت على استيطان أقليات عرقية "اليهود الصهاينة" في فلسطين بعد أكبر عميلة تهجير للاجئين وتطهير عرقي للسكان الأصليين في القرن الماضي.
***
ولفهم ما قامت به الحكومات الغربية لتثبيت هذا الكيان الجديد وسط محيط عربي وإسلامي، فإننا نشبه عملية زرع هذا الكيان بعملية زرع الأعضاء التي يقوم بها الأطباء في العصر الحديث (الكبد أو الكلية...إلخ)، وهي تمر بثلاث مراحل:
1- تثبيت العضو الغريب:
___________________
أول شيء يقوم به الأطباء بعد زرع وتثبيت العضو الجديد هو إعطاء مثبطات للمناعة (كورتيزون) حتى لا تهاجم مناعة الجسم هذا العضو الغريب.
بنفس المنطق، وبالتزامن مع قيام دولة إسرائيل 1948 قامت في الدول العربية أنظمة عسكرية مستبدة موالية للغرب (وبالذات في دول الطوق مصر وسوريا) عن طريق انقلابات عسكرية ظالمة (مصر 1952 وسوريا 1947 و 1949) رفعت شعار القومية والعروبة لصرف النظر عن أية أفكار نحو التوجه الإسلامي.
قامت هذه الأنظمة بقهر شعوبها واحتكار السلطة وتفكيك مؤسسات الدولة وتحويلها فقط لخدمة النظام الجديد ونشر القومية والعلمانية. في نفس الوقت لم تقم هذه الأنظمة - رغم كل ما ادعته من معادة إسرائيل - بإطلاق رصاصة واحدة عليها، بل على العكس أعطت لها الفرصة كي تثبت اقدامها في المنطقة وتوجه ضربة كبرى للعرب لتقضم مساحات كبيرة من أرض المسلمين وضمها لهذا الكيان الجديد، ليتضاعف خمس مرات.
2- الاعتراف بالجسم الغريب (التطبيع):
_____________________________
بعد فترة من تثبيت العضو الغريب في الجسم، وبعد تثبيط المناعة بكميات كبيرة من الكورتيزون، يبدأ الجسم في التعود على هذا الجسم الذي كان يعتبره غريبا، ويتعامل معه وكأنه جزء من الجسم.
وبعد انتهاء المرحلة الأولى من قيام هذا الكيان الجديد، بدأ يقايض هذه الأنظمة على جزء من الأراضي التي اغتصبها في حرب الأيام الستة 1967، مقابل اعتراف هذه الأنظمة بهذا الكيان، كجزء طبيعي من نسيج المنطقة ليس عدوا لها، أو ما يعرف بالتطبيع.
أرادوا حدوث التطبيع من خلال زيارة السادات لتل أبيب في 1977 ثم معاهدة كامب ديفيد في 1979 بين مصر وإسرائيل. ثم اتفاقية أوسلو بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل 1993 ثم اتفاقية وادي عربية بين الأردن وإسرائيل 1994.
3- مرحلة العناق الاستراتيجي Interdependence:
_______________________________________
المرحلة الثالثة من عمر هذا الكيان الجديد هو العناق الاستراتيجي بين هذه الأنظمة العسكرية الموالية للغرب وهذا الكيان الجديد (صنيعة الغرب)، بحيث أن بقاء هذه الأنظمة المستبدة واستمرارها وجودها أصبح مرهونا ببقاء هذا الكيان الجديد ورضاه عن هذه الأنظمة! مثلما يعتاد الجسم على العضو الغريب ويصبح معتمدا عليه في البقاء على قيد الحياة.
إن الدولة بمعناها الحديث هي إقليم وشعب ومؤسسات. وحيث أن النظام الراغب في البقاء في الحكم، وأصبح معتمدا في ذلك على علاقاته بإسرائيل - ضد الوعي الجمعي للشعوب التي ترفض وجود إسرائيل- فقد استخدم النظام مؤسسات الدولة (الجيش - الشرطة - القضاء - الإعلام...إلخ) للسيطرة على هذه الشعوب حتى وإن أدى ذلك إلى التفريط في الإقليم وسيادته.
***
جماعة الإخوان المسلمين هي أكبر جماعة في المنطقة تتبنى الإسلام الوسطي الشامل نهجا تحمل فكر الخلافة وتحرير كامل فلسطين. يجب ألا ننسى أن أول من حارب اليهزد في فلسطين هم كتائب الإخوان التي اسسها الإمام الشهيد حسن البنا، وأن الذي يرفع البندقية هناك حتى الآن هم
حركة المقاومة الإسلامية حماس (الإخوان) والتي قامت الأنظمة السالف ذكرها بحصارها من كل الجهات.
بينما القادة الحاليون للجيش المصري هم أولاد كامب ديفيد الذين تذوقوا طعم دولارات المعونة الأميركية، ولا يرون في إسرائيل عدوا، واعتمدوا في تسليحهم بالكامل تفريبا على السلاح الأميركي، بعد أن توقف المصانع الحربية عن صنع الطائرات والدبابات واكتفت بصنع المكرونة والصلصة.
والسيسي ابن هذه المؤسسة العسكرية التي تسيطر على 60% من الاقتصاد المصري، والتي دفعتها الولايات المتحدة للتدخل سريعا لمنع استمرار أول رئيس مدني في الحكم أتى بانتخابات ديمقراطية، عبر انقلاب حاولت أن تضيف عليه صبغة ثورية.
لذلك فليس مستغربا أن يحدث هذا الاتصال المفعم بالحرارة بين السيسي وتل أبيب (شيمون بيريز ونتنياهو) ليؤكد لهم على تعهده بالحفاظ على كامب ديفيد، لمصلحة الشعبين المصري والإسرائيلي! متناسيا أن هكذا مصالح لا يمكن أن تتقابل ابدا!
ثار الإعلام الموجه لخطاب بروتوكولي كتبه المجلس العسكري الذي كان يحكم مصر خلال المرحلة الانتقالية بعد الثورة ووقع عليه الرئيس كما وقع على كثير من الخطابات غيره لأن الخطاب بدأ بعبارة بروتوكولية بينما لم نسمع أحد يذكر السيسي الآن ولو بنصف كلمة، وهذا دليل على أن انتقاد الإخوان لم يكن حرصا على الوطن بل حرصا على إسقاطهم بأي ثمن.