محمود عبد الرحمن

رسالة الرئيس البطل التى حرص فيها على توثيق بذله كل الجهد للحفاظ عل أهداف ثورة يناير، وللحفاظ على الأمانة الكبرى – أمانة مصر - التى وُكِلَتْ إليه باختيار الشعب العظيم اختيارا حرا، واعترف فيها الرئيس الأمين بأنه أصاب وأخطأ.

وأنا من حقى – كما من حق من يختلف معى – أن أعبر عن تقييمى لهذا الاعتراف بالخطأ.

أما أن يخطئ رئيس، أو أى إنسان، فهذا قدر يجرى على (كل ابن آدم) (فكل ابن آدم خطاء).

لكنى – وبكل أمانة – لست مقتنعا، بأن ما أصيب به الرئيس، وأصيبت به الرئاسة، وأصيب به الشعب المصرى، من كارثة بنجاح الانقلاب الدموى المجرم، كان بسبب أخطاء الرئيس.

لكن الرئيس ومؤيديه، والشعب المصرى الذى اختاره، كان عليهم واجبا حتما لازما، ألا يساوموا على المبادئ التى من أجلها ثاروا، ولذا كان عليهم ولابد أن يواجهوا إسرائيل وأذرعها فى الجيش المصرى، وأن يواجهوا أمريكا – الحاضن الأكبر للعدو الإسرائيلى، وأن يواجهوا عالَمًا غربيا، يتآمر على أمتنا ومنطقتنا من أيام الحروب الصليبية والحملة الفرنسية، ثم الاحتلال العسكرى الحديث الإنجليزى والفرنسى والإيطالى، ثم سرقة فلسطين، ثم الاحتلال الثقافى والاقتصادى بسبب تخلف الأمة.

وكان عليهم أن يواجهوا عصابات المجرمين فى الداخل الذين ارتبطت مصالحهم العفنة بمصالح أعداء الأمة.

الثورة كانت وليدا صغيرا لم تنبت له بعد أظافر وأنياب، فلم يكن للثورة جيش يحميها – بل يعاديها – ولم يكن لها مخابرات عامة أو مخابرات حربية، ولم يكن لها شرطة أو قضاء.

كان للرئيس ومؤيديه وللثورة أذرع مدنية بدأت فعلا فى التغلب على كثير من المشاكل الحياتية: خبز، وقمح، وكهرباء، ومرتبات، وأسعار، ودعم... الخ. بالتأكيد أفضل من حالنا الآن، فى ظل الكارثة الانقلابية.

وكان للثورة حلم بالحريات، والديموقراطية، والانتخابات النزيهة، فاحترمت حرية الإعلام ، والتزمت باستقلال القضاء.

فلو لم تحترم هذه الحريات، لاتهمت بالديكتاتورية، وعودة نظام الاستبداد كأيام مبارك، وقد قالوا ذلك عن الرئيس مرسى حينما أصدر الإعلان الدستورى لحماية المؤسسات المنتخبة، وكان فيمن قال ذلك بعض أدعياء الثورة، وخدعوا بعض الثوار.

ولما تُرِك الإعلام الفلولى ينخر فى عظام الثورة بدعوى الحرية، واحترام الدستور والقانون، كان ما كان، واتهم الرئيس بالضعف فى مواجهة الدولة العميقة.

الرئيس الذى أقال طنطاوى وعنان بضربة أسطورية لم يكن أبدا ضعيفا، والذى أقال حمدى بدين، ومراد موافى، ووزير الداخلية الأسبق أحمد جمال لم يكن أبدا ضعيفا، ولذا لجأوا إلى الخديعة بدلا من المواجهة.

المهم أن الثورة الوليدة برئيسها وثوارها المدنيين كانت قادرة على إعادة البناء – لكن عصابات الإجرام الدولى، والسفاحين من الجيش والشرطة، كانوا أسبق فى التآمر، وتولى الخيانة الكبرى رجل مخنث، جند كل إمكاناته التمثيلية فى خداع الرئيس.

وتوقف قطار الثورة - لكنه توقف مؤقت.

الشعب العظيم:

هو الذى انتفض بفطرة تلقائية بالملايين بمجرد إعلان الإنقلاب، يرفض انقلاب السفاح حتى قبل أن تظهر دمويته.

هذه الملايين  بفطرتها لم تلق باللائمة على الرئيس، كما فعلت النخبة، ولم تحمله المسئولية، ولم تَتَخَلَّ عنه، وعرفت مقدار التحديات التى واجهته، وقدر الرجولة التى تمتع بها حينما لم ترهبه الدبابات حول القصر كما أرهبت قديما الملك فاروق، ومبارك وكل الملوك والرؤساء الذين قامت ضدهم ثورات أو انقلابات – كلهم استسلم ووقع وانتهى الأمر.

الشعب العظيم بفطرته عرف أن الطريق الحق ليس هو التلاوم، والتلاسن، ومصمصة الشفاه، والتحسر على ما فات – إنما خرج الشعب العظيم ليقدم أعز ما يملك: الروح، فداء للدين، وللوطن، وللثورة.

ومازالت الملايين تبهر فى حراكها اليومى، وتبهر فى مقاطعتها ورفضها للعر#، وراقصيه ومطبليه ومزمريه.

الشعب العظيم اليوم لا يتورع أن يبصق على هؤلاء الرؤساء والملوك فى أمريكا وانجلترا ، والسعودية والإمارات والأردن.

يبصق عليهم لأنهم شاهدوا بأعينهم مهزلة الاستفتاء وعودة 97%، والملايين المزورة فى الصناديق، ثم هم يقدمون الآن التهانى لهذا العر# الذى ملأ وجهه بالمكياج الأحمر، وهو يخرج علينا بخطابه الحقير.

هذا الشعب العظيم قرر أن يواصل طريق الثورة والصراع مع أعداء الدين والوطن، وأن يحتقر كل قوى الأرض المادية، لأنه يعلم يقينا أنها لا تملك فى ملك الله شيئا، ولا لقدر الله تبديلا.

الشعب العظيم الذى لم يرهبه الموت، هل يؤثر فيه اعتراف انجلترا وأمريكا ودجاج الخليج؟!.

 تحياتى وحبى سيدى الرئيس.

وتحياتى وتقديرى أيها الشعب العظيم