: صادق أمين


شتان ما بين مَنْ خنع للانقلاب و بين مَنْ أبى و ثار؛ مِمَّنْ التزموا حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( أفضل الجهاد: كلمة عدل عند سلطان جائر ).

فهؤلاء هم الذين ستبقى راية الكفاح خفاقة بجهودهم، مهما تفاحشت العوائق و الصعاب أمامهم؛ لتتحقق سعادة المجتمع لا نزوات و أحلام المستبد.

( و لأجل ذلك حَمَلَ الدكتور" أسعد السحمراني " ـ في مقدمته لكتاب طبائع الاستبداد للكواكبي ـ حملةً شعواء على مَنْ ارتضى لنفسه الذل و قَبِلَ الظلم دون أن يثور عليه؛ و بشره بأن عقابه لا يقل عمن مارس الطغيان؛ إذ الطاغية كالقابل للطغيان، و الظالم كمن ارتضى الظلم؛ فالنار هي للاثنين معاً، وهذا الحكم نراه في قول الله تعالي: ( فأما مَنْ طغى و آثر الحياة الدنيا؛ فإن الجحيم هي المأوى ) النازعات 37-39، و كذلك قوله: ( و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) هود 113

هذا في الآخرة، أما في الدنيا، فكما يقول المثل الشعبي: " الظلم إنْ دام دمَّر، و العدل إنْ دام عمَّر ".

لأن اتباع قانون الحكم بالعدل المأمور به شرعا، و التزام المؤمن لخط الحركة الجهادية ضد كل منكر؛ هما سفينة النجاة للإنسان و لمجتمعه، و معاكسة ذلك مدعاة لسيادة الظلم، الذي يكون الإنسان مصدره في مثل هذه الحالة، و هذا ما نلمسه في مدلول حكم الآية الكريمة التي جاء فيها: " إن الله لا يظلم الناس شيئا و لكن الناس أنفسهم يظلمون" ) يونس44 "بتصرف"

و حينئذ لا يجوز أن نلوم القدر لأذى أصابنا؛ لأننا نحن سببه الأول و الأخير؛ ( لأن الاستبداد ـ و الكلام لعبد الرحمن الكواكبي رحمه الله ـ هو بيت الداء، و لن يكون شفاء من هذا الداء إلا باستبداله بالشورى و العدالة؛ التي يغدو الإنسان في ظلها مطمئنا على ذاته و على ذويه، متمتعا بحقوقه من غير نقصان، آمنا على عائلته و وطنه ... أما الاستبداد فإنه يجعل الإنسان فاقدا حب وطنه؛ لأنه غير آمن على الاستقرار، و يود لو انتقل منه، و ضعيف الحب لعائلته؛ لأنه ليس مطمئنا على دوام علاقته معها ... و أسير الاستبداد لا يملك شيئا ليحرص على حفظه؛ لأنه لا يملك مالاً غير معرض للسلب، و لا شرفا غير معرض للإهانة ).

أضف إلى ذلك ما قاله الدكتور "أسعد السحمراني": ( إن الاستبداد داء؛ تُبتلي به بعض الشعوب في بعض مراحل التاريخ، وهو أسوأ أنواع السياسة و أكثرها فتكا بالإنسان و بغير الإنسان، في المجتمع المحكوم بالظلم و الطغيان؛ مما يؤدي إلى التراجع في كافة مرافق الحياة ووجوهها، و تعطيل الطاقات وهدرها، و سيادة النفاق والرياء بين مختلف فئات الشعب، حكاما و محكومين ).

وسيظل الشعب ـ لا قدر الله ـ يتقلب في رماد الاستبداد و ظلمه و دمويته؛ إذ بيده هو جره على نفسه؛ بتفريطه و توانيه، وسيظل في ورطته تلك حتى ينتفض عن بكرة أبيه؛ لأجل الإفلات من قبضة الظلم وعواقبه الوخيمة؛ إذ الاستبداد ـ والكلام لعبد الرحمن الكواكبي رحمه الله ـ ( عدو الحق و نقيض الحرية، و لا يمكن مقاومته إلا بالإعداد والتحضير لمواجهة الظالم المستبد و كفِّ يده عن تماديه وغيه؛ لأن المستبد يتمنى لو أن الجميع استسلموا لنهجه وغيبوا دورهم الفاعل في مقارعته لانتزاع حقوقهم؛ لأنه في هذه الحالة، يتمادى في امتصاص دمائهم و نهب أرزاقهم و تخلو الساحة لتفننه في ذلك؛ و هنا يصح القول : " العافية المفقودة هي الحرية السياسية ... و مهرها كثرة الطلاب ).