د. إبراهيم كامل محمد

الحمد لله الذي أعطى فأجزل العطاء، واتخذ من عباده المؤمنين شهداء، فأكرمهم واصطفاهم خير اصطفاء، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وإمام الحنفاء محمد بن عبد الله وآله وأصحابه النجباء وبعد

يقول الله تبارك وتعالى " ولاتحسبن الذين قُتِلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون . فرحين بماآتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاخوف عليهم ولاهم يحزنون . يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لايضيع أجر المؤمنين " آل عمران 169 – 171 .

عن أبي موسى رضي الله عنه - وهو بحضرة العدو - قال  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف فقام رجل رث الهيئة فقال ياأباموسى أأنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا ؟ قال نعم . فرجع إلى أصحابه فقال أقْرأُ عليكم السلام ثم كسر جَفْن سيفه فألقاه ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل " صحيح مسلم

قال الإمام ابن الجوزي : " وإنما كسر الغمد على عزم ألايغمد السيف وهذا الرجل كان صاحب همة عالية فلما صَحَت عنده الفضيلة جدَّ نحوها .

والكلام في باب الشهادة ذوشجون لأن النفس المؤمنة تواقة للشهادة في سبيله تعالى ، وهي أمنية رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أُقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل " متفق عليه .

والسؤال هو : هل هناك أكرم من الموت في سبيل الله تعالى ؟

والجواب نعم وهو الذي يعيش في سبيل الله تبارك وتعالى  " أي أن الله تبارك وتعالى إذا أبقاك لهذه الأمة وأنت على الحق لإحياء شريعتها ، والدفاع عنها بكل ماتملك ، فكل من يموت في سبيل الله قبلك فلك من الأجر الذي سيلحق بهذا الشهيد دون أن ينقص من أجره شيء ، ويعطيك الله أجر الشهداء وإن مت على فراشك لصدق نيتك مع الله ولحرصك على الشهادة في سبيله " من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه " مسلم . وفي رواية " من طلب الشهادة بصدق أُعطيها ولولم تصبه " مسلم ، وفي رواية " إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش ، ورُب قتيل بين صفين الله أعلم بنيته " أحمد وابن أبي شيبة

ولونظرنا إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حيث كان يتمنى الشهادة لرفْعتها ومكانتها عند الله تعالى ، لكن الله أحياه  كي تحيا به الأمة ويستقيم الدين ، وكل من نال الشهادة في عهده ومن بعد موته صلى الله عليه وسلم فللرسول صلى الله عليه وسلم أجر الشهداء والأحياء والأموات في سبيل الله  وحتى قيام الساعة ، ولكم بعض البشريات :

أولا : إن متُّم في سبيله تعالى فأنتم شهداء وإن أحياكم فأنتم المرابطون السعداء

فخروج هذه المسيرات الجرارة والوقفات والسلسلات البشرية وحتى الرياضية الهادفة ، كلها لأجل الله تعالى وحده ولنصرة دينه والجميع يعلم النتيجة الحتمية المقررة إما نصر أوشهادة ، إما نصر يُسَرّ به المؤمنون " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم " الروم 4 – 5 .

وإما شهادة تغيظ أعداء الله ويغيظ المنافقين وصدق الله تعالى " قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يُصيبكم الله بعذاب من عنده أوبأيدينا " التوبة 52 .

ثانيا : إن كانت حياة الشهداء دائمة فإن  أجركم لاينقطع وتثابون على رباطكم في سبيل الله تعالى

قال تعالى " ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلَّفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، ذلك بأنهم لا يُصيبهم ظمأ ولا نَصَب ولا مَخْمصة في سبيل الله، ولا يطأون موطئاً يَغِيظُ الكفار، ولا ينالون من عدو نَيْلاً إلا كتب لهم به عمل صالح، إن الله لا يضيع أجر المحسنين، ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة، ولا يقطعون وادياً إلا كُتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون " التوبة 120 – 121 . وقال صلى الله عليه وسلم " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وماعليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وماعليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله الله والغدوة خير من الدنيا وماعليها " البخاري ، وفي رواية " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأُجْرِي عليه رزقه وأمن الفتان " مسلم ، وزاد الطبراني " وبعث يوم القيامة شهيدا " وقال صلى الله عيه وسلم " كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمى له إلى يوم القيامة " شرح النووي على صحيح مسلم .

ومنذ مايقرب من عام وأنتم مرابطون واقفون في سبيله تعالى لاتتعبون ولاتكِلُّون وأنتم صامدون محتسبون عند الله الأجر والمثوبة ، وقد بشرنا رسول الله تعالى " موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود " ابن حِبان وصححه الألباني ، ووالله ثم الله سيحزن القاعدون والمثبطون واليائسون والمتواكلون ويعيشون مرارة الندم عندما لم يجدوا لهم بين جيل النصر موضع قدم ، ولن يلدغ المؤمن من جحر مرتين عندما يعودون يتمسحون في أهل الحق والشرعية ، وعلى كل حال نعود لنحسب ساعات الرباط .

ولوحسبناها رياضيا لكان عدد الساعات في السنة = 365 يوما × 24 ساعة × أكثر من 85 سنة لأن ليلة القدر خير من ألف شهر ، فياله من أجر عظيم ولاتنس أيها المرابط قول الله تعالى " والله يضاعف لمن يشاء " " أضعافا كثيرة " وروى ابن عباس – بسند حسن – أن النبي صلى الله عليه وسلم " عينان لاتمسهما النار – وفي رواية لاتريان النار – عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله

وقال صلى الله عليه وسلم " حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويُصام نهارها " الحاكم وقال صحيح الإسناد . فمابالكم تنالون هذا الأجر وأنتم الصائمون القائمون ورمضان رابعة ليس ببعيد ونسأل الله أن يعيده رغما عن العبيد

وقال صلى الله عليه وسلم " ماغبرت قدما عبد في سبيل الله إلا حرم عليهما النار " وقال " لايجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا " الترمذي بسند حسن صحيح . وفي رواية " ومن اغبرت قدماه في سبيل الله باعد الله منه النار يوم القيامة مسيرة ألف عام للراكب المستعجل ، ومن جرح جراحة في سبيل الله ختم له بخاتم الشهداء له نور يوم القيامة لونها مثل لون الزعفران وريحها مثل المسك يعرفه بها الأولون والآخرون ، يقولون قلان عليه طابع الشهداء " أحمد في مسنده

ثالثا : إقامتكم وصلاتكم  وتسبيحكم في رباطكم لا يعدلها شيئ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع العلماء على أن الإقامة الرجل بأرض الرباط مرابطا أفضل من إقامته بمكة والمدينة وبيت المقدس ( مجموع الفتاوى 28/5 ) وانظر مشارع الأشواق في الجهاد وفضائله لابن النحاس 1 / 387 . وسأل رجل الإمام مالكا : أيما أحب إليك أقيم بالمدينة الشريفة أم بالأسكندرية ؟ فقال بل أقم بالأسكنرية " المرجع السابق – قال ذلك الإمام مالك لأنها كانت أرض رباط

وفي حديث عثمان " والله ليوم يعمله أحدكم في سبيل الله خير من ألف يوم يعمله في بيته صائما قائما لايفطر ولايفتر " ابن عساكر

وعن صلاتكم أيها المرابطون قال صلى الله عليه وسلم " إن صلاة المرابط تعدل خمس مائة صلاة ونفقة الدينار والدرهم منه أفضل من سبع مائة دينار ينفقه في غيره " البيهقي وحسنه ابن عساكر ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم " والصلاة بأرض الرباط بألفي ألف صلاة " ابن حيان في كتاب الثواب وانظر ضعيف الترغيب .

وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما " تسبيح المرابط - يوم القيامة – في سبيل الله له بكل حرف من تسبيحه أوتحميده أوتمجيده أوتكبيره ولها عينان تنظر بهما وأذنان تسمع بهما وجناحان تطير بهما مع الملائكة حتى تدخل على رب العالمين فيأمر لصاحبها بثوابها وكفى بالله وليا وحسيبا " انظر شفاء الصدور ، مشارع الأشواق .

رابعا : تعجَّب بعض الصحابة عندما رأى رجلا سبق أخيه الشهيد إلى الجنة

حديث طلحة بن عبيد الله: أن رجلين من بلي قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا، فكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد. فأصبح طلحة يحدث به الناس فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثوه الحديث، فقال: من أي ذلك تعجبون؟ فقالوا: يا رسول الله هذا كان أشد الرجلين اجتهادا ثم استشهد ودخل هذا الآخر الجنة قبله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى. قال: وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ قالوا: بلى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض. رواه ابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.

وأنت أعلم مني أخي المرابط بكثير من الأحاديث والآيات التي تزيدك حبا في حياتك مع الله تعالى وتمسكك بها مهما كان الثمن " خيركم من طال عمره وحسن عمله " وعندما سئل الرسول الكريم " أي الجهاد أعظم أجرا ؟ قال أكثرهم لله تعالى ذكرا "  وتعلم أن حياتك تختلف عن الآخرين " ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لويعمر ألف سنة .." البقرة ، ولكنك أنت أنت الذي تعيش مع قوله تعالى " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له "

وقال ابن القيم " إذا أصبح العبد وأمسَى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله سبحانه حوائجه كلها وحمل عنه ماأهمه وإذا أصبح وأمسى والدنيا همه حمَّله الله همومها وغمومها ووكله إلى نفسه .

وأخيرا لقد اقتربت ساعات النصر لتحصدوا مازرعتموه من خير وثقة في الله تعالى ، فاحذر المتشائم أيها المرابط لأنك تريه الشمس يريك حرها وتريه الوردة يريك شوكها وتعرض عليه الماء فيخرج لك منه القذَى

فهنيئا لكم والله هذه المنح الربانية وغيركم بين غابط وحاسد ونادم كما ندم من لم يحضر موسم الخيرات في رابعة وغبطكم من حُرم من حضورها وحسدكم من لم يملك هممكم وقوتكم التي هزمت سلاح العسكر

ويسقط يسقط حكم العسكر