د.عمرو عادل

القيادي بحزب الوسط والتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب

عنون هربرت شيللر في كتابه "المتلاعبون بالعقول" الفصل الاول لكتابه بعنوان التضليل الاعلامي والوعي المعلب وسرد عدة أساطير إعلاميه تم اعتمادها والتعامل معها كحقائق مبدئيه لا تقبل النقاش ليس هذا مجال الحديث عنها. ولكننا نحتاج إلي قراءه العنوان فقط فهو يحمل الكثير من واقع مصر وماضيها ويحمل بين حروفه دماءا وآلاما وانكسارات أكثر كثيرا من حروفه السبع والعشرين.

عندما نتحدث عن مصطلح الهزيمه العسكريه في مصر لا تجد هزائم إطلاقا ولكنك تجد نكبات ونكسات وربما انتصارات تليفزيونيه وتبحث عنها في كتب المؤرخين البارزين -الذين تم اعتمادهم من مافيا موجههي العقول والمتلاعبين بها – فلا تجدها. فهزيمة 1948 هي نكبه وهزيمه 56 هي انتصار سياسي - بالرغم من التخلي عن قطاع غزه و أم الرشراش والسماح لإسرائيل باستخدام خليج العقبه - وكارثه 67 هي مجرد نكسه وكأن هناك مشروعا عظيما ثم انتكس علي عقبيه.

ما يثير الحيرة هو استسلام الأجيال الثلاث التي عايشت تلك الفترة لهذه المصطلحات وما زالت تلك الأجيال جاثمة علي صدورنا بنكساتهم ونكباتهم. وسؤال لهم ؛ كيف فعلوا بكم ذلك؟ وسؤال لنا؛  كيف نبقي تلك الأجيال المنهزمه والتي تريد توريث الهزيمة لنا فوق رؤوسنا حتي الآن؟

هناك جيل منهم أدار صناعه النكسه وجيل شارك في صناعتها وجيل ثالث أدرك النكسه وهو واع ومدرك ؛ وهذه الأجيال الثلاثه هي لعنة مصر وعارها إلا من رحم ربي.

جيل منهم قارب علي الانقراض ( أصحاب الثمانين والسبعين ربيعا) وهم من أداروا هذا الابداع اللغوي (النكسه) وصاغوه وعلي رأسهم فيلسوف النكسه ولا يزال هذا الفيلسوف يرعي امتداداته الطبيعية من فلاسفه النكسات الحالية والمستقبليه حتي لا تضيع إسهاماته في تحطيم ما تبقي من مصر ويأبي أن يغادر الحياة غير مأسوف عليه بدون ترك فيروساته المدمرة في عقول البعض حتي يكملوا ملحمته الخالده. ونجد أحد مريديه يهدينا مصطلحا خارقا جديدا ويحدثنا عن "الديمقراطيه الإبداعيه" تماما كمصطلح النكسه فهو كاذب تماما ولا يعبر عن أي معني أو حقيقه ولكن تقف آله التضليل الاعلامي ومصانع تعليب الوعي بقوه لترسيخ المصطلح وجعله حقا لايأتيه الباطل ويصبح هو الحق وما دونه لغوا. وكما أصبحت الهزيمة الساحقه في67 مجرد نكسة أمسي الانقلاب الدموي ديمقراطية إبداعيه.

هذا الجيل أو ما تبقي منه فشل في حماية مصر أو تطويرها بل وساهم في تدميرها وتبني زراعة الجهل وتسطيح العقول ولا يريد الاعتراف بذلك بل ينكر ذلك تماما ويؤمن أن ما صنعه من مصطلحات – لم يصنع غيرها - هي لحماية أسطورة "الأمن القومي" وحماية الوطن من "أعداء الوطن" وأننا "مستهدفين" . إنهم من صانعي الاصنام اللفظيه وعابدوها وصانعي الآلهة ومروجي الجنون.

الجيل الثاني (أصحاب الستين عاما) هو من شارك في هذه الهزيمه الماحقه سواء بالغناء والرقص علي أنغام مصطلحات الجيل الاول أو من دفع دفعا الي أتون معركه الهزيمه وحمل هزيمته معه حتي الان؛ هذا الجيل يملأ الان رؤوس مؤسسات مصر كلها وقد حرص بشده علي عدم تلويث هزيمته التي أفاض بها علي كل ربوع مصر فقام بتنقيه جيله من كل يؤمن بالحريه وهم من شارك في مظاهرات 68 و72 ومن علي شاكلتهم حتي لا تلوث الهزيمه العميقه بأي رغبة في انتزاعها من داخلهم أو من داخل الوطن والدوله.
روح هذا الجيل هي التي أدارت مصر طيلة العقود الأربعة السابقه وسار هو علي نهج سابقه خطوة بخطوة ؛ جيل لم يحمل إلا الهزيمه ودافع عن الجيل الراعي للهزيمه "النكسه" ولا أدري كيف استسلم لهذا المصطلح في وقت عاش الهزيمه وعاد سيرا علي أقدامه من حدود مصر الشرقيه حتي شاطئ القناه أو استمع إلي أحمد سعيد وهو يشدو في الإذاعة المصرية ويبشر المصريين أنهم علي حدود تل أبيب وبمئات الطائرات التي أسقطناها. استسلم هذا الجيل للوعي المعلب وألغي قدرته علي التفكير والتحليل أو حتي الرؤية بالعين المجرده وسلم عقله إلي الأبد إلي صانعي الوعي المعلب. هذا الجيل يأبي إلا أن يتم دوره للنهايه ولا يترك أحدا إلا وأدخله إلي ماكينه ترويض العقل وتعليب الوعي. وعندما فشل مع الأجيال الجديده التي رفضت الدخول في خط إنتاج  تنميط الوعي قرر قتلها وحرقها في الشوارع.

الجيل الثالث (أصحاب الخمسينات) هو جيل أدرك الهزيمة ووعي بها ولم يسعفه سنه الصغير أن يشارك بها مشاركة مباشره لكنه تعلم علي يد المنهزمين آباءه وأجداده كيف يكون الانبطاح وكيف تعلو العبودية علي ما سواها. هذا الجيل تجده محتكرا للسلطة والمناصب الهامه والسفارات والهيئات. فقد حرصت الأجيال السابقة علي انتقاء من يكمل مسيرة الهزيمه  بعنايه فأصبح معيار الاختيار أن تنتمي إلي أجيال الهزيمه فلا مكان لمتمرد علينا ولا مكان لغيرنا ولا مكان لثائر وعليك عندما تختار أن تبحث عن جين 67 أولا داخل المصريين فإن وجدته فهو معنا وإن لم تجده فأبعده فورا حتي لا تلوث روح الهزيمة والانبطاح داخل مؤسسات مصر العامرة. وتجد هؤلاء هم الراقصون والمصوتون علي دستور العوده لدوله الهزيمه وتجد من اختاروه لتمثيلهم هو حامل الجين الكامل ل67.

كانت ثورة يناير  تمردا علي دولة وأجيال الهزيمه من أجيال جديده و شرفاء هذه الأجيال الثلاث ممن نجوا من جين 67؛ من نجوا من القاعدة الذهبيه التي رسخها صانعوا الهزيمه بإعلامهم المضلل ووعيهم المعلب. من آمن بالثورة ويصر عليها هم أصحاء مصر؛ هم رافضوا الاستغراق في استكمال مسيرة الهزيمه؛ هم أمل مصر. لذا اتحدت الأجيال الثلاثه لتدمير الثورة واستعادة المشهد ويمارسون أقصي درجات القمع للحفاظ علي مؤسساتهم حاملة الجين كما هي كمناطق موبوءه لا يجب أن يدخلها أصحاء ويختارون بعنايه من سيطعم بالجين حتي يكمل معهم مسيرتهم.

إن نظرات الانكسار والتدني والسترة "الألاجه" التي رأيناها مع حامل الجين الكامل تؤكد أن العار الذي يحمله هؤلاء هو عار متجذر داخلهم لا أمل في انتزاعه أو علاجه وعلينا إن أردنا القضاء علي جين 67 أن نطهر الدوله المصريه بكاملها من هؤلاء بإبعادهم تماما عن المشهد.

سننتصر عندما نحرر مصر من هؤلاء المنهزمين؛ سننتصر عندما تصبح مؤسسات مصر خالية من أصحاب الجين اللعين؛ سننتصر عندما نؤمن أن أجيال "النكسه" لن تقبل أن يعيش في مصر أي من أصحائها؛ سننتصر عندما نعلم أنهم عدو مصر الأول؛ سننتصر إذا قاومنا إحساس الهزيمه الذي يريدون تعميمه علي بطاقات الرقم القومي؛ سننتصر إذا قرأنا التاريخ وتشبعنا بروح النصر.

يقول مونتوجومري في كتابه الحرب عبر التاريخ "أهم مميزات الجيوش الإسلاميه لم تكمن في المعدات أو التسليح أو التنظيم، بل كانت في الروح المعنوية العاليه النابعه من قوة إيمانهم"

ويقول غاندي "سيتجاهلونك ثم يحاربونك ثم يحاولون قتلك ثم يفاوضونك ثم يتراجعون وفي النهايه ستنتصر"

ولكن علينا أن نبقي موجودين مؤمنين بانتصارنا حتي وإن وقفنا وحدنا

رحم الله أبا بكر عندما عرضوا عليه التفاوض مع المرتدين لكثرة عددهم وخروج معظم الجزيرة العربية عليه فقال عبارته الخالده "سأقاتلهم وحدي"