شرين عرفة

طمأنه الطبيب : لا تقلق،  فقد يمتلئ صدرك بإحساس رهيب بالمرارة، وقد يخنقك الألم، أو تستشعر نار الظلم والقهر، و ترتفع الحرارة،  ووارد جدا أن يملؤك إحساس بالخزي والعار، أو تعيش حالة من التعجب والإستغراب ،  طبيعي جدا،  فكل هذا من أعراض الإنقلاب.
فأنت حينما تسير على يديك وتضع رأسك على الأرض ثم تنظر لأعلى فلا ترى سوى حذائك!!  و تتجمع الدماء في الدماغ..فيتشتت الذهن.. ويلتصق اللسان بالحلق.. فتفقد  القدرة على الكلام ،  قد لا تكون اخترت ذلك الوضع ،  ولكن غيرك قد اختار،  ولم يعد بمقدور أحد أن يعتدل بمفرده،  أما أن نعتدل جميعا،  أو نبقى في هذا الهوان!!!
تحاول جاهدا أن تغير من وضعك ، تمسك بأيديهم.. تدعوهم للنهوض..  بعضهم راض بوضعه.. وآخرون مستمتعون،  يتهمونك أنت بالمخالفة والشذوذ ، فلا تستسلم .. قاوم ثم قاوم ثم قاوم.. لن يقتلك الرصاص،  سيعطيك الخلود،  ستكون من الأحياء عند ربك يرزقون، ولن تقتلك الجراح.. بل ستقويك وترفع درجاتك في الجنان،
كما لن تقتلك السجون،   ولا الأسوار ولا القيود ولا السجان، فقط الذي سيقتلك هو  : اليأس والإستسلام

ولا تندهش، بل عود ذاتك على التقبل والإستيعاب،  حتى لو رأيت في بلادك عجب العجاب، ففي الإنقلاب تنعكس المفاهيم وتنقلب الحقائق ،  ويصبح الباطل شعارا للحياة،  فالعبودية شرف،  والحرية خيانة،  والكذب منجاة والصدق جناية،  ومن وكلته لحمايتك هو أول من يقتلك،  ومن تطلب منه العدل سيشرع القوانين كي يظلمك،و اللص يحمي البلاد،  أما الحكومات فمهمتها إذلال الشعوب،  ووظيفة الجيوش تصنيع الغسالات،  وأسلحتها موجهة فقط لابناء الوطن، فقوات المظلات التي تخرج في مهمة إلى  المدينة الجامعية للأزهر للاشتباك مع الطالبات،  ليس من مهامها إنقاذ شباب مصري ضربتهم عاصفة ثلجية فوق جبال سانت كاترين في سيناء،  والطائرات التي تخرج يوميا لقنص المتظاهرين ، حينما نحتاجها لإنقاذ أرواح بشرية تصارع الموت، يسألهم ضابط النجدة : هل من بينهم أجانب؟! عفوا.. ليست مهمتنا إنقاذ المصريين..

و امرأة ك ( الدهب)  توضع في أيديها القيود وهي على فراش المرض واثناء المخاض، وأخرى تعتقل بتهمة حمل شعار رابعة،  فتخرج مشلولة قعيدة لا تقوى على الحراك،
بينما من اغتصب وقتل بلا رحمة الطفلة ( زينة)  وهي في عمر الزهور،   يحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما،  و يسجن طلاب الأزهر سبعة عشر سنة بتهمة التظاهر وتعطيل المرور،

و ( ماريا سماحة )  ( اربعة عشر عاما) تتهم بتكدير السلم العام وإلقاء الرعب بين الناس بتنظيم التظاهر وحمل المنشورات،  فيحكم على طفلة لأول مرة في تاريخ مصر بالمخالفة لكل القوانين بالسجن عام وغرامة عشرون ألف جنيه.

وإذا كان القانون المصري يعاقب من قتل نفسا بالخطأ : بثلاث سنوات سجن وغرامة ستة آلاف جنيه،  فإن عقوبة رسم الجرافيتي في الشوارع : أربع سنوات سجن وغرامة مئة ألف جنيه،  بينما عقوبة الاشتراك في مظاهرة أو رفع أربعة أصابع لأعلى هي : السجن خمس سنوات..

ولم لا؟؟!!!  إنه زمن الإنحطاط.. ولم أجد سوى تلك الأبيات الشعرية لوصف ذلك العصر العجيب والزمن المعيب..  زمن المشين،  فقلت :

عشنا في زمن المشين... وصار الانحطاط عنوان

صبح الشريف في السجن... وبيحكمنا الجبان

والحرة متسلسلة.... بقيود ورا قضبان

بين معتقل ومصاب... وشهيد في أعلى جنان

شفنا الأسد مسجون   ... والعبد له سجان

باقي لك أيه يا بلد ... لما العزيز يتهان؟!

عشنا في زمن المشين...وصار الإنحطاط عنوان

لما العبيد تحتمي.. بالخائن المنكوس

والظلم يعصف بالجميع ..  وتنحني له رؤوس

صوت الشريف ينكتم...  ويتكلم الديوث

و يحاربوا دين ربنا .. وكأنهم  المجوس

يا بلد بتشكي فقرها ..  ومصايب المنحوس

عشنا في زمن المشين .. وصار الإنحطاط عنوان

مذلول في كل الأمم... وعلينا بس جسور

الصدق بيلجمه.. وناشر ما بينا  الزور

كاسر ميزان العدل.. ولا باقي غير الجور

هدم الحلم البسيط .. وبنى مكانه قبور

الهم عشش في القلوب...و أراضينا صبحت بور

عشنا في زمن المشين... و صار الإنحطاط عنوان

ولأجل ما تلبس الأوميجا...  بقى دمنا مستباح؟!

بكلاب ورانا في الشوارع... رافعه علينا سلاح؟!

لكن ورب العزة  .. حلمك ده اصله سفاح

ولو اتولد في الضلمة ...  هيموت في نور الصباح

والحق آخره هينتصر.. رغم الألم والجراح

عشنا في زمن المشين ... وهنموت فدا الأوطان

-------------
[email protected]