شعبان عبد الرحمن :

سيذكر التاريخ أن يوم الثلاثاء الرابع عشر من يناير 2014م كان يوم الاحتفال الأكبر باستكمال خطف مصر كلها وقتل حريتها.. وشرعيتها.. وحقوق شعبها.. ثم دفنهم.. ثم جاؤوا في يوم أسود ليرقصوا حول «المقبرة» احتفالاً بالضحية عبر وثيقة صنعها شرار القوم.. الحشاش والخمورجي والراقصة والشاذ والمنافق المتاجر بلحيته والأزهري الذي يقود تكفير الناس بالباطل.. والقس المتطرف!

نفس الشلة التي رقصت يوم الثالث من يوليو 2013م على منصة الانقلاب، هي نفسها التي رقصت على أنغام أغنية الدم والعار «تسلم الأيادي» يوم المجزرة الكبري (رابعة والنهضة).. وهي هي التي رقصت يوم الاستفتاء، ولكن رقص يوم الاستفتاء كان فاجراً ومقززاً.. قامت به عوالم الشارع المصري ونفايته.. منهن من تضع حذاء على رأسها، ومنهن من خلعت ما يستر رأسها وهي ترقص، ومنهن من اندفعت إلى أحد العسكر تقبِّله على الهواء، وفي زحمة يوم الرقص على الدماء انفرد ضابط جيش بمسيحية في استراحة القضاء المشرفين ليمارس معها الرذيلة.

وقد أفتت الشيخة والفنانة المبجلة «صابرين» بعد أن أعربت عن إعجابها بمشاهد رقص السيدات أمام لجان الاقتراع قائلة في مداخلة تلفزيونية: «شوفت النهاردة الست العظيمة الجميلة إللي بترقص، إيه الإسلام الجميل، هو ده الإسلام إللي بنقول عليه، ست محتشمة ومحترمة وبترقص عشان فرحانة بالدستور»!

وهكذا كل في مجاله؛ رقص حول مقبرة دفن مصر.. الشرعية والحرية والانتخابات الحرة.. كل رقص حول مقبرة إعلاء الباطل وشرعنة لغة الدم.. حول مقبرة تحويل مصر إلى ضيعة ملكاً للعسكر وبارونات المال المفسدين، ورجال الكنيسة المتطرفين، وبعض الخدم من ذوي العمائم البيضاء واللحى الكاذبة.. كلٌّ رقص، ولو رفض الرقص لقطعت قدمه وهشمت رأسه.. كل رقص على طريقته بالأمر العسكري المباشر فهو «المنافستو» الجديد لدولة العبيد بقيادة السادة المجرمين.. ألم تسمع «الزند» وهو يتفاخر: نحن السادة على أرض مصر وغيرنا هم العبيد!

فإعلام العار واصل رقصاته الخادعة الكاذبة بفبركة مشاهد الإقبال الجارف الجاذب على لجان الاستفتاء، والعسكر رقصوا على طريقتهم الدموية بقتل اثني عشر شهيداً يعارضون الانقلاب سلمياً، وامتلأت سماء مصر بدخان القنابل ذات الغاز السام، وامتلأت عربات الترحيلات بالمعتقلين الأحرار.

وأصحاب العمائم البيضاء من أعضاء خلية التفكير التابعة لشيخ الأزهر رقصوا أيضاً بمواصلة فتاواهم التكفيرية التي تحرض على قتل خصومهم السياسيين، فقبل أيام أفتى الشيخ نصر فريد واصل بما أفتى به شيخه وتاج رأسه علي جمعة بأن الإخوان خوارج (طبعاً كل من يعارض الانقلاب لديهم هم إخوان حتى ولو كانوا مسيحيين وبالتالي يجوز قتلهم)، ثم زاد مظهر شاهين بالقول: إن الإخوان مرتدون يجب إقامة حد الردة عليهم.. أي القتل مستصرخاً الجزار بالتحرك.. كل فتاواهم تدعو العسكر للقتل، أو تصفق فرحاً بقتلهم لخلق الله.

أما ياسر برهامي، فقد رقص على طريقته، فخرج على القوم بجلبابه ولحيته جنباً إلى جنب مع الفنانة «إلهام شاهين» كتفاً بكتف، وإصبعاً بإصبع مغموساً بالحبر.. { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {24} }(النور).

وليقدم فاصلاً من الإفتاء السياسي مبشراً - بكل نشوة - بانتهاء جماعة الإخوان، ولسان حاله يقول: «خلا لك الجو فبيضي وصفري»، لكن مصطفى بكري عاجله بتصريح تلفزيوني كشف فيه «أن قيادات بالجيش وبَّخت رئيس حزب «النور» لفشلهم في حشد قواعدهم للخروج في الاستفتاء»، لكن الشيخ عمرو خالد كان الأقل رقصاً، فقد اكتفى الرجل بالتصويت بـ«نعم»، وقد اصطحب نجله معه، ولا أدري هل اصطحبه ليشهد خيبة أبيه أم ليكون شاهداً عليه أمام الجبار بأنه قال: «نعم» للإبادة الجماعية للأبرياء!

إنه الرقص سعيا ًلتحصيل الغنائم من جثة مصر التي دفنوها وسيتسابقون عليها بعد حين نهشاً وتقطيعاً وصراعاً.. فمصر التي يعرفونها ليست مصر التي يكذبون علينا باحتضان علمها والغناء والرقص لها، وإنما هي ما يتم حشره في كروشهم من ثروات وفقط.. إنهم لن يتوقفوا عن الرقص حتى يسقطوا مغشياً عليهم.. إنها رقصة «السكرة»، ويوماً قريباً ستذهب «السكرة» وتأتي «الفكرة».. فكرة الحق الأبلج.. { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً {6} وَنَرَاهُ قَرِيباً {7} }(المعارج).

--------------------------------------

[email protected]