أحمد زهران :

الانفجار الكبير الذي هز مديرية أمن الدقهلية، صباح الثلاثاء، وأسفر عن سقوط عشرات القتلى والمصابين، وتحطم عشرات السيارات والمباني المجاورة، فضلاً عن بعض الانهيارات التي حدثت في مبنى مديرية الأمن، لا يمكن تفسيره وتحليله ومعرفة من يقف وراءه بعيدًا عن الأحداث التي صاحبته من قبل ومن بعد حدوثه، ومن أهمها:

وقوف دول غربية وأخرى أفريقية مع الشرعية وضد الانقلاب، كما صرح بذلك يحيى حامد - وزير الاستثمار في الحكومة الشرعية في لقائه الأربعاء الماضي مع الإعلامي أحمد منصور على قناة الجزيرة - وإدانة الاتحاد الأوروبي مؤخرًا للاعتقالات التعسفية للنشطاء السياسيين، كل هذا أربك حسابات الانقلابيين وأصابهم بالهلع، ومن ثم بدأ الدفع في استعمال ورقة التفجيرات الإرهابية أملاً في استقطاب تعاطف الشارع مرة أخرى، وهو المنهج نفسه الذي كان يتبعه نظام مبارك من أجل استدامة حالة الطوارئ في مصر.

تفجير مديرة أمن الدقهلية جاء بعد قيام حكومة الانقلاب بالأمس بحل (1055) من الجمعيات الخيرية التي تقوم برعاية الفقراء والمعوزين، وتجميد أرصدتها في البنوك وهو ما استتبع سخطًا شعبيًا جارفًا، فكان من الضروري أن يتم شغل الرأي العام في مصر عن جريمة حل الجمعيات الخيرية، والتركيز حول حدث التفجير الإرهابي، وهذا ما اعتادته حكومة الانقلاب بعد كل جريمة تشوه سمعتهم يتبعونها بحادث عنف لا يخلو من دماء.

هذا الحادث نسخة مكرورة ومفضوحة لما حدث من قبل في تفجير كنيسة القديسين والتي أثبتت التحقيقات المدعومة بالمستندات الرسمية أن وزير الداخلية حبيب العادلي هو من كلف القيادة 77 لتنفيذ المهمة وإخماد نبرة احتجاج البابا شنودة ضد النظام، وما حدث في كنيسة السيدة العذراء بالوراق من قيام مجهولين بإطلاق النيران على الكنيسة أثناء خروج أقباط كانوا يحضرون حفل زفاف.

الخطوة التي اتخذتها السفارة الأمريكية بتحذير رعاياها المقيمين في مصر من أن (عنفًا) سوف يحدث خلال الأيام القادمة بين المتظاهرين وقوات الأمن، يلقي بظلاله على أن الموضوع دبر بليل.

قيام الإعلامي عمرو أديب قبل 24 ساعة من التفجير بالدعوة إلى ضرورة حدوث انفجار كبير يمكِّن الانقلابيين من استعادة نفوذهم وبسط سيطرتهم على الشارع مرة أخرى، فهل تمكن عمرو أديب من معرفة الغيب، كما فعل زميلاه خيري رمضان ولميس الحديدي عندما قاما بالتنبؤ بحدوث حريق المجمع العلمي قبل حدوثه!

قيام قناة صدى البلد التابعة لأحد فلول النظام السابق بقطع الاتصال عن مراسلها الذي قال إن تفجير مديرية الأمن حدث من الداخل ولم يحدث من الخارج، وهو ما ينسف حسابات الانقلابيين - من أن التفجير كان من الخارج فقط - رأسًا على عقب.

كما لا يمكن تجاهل التصريحات الأخيرة لرجل الأعمال القبطي ورئيس حزب المصريين الأحرار نجيب ساويرس، وتهديده بالنزول إلى الشارع وحشد الليبراليين وتصعيد الموقف أمنيًا.

هناك تساؤل آخر يطرح نفسه بقوة، وهو من يمتلك المقدرة والإمكانات الهائلة ويتمكن من العبور من جميع نقاط التفتيش المتمركزة، وعربات الشرطة المتعددة، والمتاريس التي تم بناؤها حديثًا ليقوم بتنفيذ هذا التفجير؟! بل كيف حدث تفجير في الطابق الرابع  من مديرية الأمن؟ وكيف دخلت المتفجرات وصعدت إلى هناك؟ ومن الذي له سلطة الدخول إلى مثل هذه الأماكن؟ وأين هي التدابير الأمنية المتبعة؟

ثم ماذا لو علمتَ أن المتحدث باسم رئيس الوزراء قام بالإعلان عن تفجير مديرية أمن الدقهلية قبل وقوع التفجير بـ 5 دقائق؟!

وأن هناك معلومات أخرى حول تأكيد إحدى الممرضات التي تعمل بمستشفى الطوارئ بالمنصورة أنه تم إبلاغ المستشفى بالتحضير لحالة الطوارئ القصوى قبل الانفجار بنصف ساعة.

ولو أضفت إلى ذلك الفيديو الذي تداوله نشطاء على الفيس بوك للمجند محمد رضا عبد الله وهو مجند تأمين في مديرية أمن الدقهلية الذي قال وبالحرف: " كل يوم كانوا بيعملوا تأمين... اليوم ده معملوش تأمين!!!!".

كل ما سبق يثبت أن هذه التفجيرات كانت معدة ومخطط لها سلفًا، كما تعتبر دليلاً على أن من قام بها إنما هي أجهزة أمن الانقلاب.

أما المسارعة في توجيه أصابع الاتهام للإخوان عبر تصريح رئيس الحكومة الانقلابية الببلاوي أن الإخوان جماعة إرهابية، والسرعة في اتهام الإخوان تحديدًا من بين قوى التحالف الوطني بهذا العمل الإرهابي من قبل بدء التحقيقات، ومن قبل معاينة موقع الحادث من الخبراء الأمنيين فهو يشي بالفشل في استيعاب الأمر والقدرة على تداركه، ويشي بنيّة مبيتة وتوجهًا عامًا لاتهام الإخوان بذلك، كما يشي ذلك بأن حكومة الانقلابيين تقوم بتوظيف الأحداث لما يخدم رغباتها ومطامعها السياسية وحسب.

ثم كيف يقوم الإخوان بمثل هذا الحادث الوضيع؟ وهل هم في حاجة إلى مثله؟ بينما أعداد المؤيدين للشرعية في تزايد مستمر يومًا بعد يوم، وصمود الشارع الأسطوري طوال ما يقرب من ستة أشهر كاملة عبر مسيرات وتظاهرات يراها العالم كله (مباشر)، ويشهد لها القاصي والداني بالسلمية فاق كل تصور وتوقع.

لو أضفت إلى ذلك ما أكده البعض من أن مبنى مديرية الأمن بالدقهلية به عشرات الثوار المعتقلين وأكثرهم من الإخوان المسلمين، إضافة إلى فتيات المنصورة الثلاثة (منه وأبرار ويسرا) فكيف يستساغ عقلاً أن يفجر الإخوان مبنى به عشرات المعتقلين من أعضائهم وأنصارهم وغيرهم من أنصار الشرعية؟!

إن ما تؤكده هذه التفجيرات أن حكومة الانقلاب لن ترعوي عن فعل أي شيء يقف حجر عثرة أمام تنفيذ مخططها بالسيطرة على البلاد، ولو أدى بها ذلك إلى القيام ببعض التفجيرات الطائفية، واغتيال بعض النشطاء والفرقاء السياسيين، لتصل بذلك إلى تصدير الخوف والفزع في الشارع المصري، وإلى كُفر الناس بالديمقراطية وما جلبته على البلاد، وحينها يجهز الانقلابيون على كل الفصائل المعارضة إما قتلاً أو حبسًا أو انزواءً وخوفًا، ومن ثم تخلو البلاد لهم ليفعلوا فيها ما يريدون دون أدنى مقاومة تذكر.

أنصار الشرعية بالتالي عليهم تبعة كبيرة في حسن إدارة المعركة مع الانقلابيين، بتفويت فرصة إراقة الدماء عليهم، وتوعية الشعب بحقيقة مخططات هؤلاء الانقلابيين، والاستمرار في التصعيد السلمي من أجل إنهاء هذه الحالة العبثية من إراقة دماء المصريين واللعب بمصير الوطن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (*) كاتب صحفي