حسن القباني
منسق حركة صحفيون من اجل الاصلاح
يتساءل الكثيرون عن وضع الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية بعد تحريره من الاختطاف القسري وعودته لمهامه واسقاط الانقلاب العسكري الدموي ، في ظل وجود مؤشرات بحملات استباقية مناكفة ومحملة بالتوجهات الحزبي المضادة والمتضررة واصرار واسع من حكماء وعقلاء المشهد السياسي الوطني علي حتمية الحفاظ علي المسار الديمقراطي والشرعية الدستورية كاملة.
وهنا يجب ان نفرق مابين ماهو دستوري وشخصي ، وما بين هو ثوري وطني وحزبي ، وما بين هو ارادة شعبية وارادة حزبية ، فاذا كان اختيار الرئيس ديمقراطي دستوري وأمره شأن وطني عام ، وجاء بارادة شعبية لا ارادة حزب او جماعة او فصيل ، فلا يجب ان تخضع مسألة دستورية ثورية للاراء الشخصية ، او التحكمات الحزبية أو الحسابات الحزبية الضيقة ، لوضع حد فاصل يمنع أي خائن من تكرار الخيانة او اي فاشل من التعاون علي الغدر او كسر ارادة الشعب.
إن تركيز البعض علي حسم مواقف الرئيس دون وجوده معهم وصولا الي تجميد عودته كما هو موجود في بعض الاحاديث ، هو اختطاف لحق الرئيس الشرعي في تسيير دفة الأمور، وسماع رأيه في المسار الثوري الوطني ، واحتقار لاصوات الملايين التي صوتت له وللمسار الديمقراطي الناشيء ، وتضييع جديد للثورة في عبث المهاترات الحزبية ، ومخالفة لمطالب الشهداء ، و خذلان لصموده المهيب والاسطوري الذي يمد الثورة بوقود بقاء خاصة انه كان من الممكن ان يوقع او يبيع ولكنه لم يفعل ومقولته مازالت تردد في الافاق "الشرعية ثمنها حياتي" .
ولعل هذا الصمود المهيب هو الذي دفع الانقلابيين لعقد محاكمة مزعومة وغير مختصة له بعد ان اصر في كل التحقيقات علي الشرعية ومطالب الثورة وشهدائها وتمسك بمحاكمة من حاكموه او حققوا معه بالباطل ، بعد أن فشلوا في كسر الثورة او وقفها زحفها نحو تحقيق كامل مطلبها .
إن المرحلة الانقلابية الفاشلة تمهد الطريق بقوة لعودة الرئيس المنتخب ، حيث يقدم الانقلابيون كل يوم دليلا جديدا علي شرف ونزاهة وبسالة الرئيس الشرعي المختطف د.محمد مرسي في حمل قضايا الثورة والوطن والشعب ، وكل تسريب سيسي او فشل حكومي يحمل في طياته تصحيحا وازالة لما رسبه مخطط الانقلاب علي مدار عام في أذهان البعض المخلص عن ادائه .
بطبيعة الحال ، هناك اخطاء للرئيس محمد مرسي شأنه شأن كل الرؤساء البشر في الدول الديمقراطية المدنية ، ولكن اتضح جليا انه لم يكن طرطوا لمجلس عسكر او غيره ، وكان مدافعا عن مدينة الدولة وثورة 25 يناير ، ويمتلك مشروعا سياسيا وطنيا به بعض الملاحظات شأنه شأن كل البرامج الانتخابية التي تصنع في الارض ولا تأتي بملائكة من السماء ، فضلا عن انه لم يكن يسرب او يدير الامور بالفكاكة أو ثبت انه يعين فاسدين في مناصب سيادية بعد ان تم عزلهم !!.
إن ادخال الرئيس محمد مرسي مرة اخري بعد عودته في مناكفات الساسة الحزبيين ، سيبعد الجميع عن الثورة مرة اخري ومطالبها ، ويقودنا الي مزيد من الصراعات تمهد لمزيد من الانقسامات يستفيد منها المتورطين في دماء رافضي الاستبداد والانقلاب في 2011و 2013 ، وبالتالي يجب ان يعود بخارطة واضحة لتمكين الثورة ، والتعامل كقائد لها ، لا جزء مشارك فيها فقط ، وصموده سطر له في التاريخ ما يمكنه من ذلك .
هذا سيطرح علي الرئيس بعد عودته ، التحرك لاقرار مطالب خمس : " عيش ، حرية ، شرعية ، عدالة اجتماعية ، كرامة انسانية " ، بما يتطالب تحقيق القصاص العادل واستكمال المسار الديمقراطي وحمايته وانقاذ المؤسستين العسكرية والامنية والسلطة القضائية والسلطة الرابعة "الصحافة والاعلام" ، والنهضة الاقتصادية ، والمصالحة المجتمعية .
قد نواجه معضلة حقيقة ، وهي في قبول القوي السياسية التي شاركت في الانقلاب ، بالوضع الجديد ، وهو ما يمكن معالجته بالمسار الديمقراطي مع وضع وثيقة ميثاق شرف سياسي ، مع تترأس الرئيس مرسي بشباب الثورة وحرائر مصر والقوي السياسية البيضاء والكفاءات من كل الوطنيين الاحرار وتمكينهم بشكل قوي ومركز من كافة المواقع ، وبناء حائط اعلامي ايجابي يحمي الثورة وينشر الديمقراطية وفق خطة اشمل يضعها المتخصصون ، وقد نحتاج الي جولة سياسية مبكرة لحسم اي نزاع سياسي أومناكفات حزبية ، اذا رفض الفرقاء التعاون مع شركاء الثورة ، او اي طرف اخر ، وهو يجب ان نكون حريصين فيه علي اعلاء الثورة اولا .
وبكل تأكيد ، سنواجه بتحرك مضاد ، من دول التبعية الصهيوامريكية ، التي مهدت للانقلاب ودعمته ولكنه فشل وسقط ، وهو ما يتطالب بناء محور الربيع العربي ، علي الفور، بخارطة قومية واسلامية حضارية ، تتبني المقاومة ، والاستقلال ، والتحرر، وتزود عن مكتسبات ثورات الربيع العربي ، في طريقها لتحقيق الهدف الاسمي للعرب والمسلمين .
وينبغي ان نحذر من الاستغراق في الشأن السياسي الحزبي واعلائه علي الشأن الثوري ، كما حدث في 2011 ، بحيث يكون التمكين للمسار الديمقراطي جزء من مطالب الثورة وليس هو الثورة ، كما انه ليس هو القاطرة ، فالثورة قاطرتها الجماهير الثائرة المرابطة علي العهد.
ونحب أن نؤكد الرئيس يحمل الخير للجميع ، مؤسسات وأفرادا ، وكيانات وهيئات ، فهو عندما يصحح ما حدث ، ويقر القصاص ويسترد للوطن الثورة ويعدل ما انقلب ، فهو يمنح السفاح وعصابته في كافة المؤسسات طوق نجاة لتطبيق العدل عليهم في الدنيا قبل ان يصل للاخرة دون تطهر ومحاسبة ، ويمنح الصابر القابض علي الجمر قبلة حياة ومداد احياء بانه لا ضاع حق وراءه مطالب ، ويسطر للتاريخ ان مصر ستبقي مقبرة الطغاة والغزاة والخونة .
ويجب هنا ألا يدعو أحد لهيكلة تصور خاص بفرد أو شخص ، فالثورة ليست ملك لجماعة تحسم أو فصيل يقرر ولها قيادة متنوعة ومتوافقة ، والقواعد العامة واضحة ولكن الاستغراق في النقاط الدقيقة التي تخص هذا أو ذلك ، قبل الحسم ، مضيعة للوقت ، ولاينبي عليها عمل والافضل ان تترك مكتوبة لطاولة ما بعد الحسم .
إننا نثق في أن ما بعد عودة الرئيس مرسي لمهامه كقائد ثورة ورئيس منتخب ، مرحلة مهمة وايجابية وحاسمة من عمر الوطن المفدي والأمة العربية والاسلامية ، ستحتاج إلي استمرار الحشود الثورية ، والزخم الثوري .وستؤتي اكلها بتحقيق كافة مطالب الشهداء والاحياء الاحرار، وانطلاقة جديدة للربيع العربي في وجه الحملة الصهيو امريكية .