د. جمال عبد الستار محمد

لا شك أن علماء الأزهر على مر العصور والأزمنة سطروا صحائف من ضياء فى الحفاظ على هوية الأمة الإسلامية ، وذلك بوسطية المنهج الأزهري ، وعمقه العلمي الرصين الشامل ،وبالجهد الراقي والرائق للسادة العلماء
وبالطبع فإن هذا لم يمنع علماء الأمة الكبار من القيام بدورهم في صناعة الحياة، والمشاركة الفاعلة في نهضة الأمة وريادتها، بنشرهم لقيمة الحرية ودفاعهم عن المظلومين ووقوفهم فى وجه الظالمين، أفرادا كانوا أو حكومات.
وقد خلَّد التاريخ هؤلاء الأعلام الذين لم يشغلهم الغوص فى بحور العلم واستخراج اللآلئ النافعة للأمة عن الصدع بالحق، خاصة أوقات الفتن والأزمات، لم يمنعهم بحثهم من أن بعلنوها واضحة فيقولوا للظالم "يا ظالم".
ومن هنا فإن أعدادا كبيرة من النابهين والعلماء ربما نسيهم الناس واندثرت آثارهم وماتت معهم علومهم. لأن علومهم لم تتحول الى واقع يصنع الحياة الاسﻻمية الراقية في كل التخصصات ، بل أذكر احدهم رحمه الله تعالى كنت ﻻافتح معه بابا من العلم الا وجدت عنده كامل الإحاطة ، وعظيم الادراك ،حتى خيل لي انه مكتبة متحركة تحوي مل التخصصات ، ومات بعد اقترابه من سن السبعين ، ويوم ان مات سألت نفسي ماذا ترك شيخي الحبيب للأمة ؟ وماذا غير فيها ،وكيف ساهم في صناعة الحياة ؟!ومن يعرفه من الناس ؟ فلم اجد للاسف إجابة !
إلا أن الأمة بحال ما كان لها أن تنسى جهاد العز بن عبد السلام، وشيوخ الأمة الاعﻻم ،الذين صنعوا بعملهم وعلمهم حياة إسﻻمية راقية ،
وبالنظر إلى واقع الأمة المعاصر فنحن نسأل..
أين علماء الأمة؟
أين العمداء والوكلاء والأساتذة والشيوخ ورؤساء الأقسام وأصحاب الفضيلة ، وحملة الألقاب العلمية الراقية؟
أين هم من الصدع بالحق؟
أين هم من تلك الدماء البريئة التي تُسال ليل نهار في شوارع مصر دون ذنب أو جريمة؟
أين هم من تفريغ مشروع الدستور اللقيط من كل قيمة أخلاقية أو مرتكز إسلامي؟
أين هم من حملات الترويع والتفزيع والتجهيل التي تتعرض لها الأمة ليل نهار؟
أين هم من المجتمع الذي قام الانقلابيون بتقسيمه إلى شعوب مختلفة ولكل منهم رب مختلف؟
أين هم من الهجمة العلمانية المحمومة على مفاهيم الإسلام وقيم الإسلام والنظام الإسلامي، الذي ما فتئوا يدرسونه لطلابهم ويكتبون فيه أبحاثهم؟
ألم يُحرك كل هذا الظلم والطغيان إيمانكم ويستفز صمتكم!!!
ألم يأخذ ربكم عليكم الميثاق أن تبينوا الحق للناس ولا تكتمونه، وأعوذ بالله أن تكونوا من الذين نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا.
إن الاكتفاء بالإسترجاع والحوقلة وغيرهما فى مثل هذه الأوقات جريمة، وإن السكوت عن نصرة الحق والصمت على طغيان الباطل إنما هو بمثابة توقيع صريح للباطل بالاستمرار، وانحياز واضح للإجرام.
إن العلم - شيوخنا- ليس وظيفة ودرجة وراتباً، ولكنه نور جعله الله أمانة فى أعناقكم، فإذا لم تنيروا للناس طريق الهداية وتسيروا أمامهم فيه.. فما قيمة ما تحملونه من نور لا تستضيئون به ولا تضيئون لغيركم؟
بئس العلم علماً لم يدفع صاحبه للصدع بالحق ومقاومة الباطل.
بئس العلم علماً اتخذه صاحبه لينال به درجة أو كسباً أو جاهاً، ولم يدفع حامله إلى مقدمة الصفوف للدفاع عن الشريعة والدماء والأعراض والأموال.
بئس العلم علماً لم ينقل صاحبه من الجبن للشجاعة، ومن الذل للعزة، ومن الهوان للكرامة، ومن الأخذ إلى العطاء.
بئس العلم علماً لم يهزل به جسد صاحبه هماً وغماً لما حاق بالبلاد والعباد، ومنع أجفانه الكرى، وحرمه لذة المطعم والمشرب والحياة.
بئس العلم علماً ضحك صاحبه والناس يبكون، وصمت صاحبه والناس بالحق يصدعون، وفرح صاحبه والناس في كل مكان محزونون، وجلس في البيت صاحبه والخلق فى الشوارع يجاهدون.
ما أحقره من علم يتقدم به صاحبه الصفوف فى المغانم، ويتصدر به المجالس، ثم يتأخر بصاحبه عند المغارم، وأيام المحن والمصائب.
شيوخنا.. سينتصر الحق، بكم أو بغيركم، فلتكونوا مع الحق حيث كان، وإلا فإن سنة الله قائمة لا تتبدل،
{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}