شيرين عرفة :
في الذكرى الأربعين لحرب أكتوبر المجيدة .. لم أشاهد جيشنا المصري الذي انتصر على الصهاينة في السادس من أكتوبر 1973 م , والذي زأر بقولة ( الله أكبر ) وحارب جنوده بكل بسالة وإخلاص وهم صائمون في نهار رمضان ,
و لم أشاهد أبطالا وقادة عظماء لجيشنا كمثل الفريق البطل ( سعد الدين محمد الشاذلي ) مهندس حرب أكتوبر و رئيس أركان حرب القوات المسلحة من 16 مايو 1971 م إلى 13 ديسمبر 1973 م والذي كان مؤسس وقائد أول فرقة قوات مظلية في مصر , وصاحب خطة ( المآذن العالية ) للهجوم على إسرائيل وإقتحام قناة السويس والتي كانت أهم اسباب انتصارنا في حرب أكتوبر ( بعد توفيق الله ) والتي تغلب فيها على ضعف إمكانات دفاعاتنا الجوية وحقق إنتصارات هائلة ,
ولكن للأسف في 13 ديسمبر 1973 م وهو في قمة عمله العسكري بعد حرب أكتوبر تم تسريحه من الجيش بسبب خلافاته مع الرئيس الراحل ( أنور السادات ) حول تطوير الهجوم نحو المضايق لتخفيف الضغط على الجبهة السورية , والذي كان بالفعل كما رآه الفريق الشاذلي : تطويرا فاشلا أدى لحدوث ثغرة الدفرسوار , ثم تم تعيينه سفيرا لمصر في إنجلترا ثم البرتغال , وفي عام 1978 م انتقد الشاذلي و بشدة معاهدة كامب ديفيد وعارضها علانية , مما جعله يتخذ القرار بترك منصبه والذهاب للجزائر كلاجئ سياسي , وللأسف الشديد بسبب خلافه هذا مع السادات ومعارضته لمعاهدة كامب ديفيد , فقد كان الوحيد من قادة حرب أكتوبر الذي لم يتم تكريمه بأي نوع من أنواع التكريم , على الرغم من دوره الكبير في إعداد القوات المسلحة المصرية وفي تطوير خطة الهجوم والعبور , وإستحداث أساليب جديدة في القتال , وفي توجيهاته التي تربى عليها قادة وجنود القوات المسلحة المصرية , وقد توفي رحمة الله عليه في 10 فبراير 2011 م , ومن أشهر مقولاته : ( أنا واثق من أن مصر وليس ( السادات حاكم مصر ) سوف تكرمني في يوم من الأيام بعد أن يعرف الشعب حقائق وأسرار حرب أكتوبر والدور الذي قمت به ).
كما لم أشاهد قادة عظماء من أمثال الفريق ( محمد عبد الغني الجمسي ) والذي كان يرأس هيئة العمليات للقوات المسلحة المصرية والتي قامت بالتخطيط لتفاصيل العمليات الحربية وأعدت دراسة عن أنسب توقيتات البدء بالهجوم وسميت ( كشكول الجمسي ) وأختير على أساسها موعد الحرب , و الذي تولى رئاسة أركان القوات المسلحة خلفا للفريق سعد الدين الشاذلي 13 سبتمبر 1973 م , وهو آخر وزير حربية مصري قبل أن يتغير اسم الوزارة إلى ( وزارة الدفاع ) و قد تمت إحالته للتقاعد بسبب رفضه قمع تظاهرات يناير 1977 م , وقد تم تصنيفه ضمن أبرع 50 قائد عسكري في التاريخ ,
كما كان من أذكى وأقوى القادة الذين حاربوا إسرائيل على الإطلاق , حتى في مباحثات السلام ( الكيلو 101 ) كان من أشرس القادة الذين جلسوا مع الإسرائيليين , ومن مواقفه الشهيرة : خروجه على الجنرال ( ياريف ) رئيس الوفد الإسرائيلي دون إلقاء التحية أو المصافحة وبكل تجاهل جلس مترئسا الوفد المصري , وحينما أخبره ( كيسنجر ) بموافقة الرئيس السادات على إنسحاب أكثر من ألف دبابة و70 ألف جندي مصري من شرق القناة , رفض الجمسي وسارع بالإتصال بالسادات الذي أكد موافقته , ليعود الرجل لمائدة المفاوضات وكانت مفاجأة ل ( هنري كيسنجر ) أن يرى دموع الجنرال الذي أرعب القادة الإسرائيليين ووصفته ( جولدا مائير ) بأنه : ( الجنرال النحيف المخيف ) , كما لقب بثعلب الصحراء المصري لبراعته في قيادة معارك الصحراء .
ولكن في الإحتفال بالذكرى الأربعين لذلك النصر المجيد لجيشنا المصري فقد شاهدت جنرالا يقود الجيش لم يشترك في أي حرب مع العدو الإسرائيلي , بل على العكس يصفه العدو الإسرائيلي بأنه بطل قومي لليهود , ينسق مع الجيش الإسرائيلي علنا على ضرب المصريين في سيناء , كي يحصل على دعم قادة إسرائيل لإنقلابه العسكري , فيقوم رئيس وزرائها السابق ( إيهود باراك ) بجولة بين عواصم أوروبا وأمريكا يطلب دعم دول العالم واعترافها بإنقلابه , وبعد أن خان هذا القائد رئيسه الأعلى وانقلب عليه وعزله من منصبه بلا وجه حق واختطفه في مكان غير معلوم , ثم عطل الدستور وألغى كل المؤسسات المنتخبة من الشعب , إذ به بدلا من أن يوجه بنادقه وأسلحته تجاه العدو الإسرائيلي يوجهها إلى صدور المصريين العزل الرافضين للإنقلاب والذين يتظاهرون يوميا منذ ثلاثة أشهر وبكل سلمية , بل ويرتكب أربعة مذابح كبرى ويقتل ستة آلاف مصري ويجرح أكثر من اثنى عشر ألفا ثم يعتقل ما يزيد عن عشرين ألف مصري , ويصبح في عهده شغل مصر الشاغل هو بناء مزيد من السجون , حيث تقترض الداخلية مليار جنيه لبناء ثلاثة سجون جديدة , ثم تقوم بتحويل 29 مقرا من مقرات هيئة الرقابة الإدارية في 26 محافظة إلى سجون ومقرات إحتجاز وتحقيق مع المتهمين , لتتحول مصر إلى ثلاجة موتى وسجن كبير ,
ثم يأتي سيادته ليحتفل بذكرى حرب اكتوبر بوصلات من الرقص الشرقي و الغناء , و يتجمع عبيده ومؤيديه في التحرير حول منصة تتراقص فوقها العاهرات تحت حماية مدرعات جيشنا الباسل وقوات شرطتنا , وذلك في أول أيام ذي الحجة ( أعظم أيام الله ) , بينما حول الميدان يتساقط خيرة شباب مصر برصاص جنود جيشنا , ليرتقي خمسون منهم شهداء إلى رحمة الله , ويجرح العشرات .
ويقف قناصة من قوات الجيش تقنص المتظاهريين السلميين العزل في الشوارع وتقتلهم بدم بارد , بينما تصور الكاميرات جنودا آخرين في ميدان التحرير يتراقصن ويتمايلن مع النساء تعبيرا عن فرحتهم الجمة بنصر أكتوبر .
ثم أرى المتحدث باسم الجيش المصري والذي يصفه قائد الجيش بأن مؤهلاته التي وضعته في تلك المكانة هي أنه جاذب للنساء , وأعتقد أن قائده كان يتكلم عن نساء عائلته ومن يعرفهن من النساء , لأن حرائر مصر أشرف من أن يقال عليهن ذلك , ثم يفتخر هذا المتحدث العسكري والذي لا يعرفه أغلب شباب مصر سوى بالاسم الذي أطلق عليه في مواقع التواصل الإجتماعي بعد كذبته الشهيرة وإنكاره الهجوم الإسرائيلي على سيناء , فأطلقوا عليه اسم ( نوال ) ,
وفي حديثه مع راديو 9090 يقول هذا المتحدث أنه لم يدخل الكلية الحربية سوى بعد ضغط السيدة الوالدة , كما أنه لا يخجل من وصفه بالقائد الحليوة والتي أطلقها عليه كثيرون من ابناء شعب مصر الذين أحبوه ..
وبين قائد للجيش هو بطل قومي لليهود , وقاتل لشعبه , ومتحدث عسكري لا بخجل من وصف قائده له بأنه جاذب للنساء ويفتخر بوصفه القائد الحليوة ..
فوالله ..لم أر جيش نصر أكتوبر بقادته العظماء , بل رأيت جيش النكسة تحت حكم الرئيس ( جمال عبد الناصر ) فرعون مصر الحديثة , والذي استلم مصر وهي اسمها ( مملكة مصر والسودان ) ويقع قطاع غزة تحت حكمها , ثم سلمها لمن بعده بدون السودان وبدون غزة وبدون ثلث مصر وهي ( سيناء ) بعد هزيمة نكراء لجيشنا المصري بقيادة المشير : ( عبد الحكيم عامر ) رئيس أركان الجيش ونائب الرئيس و الصديق المخلص لعبد الناصر والمتزوج من الراقصة ( برلنتي عبد الحميد ) وعرف عنه ولعه واهتمامه بعالم الفن واهله .
لقد رأيت جيش ( شمس بدران ) وزير الحربية و أحد ملوك التعذيب في عهد عبد الناصر , ومدير سجونه ( حمزة البسيوني ) و الذي قال قولته الشهيرة لنزلاء السجن حينما كانوا يستغيثون من شدة العذاب بقولهم : يارب يارب , فقال لهم أين ربكم هذا لأضعه معكم في الحديد وأسجنه في نفس الزنزانة , فلم يمت سوى بأسياخ الحديد مخترقة جسده ومحولة إياه لأشلاء في حادث سيارة مروع ,
لقد رأيت قادة يحاربون علماء الدين وقد قتلوا ثلاثين عالما أزهريا في مجزرة رابعة والنهضة , ويحرصون على سجن العلماء وأساتذة الجامعات , بينما يحتفون ويكرمون الممثلين والممثلات والراقصين والراقصات , سيرا على خطى اللواء ( صلاح نصر ) رئيس المخابرات العامة في عهد عبد الناصر , و الذي ألفت عنه زوجته بالإكراه ( إعتماد خورشيد ) كتابا يحكي قصص شذوذه ومغامراته النسائية وولعه بأهل الفن والطرب و تلذذه بتعذيب الشرفاء والعلماء وخطباء المساجد في السجون ..
إنه جيش النكسة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ..وإن لم ينقذ شرفاء الجيش المصري جيشنا من براثن هؤلاء الإنقلابيين .. وينتفض الشعب المصري كله ضد هؤلاء القادة ..ليسترد جيشه الذي سرقوه منه .. فلا ننتظر سوى نكسة جديدة ( أعاذ الله شعب مصر منها ) .
شرين عرفة
[email protected]