محمد جلال لاشين
أينما وليت وجهك بين أطلال الوطن - منذ وقعت به كارثةُ الانقلاب - باحثاً عمن وصفوا أنفسهم يوما "بالأحرار " ، واستأثروا بهذا الوصف من دون الناس ، بل ابتدعوا لفظ " خرفان " ليغمزوا به فصيلاً وطنياً قد بزَّهم وتفوق عليهم في صولات وجولات - فلا تكاد تُحس منهم من أحد أو تسمع لهم رِكزا !
لقد خنق العسكر حريتهم المزيفة ، ووطأت بيادته المتجبرة شرفهم الموهوم ، ولم يُبقى لهم ضمائر حية لتثور وتعترض ، غيرةً على حرية أو غضبا لشرف ، لقد رضوْا مستمتعين بجبروته وطغيانه ، ولعقوا بيادته وسبحوا بسلطانه !
كأنما أراد القدر أن يعاقبهم بنفس ما أوقعوه بغيرهم زوراً وبهتاناً ، وكبراً وغروراً ، ليكونوا بحق عبيدَ البيادة ، أو إماءً في سوق النخاسة !
أو أنه أراد أن يريهم من زعموهم بالأمس خِرافاً وعبيداً ، يقفون اليوم بساحات الكرامة في وجه المدافع والطائرات أحراراً شُماً ، فلا لانت لهم عزيمة ، ولا انخفض لهم صوت ، ولا أوهنتهم المصائب ، ولا انحنت رؤوسهم ذلا للطغاة !
نعم ؛ لقد أراد القدر أن يريهم من زعموهم بالأمس قطعانا من الخِراف ، تسوقهم قادتهم نحو مآربها ومصالحها بلا اختيار - أحرارا وأسيادا يمتلكون أزمة أنفسهم ، ويخرسون أصوات لائميهم وغامزيهم بالصمود والبِدار ، كلما امتدت يد الغدر والانقلاب إلى قائدٍ لترمي به خلف جدران السجون وآتون المعتقلات !
على أن هناك أحراراً آخرين ، قد ازدانت نفوسهم بالشرفِ والمروءة ، فما فَجروا في خُصومة ، ولا طعنوا مخالفيهم غيلة ، ولا نابذوهم بالألقاب ، ناضلوا قديما من أجل الحرية والكرامة ، ولا زالوا على عهدهم يناضلون مع غيرهم في الصفوف الأولى ، يدورون مع الحق حيث دار ، ويبذلون أرواحهم رخيصة ، فداءً لوطنٍ عزَّ عليهم أن يعيش أبناؤه عبيدا !