حازم سعيد :

زميل دكتي الأستاذ الدكتور بأحد كليات الطب بمصر ، ورفيق رحلة عمر أعرفه منذ ثلاثين سنة ، منذ أن كنا على دكة واحدة في الصف الثاني الثانوي ، وهو من أسباب التحاقي بجماعة الإخوان المسلمين ، بخلاف شقيقي .

أخي الدكتور طول عمره زعيم وقائد في دفعتنا ، أكثر ما أحبه فيه هو ثباته الرائع على أوراده الشخصية ، وحرصه الرهيب على الفرائض ومداومته على النوافل ، ربما يكون قد أدي الحج أكثر من سبع أو ثماني مرات ، بخلاف أكثر من عشرين - ثلاثين عمرة مع أنه لا يقيم بالسعودية .

انعكس هذا السلوك على زوجته وذريته لنجد أنهم جميعاً من حملة القرآن حتى أصغرهم ( أولى ثانوي ) يحفظون القرآن كاملاً مجوداً ، ويرتدون الزي الشرعي ( الحجاب بالخمار ) مع المشاركة بالمبادرة في كل أعمال الخير والبر وما فيه نفع المجتمع في نموذج رائع للبيت المسلم ، مع التفوق الدراسي ، مع الخلق الطيب الرائع وحسن العشرة .

في السنتين - ثلاثة الأخيرة ازدادت رفقتي مع أخي وحبيبي رغم أنها لم تنقطع منذ الثلاثين سنة - إلا خلال سفره في بعثة الدكتوراة - ليصبح لقاؤنا معاً يومياً ، وخاصة في السنة الأخيرة ، حيث كنا نلتقي أكثر من مرتين أو ثلاثة في اليوم الواحد .

أقمنا سوياً باعتصام رابعة لا نتفارق ، وكنا أثناء سفرنا للذهاب أو العودة من وإلى رابعة لا نفترق ، نسافر سوياً بسيارتي أو سيارة أخ لنا أستاذ دكتور هو الآخر ، هذه الصحبة الطويلة عرفتني من طبائع أخي الشخصية والخلقية والنفسية ما أستطيع أن أحكم له بالصدق والصلاح والإخلاص والحرقة على الإسلام والمسلمين - ولا أزكيه على الله والله حسيبه -

فجعتني قوات أمن الانقلاب والبلطجية بأخي وحبيبي حين قامت باعتقاله بعد فض اعتصام رابعة من منزله ، وكنت معه قبلها بساعتين أو ثلاثة ، وكنت أوصيه بشدة ألا ينام في البيت - ليس خوفاً من هؤلاء الجبناء - وإنما حرصاً على الصالح العام وأن يكون المصلحون من أمثاله خارج نطاق السجن ، وألا يتغلب الفاسدون المفسدون على المصلحين ، ولكنه صمم أن يبر والدته وأن يقر عينها ، وقال سأذهب أتغدى ( وكنا في منتصف الليل ) وأطمئن أن الحاجة نامت وأخرج إن شاء الله ، وسيبها لله يا عم ..... ، ربك بيعمل اللى هو عاوزه ( سبحانه ) . ويبدو أنه راحت عليه نومة فداهم الجناة منزله في الثالثة قبيل فجر نفس اليوم واعتقلوه .

 

نص الرسالة :

أخي الذي أحدثكم عنه أرسل لي ولغيري رسالة مساء الليلة الماضية - وهي ليست رسالة في ظرف بريد - وإنما هي رسالة تربوية إيمانية دافعة على الأمل والثبات ، وتبين للعالم كله طبيعة أخلاقنا وعزتنا وثباتنا على طريقنا ، وصلتني حين قابلت أحد المحامين الموكلين بمتابعته هو وإخوانه من المعتقلين ، وأراني صورة من محضر التحقيقات الرسمية والأسئلة الموجهة لأخي الحبيب ونص إجاباته ، فوجدت أن نص الإجابات بعينها وهذا الثبات والوضوح والصدق هو في ذاته رسالة ، لا أستطيع أن أبخل بها على إخواني وأخواتي ، بل والعالم كله .

وعندنا نحن الإخوان مثلها المئات والآلاف من الرسائل التربوية الإيمانية والشهادات الحية على مواقف الثبات والصمود والشهادات الحية ، ما لو جلسنا نحكي عنه عشرات السنين ما كفت ، وهذه عينة حية حاضرة لنموذج رائع من نماذج الإخوان المسلمين أسوقه إليكم فيها جزء صغير من الأسئلة الموجهة له والإجابات التي رد بها على المحققين ، وأختم بها المقالة ، أقول للعالم كله بها ، أن هذه هي أخلاقنا وأفكارنا وصدقنا مع أنفسنا ومع الناس ، فلتشهد يا تاريخ على أخلاق وشجاعة الثوار والمناضلين من أحرار مصر والعالم العربي والإسلامي في القرن الواحد والعشرين .

 

المحقق : ما رأيك فيما هو منسوب إليك بأنك بمنصب قيادي في جماعة محل الاتهام بأنها مسلحة ، حيث حاولت والآخرين بالقوة تغيير النظام الجمهوري ومقاومة السلطات ؟

أخي : ليس نحن من فعل ذلك ، وإنما الذي حدث بالفعل هو قيام مجموعة من العسكر بانقلاب عسكري متكامل الأركان على نظام جمهوري ديمقراطي ، حضر فيه المصريون خمس انتخابات متتالية أدلى فيه الملايين بصوتهم بحرية ونزاهة شهد بها العالم ، وكل المنظمات الدولية والحقوقية .

وبدون مقدمات حدث هذا الانقلاب العسكري الفاجر ، ورغم أنه انقلاب عسكري فاجر فأنا أرفض تماماً أي استخدام للعنف والسلاح وأجرمه ، ومن ثم أرفض هذا الاتهام .

وأنه كسابقيه اتهام ملفق مسيس تدليسي سيحاسب الله سبحانه وتعالى كل من وضع هذا الاتهام بقول أو فعل أو عمل أو سفك للدماء ، وكفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه من أنه من أعان على سفك دم امرئ مؤمن ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة ومكتوب بين عينيه : آيس من رحمة الله . فاعتبروا يا أولي الأبصار .

 

المحقق : ما قولك فيما هو منسوب إليك بأنك متهم بطريق بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة على تخريب مباني وممتلكات مخصصة لمصالح حكومية تنفيذاً لغرض إرهابي وقصد بارتكاب تلك الجرائم إشاعة الفوضى وإحداث الرعب بين الناس ونجم عنها موت أشخاص كانوا متواجدين بتلك الأماكن .

أخي : كل مؤسسات الدولة ملك للشعب ، وحري بأستاذ جامعي مثلي أن يحافظ على ممتلكات الدولة ، ولم يحدث هذا مطلقاً وأرفضه تماماً .

 

المحقق : ما قولك فيما هو منسوب إليك أنك متهم بالاشتراك بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة في قتل آخرين ؟

أخي : الذي شاهدته أن القتلة المفسدين هم بلطجية الانقلاب العسكري الفاشي بكافة طوائفه وبلطجية موتورين من أفراد الشرطة والجيش الغير شرفاء وهم أصحاب هذه الأفعال والجرائم ...

 

المحقق : ما قولك فيما هو منسوب إليك بأنك قيادي في جماعة محل الاتهام بأنها إرهابية وتعمل على القتل وإحداث الفوضى .

أخي : الإخوان جماعة دعوية تربوية تعمل على نشر الخلق والفضيلة والصلاح في المجتمع كله ، وتتبنى نشر الفكر والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتعمل على نفع المجتمع بكل ما فيه خيره ، من مستشفيات ومدارس ومؤسسات ، كلها تبني المجتمع وتربيه ولا تحدث فوضى ، وليس فيها إرهاب أو قتل أو عنف ، ومن يدعي ذلك هم خصومها من الانقلابيين المتورطين في العنف والإرهاب ....

 

 سارت إجابات أخي كلها على نفس المنوال من الوضوح والثبات وإدانة الإنقلاب العسكري الدموي الفاشي وكلها تصلح لأن أنقلها لكم - لولا مخافة التطويل - والذي لفت نظري بخلاف الصدق والوضوح ، وعدم اللف والدوران في الإجابات ، هو مدى خسة هؤلاء الانقلابيين الذين يفعلون الجريمة ثم يلصقونها بالشرفاء ، وانظر لصيغة الأسئلة وما فيها من استغباء ( واستهبال ) حيث يقولون أننا نحن الذين نحاول الانقلاب على نظام جمهوري ، أي نظام جمهوري هذا ؟ ( إيه الجرأة والبجاحة دي ؟! ) .

الرسائل التي توجه لنا يومياً من قبل الله الحكيم سواء من خارج السجن والمعتقل بتأييد الناس لنا وإقبالهم علينا جماعات وأفراد ، وسواء من داخل السجن والاعتقال كصمود فضيلة المرشد ورفضه أن يجيب على أسئلة النيابة لأنها نيابة تمثل الانقلابيين ، ومثله العظماء أمثال عصام سلطان وأبي العلا ماضي وغيرهم من الشرفاء ، ومثل إجابات أخي الحبيب وأمثاله من الأحرار ، كل هذه الرسائل - من كل حدب وصوب - هي بمثابة إشارات واضحة مفادها أن اثبتوا ، فأصحاب الحق على مبدئهم ، وأصحاب الباطل إلى زوال وعن قريب إن شاء الله ، ويسئلونك متى هو ؟ قل عسى أن يكون قريباً .

--------------

[email protected]