د . موسى علي موسى

• قالوا: ما المشكلة التي نعيشها الآن وما أسبابها ؟
فقت : خلاصة ما يحدث في بلادي : أنها جولة من جولات الصراع القديم الحديث بين الحق والباطل ، وبين النجاح والفشل ، وبين الفساد والصلاح ، وبين الخير والشر ، وبين الحرية والاستبداد، وبين العدل والظلم ، وبين النظام والفوضى . وبين ما نريده لأنفسنا ، وما يريده لنا الكبراء والمستكبرون في الأرض بغير الحق .
وأصل القضية : الاختيار بين أمرين : أن تعود مصر راكعة مسالمة مستسلمة لا تملك سيادة ولا قرارا حقيقيا ذاتيا ، أو أن يحافظ الناس على مكتسباتهم وأهمها الحرية والكرامة والاستقلال الحقيقي عن قوى الهيمنة العالمية .
وأن يعيش الناس الإسلام الذي يفهمونه دينا شاملا لكل مناحي الحياة ، أم يعيشون بالإسلام الذي يقتصر على الشعائر والعبادات وبعض الأخلاق فقط  كما يريد لنا أعداؤنا وخصومنا في الداخل والخارج .
ومما يؤسف عليه أن كثيرا من المتحدثين يرددون ما يسمعون دون علم ودراية ودون تعقل وروية وتفكير ، والمطلوب : أن يتحدث كل إنسان بما يعلم فقط ، وإن لم يعلم فليسأل من يثق من أهل العلم والفهم والحكمة . كما أن من الأسباب : عدم تحرير المصطلحات ، والحكم على الناس من وجهة نظر خصومهم .
* قالوا : هل ما زال يصدق أحد أن ما حصل في يناير 2011 كان ثورة ؟
* فقلت : نعم أنا منهم ، لكنها لم تكتمل ، وهذا دليل على بشرية الجميع وأن الغيب لله ، وهو كذلك مما يبعث الأمل في النفوس لأن الأمر كله لله . ومع ذلك : فلا نغفل ما كان لذلك التحرك من آثار حميدة ؛ أولها وأعظمها : كسر حاجز الخوف ، ووجود بدائل وخيارات جديدة أمام من وصل بهم الحال لقمة الإحباط واليأس من تغيير الواقع . ولذلك كان من رحمة الله وفضله أن يأذن بحركة جديدة جامعة واعية قوية ، يقدر الله لها أن تكون بحق " ثورة " ليتأكد للجميع أن للكون إلها من رحمته سبحانه أنه ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) [آل عمران : 179] والله المستعان
• قالوا : نكبتنا في نخبتنا :
فقلت : من الظلم أن نقصر كلمة " النخبة " على المتسلقين والدجالين والمتطفلين على جميع موائد الطغاة ، فيميلون حيث مالت الكفة مع أي غالب ومتحكم ومتسلط ، وليس لهؤلاء أي يد بيضاء ولا أي خير ولا معروف لعامة الناس وفقرائهم . هؤلاء ليسوا نخبة ، بل هم النكبة للبلاد وأس البلاء على العباد . لكن هذا لا يمنع من وجود أناس مخلصين صادقين محبين للبلاد ، ومسارعين لخدمة العباد ، لله ثم للإنسانية ولنصرة الحق وأهله .
وأرى أنه قد حدث تطور كبير لدى أوساط كثيرة في المجتمع تبشر بعالم جديد إن شاء الله في عالمنا العربي فلسنا أقل من غيرنا من الأمم ، ولدينا مقومات ذلك حضارة وتاريخا وتجارب سابقة .
 فقط الآن ننتظر التوازن بين الحق الذي ليس له قوة مادية تحميه ، بل قوته في منطقه وما يحمله  من مبادئ وقيم إنسانية، وبين القوة الغاشمة التي لا تستند لأي حق ، ولا لأي منطق أخلاقي ولا إنساني . ويهون على المؤمنين والمتطلعين للحياة الكريمة في ظل ما نراه ونعيشه في واقع أشبه بالغابة ، أن الله الحق كتب وقضى أن الغلبة حتمية وواقعة  للحق ولو كان أهله أذلة وقلة ، وأن الباطل وإن كثر عدده وعتاده كان زهوقا (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) [الأنبياء : 18] ولنا فيمن سبق ما يعين على الثبات ( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (123)
• قالوا : لم نر في تاريخنا المعاصر مثل ما نرى الآن !
*فقلت : ليس هذا بعجيب على أصحاب الدعوات والمسؤوليات وقد بشر بذلك الرجل الرباني رحمه الله حين قال : " أيها الإخوان سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم ، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله ، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذو الجاه والسلطان , وستقف في وجوهكم كل الحكومات على السواء , وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم , وأن تضع العراقيل في طريقكم , وسيتذرع الغاصبون بكم لمناهضتكم , وإطفاء نور دعوتكم , وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأخلاق الضعيفة , والأيادي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان ، وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات ’ وسيحاولون أن يلصقوا بدعوتكم كل نقيصة , وأن يظهروها للناس بأبشع صورة معتمدين على قوتهم وسلطانهم ومعتمدين بأموالهم ونفوذهم وإعلامهم
وستدخلون بذلك لاشك في التجربة والامتحان : فتسجنون وتقتلون تعتقلون وتشردون ، وتصادر مصالحكم ، وتعطل أعمالكم ، وتفتش بيوتكم وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان ، فهل أنتم مستعدون أن تكونوا من أنصار الله؟
(الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) [العنكبوت : 1 - 3]
• قالوا : ما نحن فيه فتنة يجب اعتزالها !
*فقلت : نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13 / 34) عن الطبري قال : لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل ولوجد أهل الفسوق سبيلا إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الأموال وسفك الدماء وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولوا هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء انتهى وقد أخرج البزار في حديث القاتل والمقتول في النار زيادة تبين المراد وهي إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ لا تذهب الدنيا حتي يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل فقيل كيف يكون ذلك قال الهرج القاتل والمقتول في النار قال القرطبي فبين هذا الحديث ان القتال إذا كان على جهل من طلب الدنيا أو اتباع هوى فهو الذي أريد بقوله القاتل والمقتول في النار قلت ومن ثم كان الذين توقفوا عن القتال في الجمل وصفين أقل عددا من الذين قاتلوا وكلهم متأول مأجور ان شاء الله بخلاف من جاء بعدهم ممن قاتل على طلب الدنيا " .
• قالوا : الحل في التفاوض والتنازل .
*فقلت : لعل الجميع يريد ذلك من قبل ومن بعد ، لكن القضية الآن فيمن سيبدأ بذلك التفاوض والتنازل والحل ، ومن يملك المبادرة غير من بيده القوة الآن، ثم ماذا لو وافق الشعب ( ولا أظن أحدا يملك قرار الشعب والجمهور كله الآن ) ولكن هب أن الجميع وافق على ذلك ، ثم رفض الطرف الآخر ( المتحكم ) ؟! وخاصة بعد أن ظهر اللعب على المكشوف ، وصرحوا بما كان خافيا ، فالقضية لم تصبح إخوان أو غيره من القوى ، بل هي معركة وجود ، واستمرار للوضع ما قبل 25 يناير ، بل أشد وأنكى .
وقد صرح الكثيرون من أهل المبادرات والمفاوضات أن جماعة الانقلابيين رفضوا كل المبادرات ،واتخذوا قرار التصفية بكل أنواعها لكل معارضيهم ، وصدَّق على ذلك الأمر البرادعي حين انسحب من المشهد.
إذن : الأمر لم يكن أبدا بسيطا ، بل صار أكثر خطرا ، وأشد تعقيدا ، فلابد من تخطيط جديد للمواصلة في معركة التحرير والاستقلال ، ولابد من فكر جديد يناسب الظرف والمعطيات والمتاح على أرض الواقع ، والمحافظة على الحس الثوري لدى الجماهير ، وعدم التراجع إلا وفق ما تقتضيه الأحوال وما يستجد من أمور .
وأعظم شراكة الآن وأوجبها هي التي لا يختلف عليها أكثر المحترمين = أصحاب الهدف الواحد وإن اختلفوا في الوسائل والأولويات = طلاب الحرية والكرامة والعدالة والاستقلال والتحرر من الوصاية والهيمنة والتحكم في الإرادة = أحرار الشباب وقطاعات الشعب المكلوم بعد أن فجعه ظلم الظالمين وتكبر المستكبرين بغير الحق = أهل الحق الذين يستحقون تأييد الله الحق الذي يحق الحق ويبطل الباطل ، والذي يحق الحق بكلماته . يجب على هؤلاء جميعا تأجيل كل خلافاتهم ورؤاهم الخاصة والاجتماع على المشتركات وليحذروا لدغا طالما لدغوا منه كثيرا ومن نفس الجحر ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
وعلى كل حال : لابد ألا نغفل أبدا سنن الله تعالى في عباده ،وفي كونه وملكوته ، وأن الأمر كله لله ، وأنه سبحانه قد أحاط بكل شيء علما ، وأن مقاليد الأمور بيده ، والأمر عنده سبحانه في قوله إن أردا شيئا وأمرا أن يقول له : ( كن فيكون ) ما شاء للعباد ، ولا معقب لحكمه ، ولا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين .
فليلزم كل امرئ غرزه ، وليكن ثابتا على ثغره ، وليبذل جهده في لم الشمل وتوحيد التوجه والقصد ، وكما قيل : فعليك بذرُ الحب لا قطفُ الجنى واللهُ للساعين خيرُ معين ، ( وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) [محمد : 4 - 7]
• وختاما : اللهم يا لطيف ، الطف بالمستضعفين ، ويا قوي ، عليك بالمستكبرين المجرمين المفسدين الخائنين ، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين .