ريم علي

عندما أصبح مفهوم النكسة يرتبط في الذهنية المصرية بأكبر هزيمة تعرضت لها مصر في تاريخها ، فإن ما حدث للجيش والدولة في رابعة يفوق هزيمة ونكسة حزيران 67 ، وما يجري على الأرض يثبت صدقية ذلك الرأي ، فقد هَزم الجيش نفسه عندما واجه إرادة الشعب بالدم ، كم هي صورة هزيلة !!! عندما ينزل الجيش المصري من مستوى بطولة أكتوبر 73 إلى مستوى محرقة رابعة ، التي حرق فيها تاريخه قبل أن يحرق فيها إنسانيته على الأرض ، وسمح للأمن والداخلية ذات التاريخ القذر أن تقود وجهاته ، فهل الجيش المصري يسير على خطى جيش لحد الذي خدم إسرائيل حتى لفظته هي وقتما أرادت ؟؟!!

   إذا كان الجيش المصري هُزم أخلاقيا ومهنيا فإن رابعة انتصرت ، انتصرت بفتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى ، فوقفوا بكل جسارة وبدون أي سلاح ينتصرون لرؤيتهم وأفكارهم ، ويدافعون عن حريتهم حتى آخر جسد ، انتصروا في حرم رابعة حيث الروح تعانق السماء ، فارتقت أرواحهم إلى البارئ عز وجل ، رافضين أن يعيشوا حياة العبيد ، فإما حياة تسر الصديق ، وإما ممات يغيظ العدى ، فأغاظوا كل عبيد العسكر والمقبِّلين لبيادتهم .

   عندما داست عربات العسكر وداخليتهم ميدان رابعة فقد داست الكرامة والحرية ، التي سنبكي عليها طويلا قبل أن تستعاد ، فهل سنبكي ستين عاما أخرى قبل أن تعود ؟ كم سنبيت في المعتقلات قبل أن تعود ؟ كم سنهان في أقسام الشرطة قبل أن تُطل من جديد ؟ كم سنزداد فقرا بمزيد من الفساد بينما يسمن قادة الجيش قبل أن تحيى من جديد ؟ كم وكم وكم ... أسئلة لطريق بدأ نحو عبودية جديدة !!!!

   قائد الجيش الملهم بالغباء يقود مصر نحو الخراب بسرعة تفوق سرعة الدم النازف !!! لا بأس ما دام هناك إعلام يهلل لغبائه ، وأنظمة تصفق لإجرامه ، وصديق قديم جديد يغدق عليه الحب، ويجنّد لوبيه ومخابراته ودبلوماسيته للاعتراف بانقلابه .

   ذلك القائد الملهم يفتقد لكل شيء ماعدا الإجرام ، فلا حكمة ولا حنكة ولا رؤية سياسية ، فرؤيته تقف عند حدود نظارته السوداء التي جعلته يعيش بعيدا عن الواقع في أحلام سلطة تقهر الشعب في سبيل البطل المنتظر الذي سيهزم الحق ويعلي الباطل ، ويسوق البلاد والعباد تحت نيران سياطه !!!

   لا يتوقف سبق السيسي على كم الشهداء الذين سقطوا في ساعات قليلة بالآلاف في رابعة والنهضة ، ولكنه يوجه رسائل التخويف للشعب ، فمن سيجاهر برفض الانقلاب سيكون مصيره كمصير معتقلي سجن أبو زعبل ، أجساد محروقة وعلامات على المتاجرة بأعضائها ، فكان يمكن أن يخفي جثامين الشهداء لكن إظهارها يعكس حالة الاستهتار التي يعيشها ذلك السفاح من جهة ورغبة بتوجيه رسالة إلى الشعب مفادها ، هذا مصير من لن يرضى بحكم شوفينية العسكر .

   مرة بعد أخرى يثبت الحاكم العسكري لمصر بأنه يفتقد إلى أدنى مقومات قيادة بلد بحجم مصر ، بينما يتابع مسلسل الكذب الذي لا يتوقف بشكل فاق مسيلمة الكذاب . من يتابع خطاباته المتلاحقة يتبين له سطحية خطاباته التي هي أقرب ما تكون إلى دردشة من جاهل يتحدث إلى أصنام خاوية من كل إنسانية تصفق له ليزداد جهلا ، فلا التصفيق سيخفي غباءه ولا بلهاء الإعلام سيتمكنون من رقع الثغرات والسقطات المتتالية في خطاباته وأفعاله .

على السيسي أن يعلم أنه مهما نجا ، فإنه صار هدفا لأكثر من مليار مسلم ، أقلهم يحمل سلاح الدعاء عليه ، ومن يدري قد يأت يوم قريب أو بعيد سيدوس فيها الثوار على كل جبروته وظلمه فضلا عن جسده .