ريم علي :

لقد شكلت سنة حكم واحدة من عمر ولاية الرئيس المصري محمد مرسي صدمة لكثير من مراكز القرار في العالم العربي والغربي ، رئيس يقدم نموذجا جديدا في إستراتيجية الحكم فاقت في مرونتها كل ما عرفته تجارب الحكم الديمقراطي ، يحكم بعيدا عن حزبه ، فحتى اليوم الأخير لم يكن وجود حزبه حزب الحرية والعدالة يتجاوز ربع الوزراء وكانت تجربته رغم ما تواجهه من عقبات مفتعلة تسير نحو تحقيق إنجازات حال بين اشتهارها تعتيم مقصود وحرب إعلامية لم يشهد لها العالم مثيل ، حورب فيها الرئيس مرسي من الدولة العميقة والأمن المنحل والجيش وقنوات الحزب الوطني ورجال الأعمال  ، فضلا عن الإعلام الرسمي الذي تربى على كراهية الإخوان .

   لقد نجح الرئيس مرسي في جذب القاعدة الشعبية نحوه ، فدعم ما يقارب من ثلثي الشعب المصري دستورا شاركت في كتابته نخب تمثل جميع اتجاهات الفكر والدين في مصر ، وبدأت المظاهرات والاحتجاجات الشعبية المعارضة تقل وتوقف الهبوط في الاحتياطي المصري ، وانتعشت أحوال الطبقات الفقيرة عقب زيادات متلاحقة في الرواتب تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية .

   لقد أزعج مرسي الكثيرين في الغرب والشرق عندما قدم نفسه من خلال سلوكه في الحكم وجملة من القرارات كزعيم من الشعب يقف عند أبسط تفاصيل حياة المواطن العادي ، وهو ما كان يأنف عن الوقوف عنده الزعماء الأرستقراطيون في العالم العربي ، الأمر الذي هدد عروشا كثيرة في العالم العربي لرئيس يقدم نموذجا مثاليا من الحكم يترفع عن شهوات الحكم ؛ لتحقيق جمهورية أخلاقية فريدة ، والتي ركز عليها في كثير من خطاباته وكانت تحكم كثيرا من سلوكه وقراراته.

   رئيس يحاسب نفسه ، ويعترف بالأخطاء ويعتذر عنها ، ويتعهد بإصلاح إدارته في نموذج ديمقراطي لم تشهد التجارب الديمقراطية له مثيل ، أطلق الحريات إلى أبعد حد ، وحمى معارضيه ، وسمح عمن نكل بجماعته لعقود ، وجعل نفسه جزء من الجيش لشدة حبه له ، لدرجة جعلته يتسامح ويتغافل عن تدخلات وزير دفاعه في قرارات حاسمة ؛ مما أغرى ذلك المغرور والمهووس في السلطة ، فأعد بالتنسيق مع معارضة انتهازية ولا أخلاقية لأغرب وأخبث انقلاب في التاريخ . 

 

   وضع مرسي الإدارة الأمريكية أمام أزمة في إدارة سياستها في الشرق الأوسط ، فطالما كانت أمريكا تأمن على مصالحها وحليفتها إسرائيل من خلال أنظمة عميلة أو على الأقل خانعة ، وما خرج عن هذه الأنظمة لا يتجاوز أن يكون ممانعا إعلاميا دون فعل كسوريا ، أما معارضوها فقد حرصت على أن يظلوا محصورين في منظمات ومجموعات محدودة التأثير كمنظمات المقاومة ، فكانت المفاجأة لها في مرسي تظهر بشكلين : الأول : السعي نحو الاستقلال عن الدعم الأمريكي في السلاح والغذاء ، والثاني : خروج مرسي عن عصا الطاعة الأمريكية التي اشترت بها أمريكا قادة مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد ، فجاء مرسي ليتجاهل كل نقاط ضعف مصر المفتعلة عبر سنوات من حكم مبارك ، ليقف ندا لأمريكا في حرب غزة يجبرها على لجم حليفتها إسرائيل عن الاستمرار في قتل أهل غزة ، فشعرت أمريكا أن استمرار ذلك الرئيس ، سيهدد كثيرا من قواعد اللعب في منطقة الشرق الأوسط ، لاسيما أنه حاكم مصر بما له من وزن في تحديد مصير وشكل الشرق الأوسط ، فساندت في الخفاء الانقلاب ضده ، وهي حريصة على عدم التصريح بدورها في دعم الانقلاب حتى لا تتعرض لنقد داخلي لمخالفتها لأسس الديمقراطية القائم عليها حكمها .

   في الداخل هز مرسي عرش العسكر في مصر عندما بدأ باستبعادهم عن المشهد السياسي بشكل كتدريجي ، بدأ بإقصاء طنطاوي وعنان ووصل إلى تقليص عدد المحافظين من العسكر الذي طالما سيطروا عليها في عهد مبارك ، وقد ظن مرسي أن غض الطرف المقصود عن ميزانية العسكر وتوغلهم في الاقتصاد باحتكار صناعات مدنية ، سيسكت العسكر ، لكن الجموح السلطوي من عبد الفتاح السيسي ، والخوف من كشف فسادهم في البرلمان عند نقاش ميزانيتهم ، علاوة على رغبتهم في  الحفاظ على إستراتيجية التبعية لأمريكا التي توغلت في معتقداتهم منذ اتفاقية كامب ديفيد ، جعلتهم يرون من مرسي تهديدا كبيرا لمصالحهم وطموحهم في السلطة .

   وهناك خطر لا يقل خطورة عن الأمور السابقة تمثل في سلوك مرسي وسلوك جماعته ، فقد قدم مرسي وحزبه وجماعة الإخوان صورة أقرب إلى المثالية تخالف الصورة النمطية التي صنعها نظام العسكر في مصر من عبد الناصر حتى مبارك ، فبينما رسخ نظام العسكر في الذهنية المصرية عن الإخوان بأنهم إرهابيون متطرفون جاهلون ، فقد اتضح مدى انفتاح تلك الجماعة على الاتجاهات المختلفة ، وتقديمها لنموذج ديمقراطي إسلامي أخلاقي متسامح . وكان الإعلام يحاول تشويه تلك الصورة من خلال فزاعة أخونة الدولة التي لا تمد للواقع لا من قريب ولا بعيد بشيء.

   كان ينقص مرسي لينجح قرارات ثورية كان قد عزم على القيام بها بعد خطاب ألقاه بمناسبة مرور عام على حكمه ونوه إليها فيه ، لكنه لم يكن يعلم أن كل الإمبراطوريات التي هز عروشها من عسكر وعرب وغرب قد أكملت خيوط مؤمراة الإطاحة به بفيلم ثلاثين يونيو .

   لقد أطاح العسكر بمرسي لأنه عزم على إنهاء وجود الدولة العميقة بسياسة ثورية هادئة خلال العام الأول ، لكنه توصل في نهاية العام إلى أن الاسلوب الثوري الهادئ القائم على احتواء الماضي بكل ذنوبه وأخطائه لم يردع الفاسدين ، ولم يغرهم بالتوبة عن عقود من القمع والسرقة والفساد ، فكان أن لوح به في خطابه السنوي ، لكن العسكر كان يضمر مؤامرة كبرى حاكها الداخل والخارج ، ونفذها العسكر ومعارضة شوفينية قبيحة .

-----------

كاتبة مصرية