حازم سعيد :


مشهد عجيب لخيانة الانقلابيين العسكر للشرطة أراه هذه الأيام ، ولكني قبل أن أخوض في هذا المشهد أريد أن أحدثكم عن الحالة التي تلبستنا جميعاً كأصحاب ثورة حقيقية ( إسلاميين وغير إسلاميين ) وحالة التفاؤل والاستبشار والصمود والثبات والمثابرة العجيبة التي انتابتنا جميعاً ، حتى أصبح رابعة بفعالياته وحتى أصبحت ثورتنا كلها ضد الانقلابيين الخائنين بمثابة نزهة جميلة جداً ، ونشعر معها بفخر رهيب .

سنحدث أولادنا المتجهين إلى القدس ليفتحوها إن شاء الله بعد سنين عن مدى العزة والفخر لأننا كنا مشاركين في ثورة خلصت على حسني مبارك وثلاثة أرباع أمن دولته وجاءت لنا برئيس شرعي في تجربة ديمقراطية شفافة نزيهة ودستور حر هو أحد أرقى الدساتير في العالم ، وسنحكي لأبنائنا إن شاء الله كيف قاومنا وثرنا على الانقلابيين الذين أرادوا سرقة ثورتنا منا ، وكيف كان صمودنا رغم الحصار والضغط والقهر والشهداء والدماء .. رغم كل ذلك صمدنا وثبتنا وقاومنا وانتصرنا وأجهزنا على الانقلابيين في غضون فترة زمنية قصيرة تمتعنا فيها بالاعتماد على الخالق الجبار العظيم ، ثم رزقنا فيها نفس طويل ومقاومة وعناد ومثابرة ... فالله أكبر ولله الحمد ..

 

غدر العسكر بالشرطة

أما المشهد الذي أراه فهو توريط الانقلابيين الخائنين من العسكر لجهاز الشرطة كله ليقتل الشعب المصري في مواجهة خاسرة بعد أن تيقن العسكر من اقتراب فشل الانقلاب .

بدأت موجة جديدة ورط فيها السيسي الخائن جهاز الشرطة بوزير داخليته الخائن هو الآخر ليقتل الشعب وليستعين بفرعه الأهم بالداخلية ( وهو فرع رعاية وتوفير البلطجية ) .

السيسي لما شعر باقتراب النهاية هو ومجموعة الانقلابيين معه بدأوا بالانسحاب من المشهد وإخلاء الساحة للشرطة والبلطجية بشدة وغزارة ، ولم يكتفوا بذلك ، وإنما أيضاً بدأوا في إظهار التعاطف والتفاعل مع ثورتنا ومع الثوار ووجهوا بعض الرصاصات للبلطجية والشرطة كما حدث أمام المنصة أو في بورسعيد أو المنصورة .

ربما بعض هذه الأحداث هو رد فعل صادق من ضباط وجنود بالجيش وهم إخواننا وأبناؤنا وهو تصرف طبيعي أن يحموا الشرعية وأن يحموا إخوانهم وأشقاءهم المصريين من غدر البلطجية ، وهو متوقع من شريحة كبيرة جداً منهم ، ولست أقصد هذه الأفعال الشريفة النزيهة البريئة ، وإنما أدرس حالة القرار السياسي للانقلابيين والتي دفعت بالشرطة والبلطجية للمشهد .

 

دلالة استعانة العسكر بالشرطة والبلطجية

الأمر يحمل مجموعة من الدلالات أهمها في تصوري :

1. احتياج العسكر الخائنون لغطاء كي يستطيعون ضرب شعبهم ، فليست كثيرة - في العالم كله - تلك الحالات التي وجهت فيها الجيوش سهامها ورصاصها لشعوبها ، وإن فعلوها مرة كما حدث أمام الحرس الجمهوري وبمعاونة فرقة من الشرطة ، فإنهم لا يملكون جرأة تكرارها ، إذن لابد لهم من مخرج ، وقد وجدوه في جهاز الشرطة ، فلتتحمل الشرطة وفرع البلطجية المؤسس بها وزر جرائم القتل وسفك الدماء أمام العالم كله ، ونخرج نحن العسكر منها برءاء ، بل ومدافعون عن الشرعية كمان .. هكذا يفكر العسكر الخائنون .

2. السيسي وجد في جهاز الشرطة - نتيجة العداوة التاريخية بينه وبين الإسلاميين من جهة والثوار من جهة أخرى - أقول وجد في جهاز الشرطة الفريسة السهلة ، فضربهم للثوار أمر طبيعي ، واعتقالهم لهم وسحلهم أيضاً غير مستغرب ، هكذا تعاملت الشرطة على مدار الثلاثين سنة الأخيرة ، فهو أمر ليس جديد ، ولن يبدو منه أي رائحة للمؤامرة أو الغد أو الخيانة .

3. العسكر الانقلابيون يعلمون حجم الخيانة التي اقترفوها ، ثم هم متفاجئون بكم الصمود والتحدي والعناد لأنصار الشرعية ، وكلما دبروا حيلة أو مكر لمعسكر الأحرار والصمود والتحدي ، فوجئوا بانقلاب السحر على الساحر ، وأن الترابيزة تستدير ، وتنقلب على رؤوسهم ، وهم في داخلهم متيقنون من قرب أجل الانقلاب وفشله المحتوم ، لذا فلابد من كبش فداء ، ولن يجدوا أسرع ولا أسهل من ضحية ( جهاز الشرطة ) الذي ترأسه غبي خائن ورط الشرطة في مزيد من العداوة مع الثوار ، بعد تاريخ دموي فاشي هو سواد في سواد وظلمات بعضها فوق بعض لهذا الجهاز الذي جرجره السيسي وخدعه ليكون كبش فداء له وللانقلابيين .

السيسي والانقلابيون سيخرجون بعد أيام وربما ساعات ليقولوا للشعب : لقد كنا مضطرين لإنقاذ البلد ، فقمنا بهذا الانقلاب لننقذ البلد من جريمة تحالف الشرطة والبلطجية التي كادت أن تدخل البلاد في متاهة ، والآن نحن أسفون يا جماعة ويا ثوار ها هي الشرطة الخائنة خذوا حقكم منها ، ونحن تحت تصرفكم ونطلب منكم العفو والسماح .. قد يقرأ هذه السطور قارئ ويظن أنه وهم وخبال أصاب كاتبها ، ولكن ها أنذا أتحدى ولتعلمن نبأه بعد حين .

العسكر الخائنون الذين انقلبوا على رئيس الشرعية والذي توسد الأمر في انتخابات نزيهة بإرادة مصرية حرة ، لا تتوقع منه إلا الخيانة ، هذا السلوك الثعلبي الماكر ، هل يتوقع رفقاء الانقلاب من الشرطة والبلطجية من أصحابه الخائنين الغدارين إلا الخيانة والغدر .. لو صدقوه ( يبقى يستاهلوا اللي يجرا لهم )  فهم شركاء غبائه ورفقاء سذاجته .

 

كيف استطاعوا استدراج الشرطة بجهاز بلطجيتها لهذه الورطة ؟

وقد استدرجوهم فعلاً منذ الأجازة المفتوحة التي أخذوها بعد الثورة لمدة سنتين وانسحاب كامل لكل أجهزة الداخلية من المشهد وبتخطيط  مخابراتي من الطراز الأول ، ثم عودة مفاجئة وبكامل القوة بعد انقلاب 30 / 06 الفاشل ، حتى رجال المرور ، ثم والمدهش بعودة الانتهاكات كاملة ، وحتى من نفس الأشخاص الذين سحلهم الثوار في 25 يناير وكأنهم لا يتعظون .

ولقد فكرت في هذه القضية مراراً وتكراراً ليس هذه الأيام وفقط ، وكانت صيغة السؤال : لماذا كل الجرائم والجنايات والانتهاكات التي تصدر من الداخلية إزاء الشرفاء ، والسؤال يلح أمام عيني على مدار عمري بالدعوة الإسلامية وقد قارب الثلاثين سنة ، وكلما مر علينا إحباط من إحباطات الداخلية بين إيذاء شخصي أو لأحد أحبابي من أبناء العمل الإسلامي ، أو انتهاك لأدمية أحد أبناء بلدي مصر ، كلما دار هذا السؤال برأسي ..

وكانت الإجابة واحدة ، وتتأكد هذه الأيام مع كثير جنايات هذا الكيان وأبنائه بين قتل على الهوية ، وبين قنص وبين اعتقال ومحاولات تعذيب ، وبين اختراع أساليب فوضى ومؤامرات ( وهذه مشتركة بين المخابرات والأمن ) ، وكلها تؤكد حالة ( الاستقتال ) التي تتلبس الداخلية حتى تعود بالواقع إلى عصر حسني مبارك ، وحتى تفرض هذا الواقع الظلامي على المصريين .

الإجابة باختصار هي نقص التربية وقلة الإيمان بالله سبحانه واليوم الآخر مع قوة غاشمة في يد هذ ( الناقص تربية ) قليل الإيمان .

والداخلية في هذا عينة من كثير من الشعب الغثائي الذي رباه الاستعمار الأجنبي وذيوله الذين حكمونا أكثر من ستين سنة ، مناهج تربية وتثقيف وإعلام وتعليم على مدار ستين سنة أخرجت لنا شخصيات غثائية تافهة ، لا تعرف الحق من الباطل ، ولا تستطيع أن تزن الأمور ، غابت عن معرفة الله سبحانه ، أو الدراية بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو التخلق بخلق الإسلام من الرحمة والتواضع والعدل والإحسان إلى الخلق ... الخ

وكثير من العرب والمسلمين موجودون ضمن هذه الشريحة التافهة التي أتحدث عنها ، وهو ما يؤكد صعوبة مهمة الدعاة والمصلحين في زماننا هذا ، وخطورة دورهم أيضاً واحتياج الأمة كلها إلى هذا الدور .

يزيد حال الداخلية الغاشمة برجالها عن باقى المسلمين أنهم وضعوا في أيديها قوة بطش هي قوة الساعد والسلاح ، لتتعاظم الذات الداخلية ( الأنا ) عند مجرمي الداخلية ، وليتحول ما يملكون من أدوات قوة وأمن وحماية إلى أدوات تخريب وتفجير وتدمير ، وليتحول رجال الداخلية إلى بلطجية بجدارة واستحقاق ، بخلاف رعايتهم المنهجية الرسمية لقطاع الطريق والمسجلين خطر المعروفين بـ " البلطجية " .

تلك هي الشريحة الأكبر من مجرمي الداخلية ، وتتبقى شريحة أقل هي التي تدافع عن مصالحها ومكاسبها وعلاقاتها بنظام الطاغية المخلوع والتي فيها رشاوي وعمولات تصل براتب الواحد منهم إلى نصف مليون جنيه في الشهر ، فهؤلاء يدافعون عن مصالحهم الشخصية ضد شعب منكوب مغلوب على أمره .

يتبقى ما أحسب أنه لا يزيد عن ثلاثة أو أربعة في المائة من شرفاء يعملون بإخلاص ولا يؤذون أحداً ويراقبون الله في عملهم ، ولكن ما تفعل هذه النقاط العذبة في ذلك المستنقع المالح النتن ؟!

 

بلطجة الداخلية .. وقود الثورة

وما لا يدركه هؤلاء الغاشمون أن بلطجتهم كانت ولا زالت وقوداً لثورتنا المباركة ، لم تنمى وتزكي الثورة في ضمير المصريين إلا بانتهاكات الداخلية على مدار ثلاثين سنة في عهد مبارك .

وأوقدت شعلتها الأولى في 25 يناير بالانتهاكات التي حدثت على مدار الشهور التي سبقتها من مثيل العصيان في الدبر أو ضرب سائقي تاكسي بالطريق أو ضرب على القفا في أقسام الشرطة أو تعذيب نساء ورجال داخل الأقسام ومديريات الأمن أو جهاز أمن الدولة حتى وصل الأمر للقتل الذي أشعل شرارة الثورة ( خالد سعيد - سيد بلال ) ... الخ

ثم لم تتأجج شرارة الثورة وتشتعل ويسميها الناس ثورة إلا بالقتل الذي أحدثوه بالسويس والقاهرة ، ثم بمعركة الجمل ، وانتهاكات لسرايا الشرطة العسكرية التابعة للجيش .. كل ذلك أجج الثورة وسماها باسمها الحقيقي ..

وهو عين ما فعلوه الآن مرة أخرى بالكربون ، وكلما زاد طغيانهم كلما كان ذلك إعلاماً منهم بالفرج القريب من عند الله العزيز الحكيم .

والملاحظ في الحالتين هو شدة التعتيم الإعلامي من التليفزيون الرسمي ومن الفضائيات الخاصة على حد سواء ، لذا فلست مع المبتئسين الذين يخشون إضلال الإعلام القذر ، فلن يؤثر في ثورتنا بشئ إن شاء الله ، حيث أن أثره لا يتعدى الذين ارتضوا لأنفسهم حياة الإمعات ولا يخرجون - بحر إرادتهم - من تحت عباءة الإضلال ، وهم على أي حال ليسوا قوة ثورة فاعلة ، وكثير منهم لا يشارك ( ولا في الانتخابات ) .

 

الفارق بين قوتنا وقوتهم ..

مصادر القوة عندهم لا تقارن بمصادرنا التي نعتمد عليها ..

فنحن الركع السجد الذاكرون نعتمد أولاً وأخيراً وأوسطاً ويمنة ويسرة وفي أي اتجاه أو زمان أو مكان أو حال من الأحوال ، نعتمد على الله الخالق العظيم الذي بيده الخزائن كلها ، علام الغيوب القوي العزيز القاهر القادر المنتقم الجبار ، هو زادنا ومصدر قوتنا ، وعليه اتكالنا واعتمادنا ، وله ملجؤنا وبه معاذنا .

يا قوم من كان هذا حاله هل يهزم أو يغلب ؟ أفيقارن الرصاص والساعد والسلاح ( الذي هو جزء من الدنيا التي لا تساوي بما فيها جناح بعوضة ) ، أفيقارن ذلك بالله القوي الجبار ؟ مال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ؟

لا أستطيع وهذا هو مصدر قوتنا وجلدنا وتوكلنا أن أذكر أي سبب مادي آخر ، فأؤجل تحليل الأسباب المادية التي لا يمكن أبداً أن توضع في كفة واحدة مع ميزان الله القوي العزيز ، اللهم أنت ناصرنا ومعيننا وعليك توكلنا ويقيننا فانصرنا يا ربنا نصراً عزيزاً مؤزراً .. إنك ولي ذلك والقادر عليه ..

 

كبسولة :

السيسي عندما خلع النظارة أوصل لنا رسالتان في منتهى الأهمية :

الأولى : أن حاله كحال باقي الطغاة يتأثر بما يقال عنه ، تماماً كتأثره بحشودنا وصمودنا وثباتنا ووجعه وتألمه منها حتى أنه خلاص يوشك أن يرحل ، فهو لما انتقد الأسبوع الماضي من قبل الدنيا كلها بسبب النظارة السوداء قام بخلعها ليقول لنا أنه ( مش خايف ) من تعبيرات جسده أو غيرها من المبررات التي ساقها النشطاء عن سر لبسه للنظارة .

وهذا هو حال الطغاة على مدار العصور والأزمان ، انظر لأبي جهل لما لطم السيدة أسماء رضي الله عنها ، أخذ يستعطفها ويترجاها حتى لا تحدث العرب أنه لطم امرأة ، وكذلك لما رفض تسور بيت النبوة ليلة الوحي وقال : " أتريدون أن يتحدث العرب أنا فزعنا بنات محمد " ..

ومن قبله فرعون لما التمس غطاءاً لجرمه " وقال فرعون ذروني أقتل موسي وليدع ربه ، إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد " .

وهذا هو الحال على مدار العصور والأزمنة ، ولو ذهبت أحدثكم عن سيكولوجية الطغاة ورعبهم من انكشاف جرائمهم ومن الرأي العام لملأت لكم مجلدات ، وما طلبه للحشود المؤيدة في الأسبوع الماضي إلا آية من الآيات وعلامة من العلامات القاطعات .

الثانية : ظهرت لغة جسده كما تحدثنا من قبل وأبدت لنا عيونه ما أخفته النظارات السوداء من قبل ، وأثبتت صحة كلامنا والنشطاء ، فلقد بدا السيسي - كما في كل التحليلات الكارهة له أو حتى المحايدة - متورطاً مقهوراً مرتبكاً غاضباً أشد الغضب ظالماً وجهه أسود عليه كآبة الدنيا ( وإن شاء الله الآخرة ) فإلى الجحيم أيها الطاغوت الذي ولد ميتاً بحول الله وقوته .

--------------

[email protected]