حازم سعيد :
أكتب هذه المقالة بعد عودتي من رابعة بدقائق ، وبخليط شعوري عجيب بين تفاؤل واستبشار لأقصى الحدود بالنصر القريب جداً ، وبين حزن شديد على هذه الدماء الحرة الطاهرة ، وأشعر بوخز رهيب في صدري وألم عضوي حقيقي وليس مجازي يكاد يذهب بي إلى المستشفي ، ولا أدري هل سأستطيع إكمال المقالة بهذا الألم أم سأتوقف .. ولكن ها هي الحروف تأتي ويفعل الله سبحانه ما يريد .
" إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن .. وإنا يا إخواني لفراقكم لمحزونون ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، وحسبنا الله ونعم الوكيل " .
بعد مذبحة القائد إبراهيم بساعات حيث قام زبانية المجرم بمحاصرة بيت الله وقتلوا الركع السجد ، إذا بهم يحاصرون أحد مداخل رابعة من قبل النصب التذكاري ثم ينهالون على العزل الركع السجد المتهجدين لله سبحانه ويقتلونهم في مذبحة جماعية رهيبة ، في تحدٍ رهيب لله رب العالمين ، فأرنا فيهم يا رب عجائب قدرتك ، وخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر ، اللهم إنهم تجبروا وحاربوا أولياءك ، فيارب لا تبقى منهم ولا تذر بعزتك وقدرتك وقوتك يا عزيز يا قوي يا جبار .
هل تكون آخر مذابح المجرم ؟
أتمنى أن تكون الأخيرة ، ولقد كنت في طريق عودتي مع أحد أحبابي نقيم اليوم فتوقع وتوقعت معه أنه لابد مقدم على مذبحة مؤلمة لنفوس المؤمنين ، وفي نفس السياق توقع وتوقعت أن تكون الأخيرة وأن يكون فيها نهايته بإذن الله .
وذلك أن منطق الأمور يقود إلى الفشل الذريع الذي يصيب ذلك الانقلابي الخائن بعد كل مذبحة يقترفها ، ونرى - وهذا ظننا وأمنيتنا من الله رب العالمين - أن الأقرب بعد هذه المذبحة هو تمام الفشل للانقلاب ، بل ومحكمة ثورية ناجزة مطهرة تقضي على الانقلابيين والساسة الخائنين والإعلاميين المتورطين والقضاة الفاسدين وكلهم في سلة خيانة واحدة .
مجموعة من الأمور تقودنا لاقتراب الفشل ، وكذلك النصر القريب للمؤمنين وأنصار الشرعية ، هي ذاتها التي تسببت في فشل حشد السيسي في فضيحة كارثية ، وفشل في تقديم أوراق اعتماده لمموليه ومخططي انقلابه من العالم الخارجي ، هذه الفضيحة التي حاول الإعلام الفلولي المصري تغطيتها بإذاعة تسجيلات لحشود يوم 30 / 06 ، لتأتي النتائج كارثية بعد كمية أخطاء مونتاج وفضائح جعلت من هذا الإعلام الفلولي ألعوبة في يد أنصار الشرعية على النت والفيس بوك .
ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة
أول الأسباب في نظري لفشل حشود السيسي هو الفارق الجوهري الرهيب بين حشود الشرعية الذين هم أصحاب مبدأ وعقيدة واضحة ، ومنطق سهل بسيط منطقي ، ومبررات منهجية واضحة تؤكد حقيقة جلية أن ما حدث انقلاب وسرقة لإرادة شعب واغتصاب لمستقبله ، وسطو علني على مصير بلد منكوب بعسكر خائنين من أمثال السيسي .
أصحاب المبدأ الواضح والمنطق السهل أعلنوها واضحة مراراً وتكراراً أننا اخترنا الشهادة ونحن نقاوم سلمياً هذه السرقة والاغتصاب والانقلاب على أن نموت أذلة تسرق منا إرادتنا ويسطو الجبابرة الطغاة على مصيرنا ومستقبل أولادنا .
لذا فلا يفرق معهم أي نوعٍ من التضحيات ، هم مستعدون تمام الاستعداد لكل البذل والعطاء والتضحية ، وشعارهم " الموت في سبيل الله أسمى أمانينا " ، والعقد الذي وقعوه بالبيع هو عقد بيع أنفسهم وأموالهم " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " ... ربح البيع أيها المؤمنون .. ربح البيع .
لذا لا تستغرب أن يبذلوا من أنفسهم أو أموالهم أو أوقاتهم أو راحة أجسامهم بهذه الصور من الاحتشاد والاعتصامات ، لأنهم يبذلون لمبدأ وغاية وهدف واضح ومحدد .
أولئك المؤمنون هم النائحة الثكلى ، نائحة مكلومة تبكي من أعماقها على ما فقدت ، فترى في بكائها تمام الصدق ، بخلاف النائحة المستأجرة التي جاءت تؤدي واجب عليها نتيجة عرض دنيوي زائل ، فهي تمثل البكاء وتفتعله وليست صادقة فيه .
هذا هو حال الفريق الثاني الذي طلب السيسي احتشاده ، ربما بعضهم يكره الإخوان " لأسباب شخصية أو أيديولوجية وفكرية " ولكن مجرد هذا السبب لا يعطى لهم الدافعية للعطاء والبذل والتضحية ، فلماذا يحتشد أو يضحي ، ما الذي يدفعه لأن يتواجد بالتحرير في عز حر الشمس في يوم صيام ( إن كانوا يصومون ) !
وباقي الفريق إما مستأجر بمال ، دفعه الفقر لتقاضيه ليتظاهر ، ولكن يكفيه أن يتظاهر بالليل وفي صورة مؤدٍ وليس مقتنع وباذل ، ثم من الذي سيعد وراءه سيتقاضى ماله وينصرف بعد أن يمثل صورة من صور المشهد لدقائق .
كل ذلك يبين ما أردته في عنوان الفقرة من أنه ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة .
يتبقى جزء من الفريق بلطجية يبتزهم رجال الشرطة ، فبدلاً من الحبس يذهب ليقتل ويضرب ويصيب الركع السجد ، وهذا يؤدي دوره بإخلاص ولكنه لا يظهر في الحشود لأنه موظف في الاعتداء على الصالحين .
وجزء من الفريق عساكر أمن مركزي ومسيحيون سأذكر في النقاط التالية أسباب فشل حشدهم بإذن الله .
أخطاء مجرم الحرب الغبي
الخائن السيسي ارتكب حماقات منذ قام بالانقلاب تسببت جميعها في هذا الفشل الذريع الذي أصاب حشوده مساء الليلة الماضية ، وأصبحت فضيحته بجلاجل أمام المجتمع الدولي وإعلامه ، وأمام المنطقة الرمادية من الجيش والتي تأكد بأداء الليلة الباهت انضمامها لمنطقة مؤيدي الشرعية بالجيش ، ليوشك الأمر على التمام لأنصار الشرعية عن قريبٍ بإذن الله .
لا أستطيع حصر الحماقات ولا ترتيبها ، ولكني أكتفي بالتدليل عليها بهذه الأمثلة :
الخائن استعجل في إيصال رسالة لمؤيدي الشرعية أن الأمر خلاص انتهى وأن الأمور تتغير فأصدر قراراً سريعاً متعجلاً بإعلان دستوري وضع في أولى مواده ما نص على أن دين الدولة الإسلام ، وهو ما أزم الموقف مع المسيحيين رغم الوعود المتبطنة والتطمينات الخفية بأن هذا الكلام لإسكات المسلمين حتى لا يبدو الأمر وكأنه حرب على الإسلام ، وأنه سينظر في تعديل هذه المادة ، هذه التطمينات لم تشفع أو تنفع ووضعت حداً من عدم الثقة بين الطرفين فضت عنه العنصر المسيحي بجدارة ، إلا من بعض الجهلة المسيحيين والذين لم يصلهم التكليف الرسمي البابوي بعدم الاحتشاد . هذه السربعة في إصدار الإعلان الدستوري قلبت السحر على الساحر وفرقت عنه جمعه ، وتوشك أن تنزع منه شمله .
من أمثلة حماقات الخائن أيضاً والتي تسببت في تقليل الحشد ، أيضاً استعجاله في إيصال رسالة التيئيس لأنصار الشرعية بتعيين حكومة ، فاختار لسربعته عناصر فضت عنه كل المشهد بجدارة ، وبغباء لم أكن أظن أن من تبوأ إدارة مخابرات مصر الحربية يمكن أن يتمتع به ويرفل فيه .
اختار عواجيز ( مكحكحين ) ( 77 - 72 - 71 - 67 سنة ) هذا هو غالب أعمار من جاء بهم ، لينفض عنه الشباب ، ثم اختار عناصر بعيدة عن المشهد تمام البعد ، واستبعد لغفلته وسربعته عناصر قامت عليها دعائم انقلابه وخيانته ، لينفض عنه كل " عبده مشتاق " من مدعي الثورة ، ثم اختار كثيراً - وكثيراً جداً - من فلول الحزب الوطني بالحكومة ، وكان يستطيع أن يبعد عنهم ولو مؤقتاً - لولا ما رزقه الله به من الغباء والسربعة - لينفض عنه كثير من الثوار الحقيقيين الذين انحرفت بوصلتهم لفترة ، ثم أفاقوا مع وقع هذه الصدمة ، ثم انحاز لكثير من الليبراليين والبرادعويين لينفض عنه أنصار التيار الاشتراكي واليساري الذين هم أحد داعمي انقلابه . ظلمات وحماقات وغباوات بعضها فوق بعض .
ليفاجئ الخائن بأنه ليس معه سوى عساكر الأمن المركزي والمجندين الذين لا يستطيع حشدهم كلهم بالتحرير لاحتياجه لكثيرٍ منهم في تأمين المؤسسات والهيئات والوزارات والمحافظات والمنشآت ، وكذلك فلول الحزب الوطني من موظفي المحليات والغفراء والمخبرين الذين ينحازون له لمصالحهم الشخصية الدنيوية الضيقة ، فليسوا مستعدين للبذل ولا للاحتشاد ، وقديماً فعلوها مع المخلوع مبارك وخذلوه وتركوه وجلسوا في بيوتهم لأنهم لا يملكون ضريبة البذل والعطاء والتضحية .
أمثلة حماقات الغبي والتي تسببت في تقليل حشوده وفشلها الليلة أكثر من أن تحصي ولكني هنا فقط أضرب أمثلة للتدليل والإشارة والبيان .
القنبلة لا تنفجر إلا مرة واحدة
الخائن السيسي والانقلابيون ليصنعوا حشود 30 / 6 الباهتة في حدود المليون على مستوى مصر كلها أخذوا يعدوا لها العدة لمدة ثلاثة أشهر متتالية ، فما بالكم إذا كانت الدعوة قبلها بـ 48 ساعة فقط . لا يمكن أن تنجح أبداً ، هذا قليل من كثير لم يدركه الغبي .
انفجرت قنبلتهم يوم 30 / 06 بحشد باهت إذا قارناه بحشودنا ، ليتخذوه تكأة لانقلابهم ، ولا يمكن للقنبلة أن تنفجر ثانية أبداً ، ولا يمكنهم في هذا الوقت القليل تحضير قنبلة أخرى .
شؤم المال الحرام
كذلك فإن من أنفق في المرة الأولى كان بين عنصرين ، عنصر قبض من الغير ( خليجي أو مسيحي ) مبلغاً من المال لينفقه ، " فدكن وعكم " على مبلغ لنفسه ، وأنفق الباقي على البلطجية والفقراء المشحودين طمعاً في المزيد ، وعنصر آخر طمعاً في منصب أو مكانة أو عودة لسرقة وتهليب سابقين .
الآن الأمور تطورت وبات الأمر في نظرنا وشيكاً على النصر القريب ، وفي نظرهم الأمر أصبح حائراً وغالباً سيصمد المعتصمون برابعة والنهضة وربما يكون ذلك سبباً في عودة مرسي .
فلماذا أنفق الآن وأراهن على حصان لا أدري سيكسب أم يخسر ؟ هذا هو جزء من تفكير عينة كبيرة ممن أنفق ماله قبل وأثناء يوم 30 / 06 ، والآن هو غير مستعد لذات البذل مرة أخرى لأنه لا يدري إلى أين تتجه الأمور ، وهذه أحد ثمار شؤم المال الحرام الذي يكسبوه .
وأخيراً .. ومرة أخرى .. وداعاً أحبتي الشهداء ورغم ما نحن فيه من حزن شديد .. ولا أدري معه كيف كتبت هذه المقالة ، خاصة بعد مهاتفة أحد إخواني الذين تركتهم بالميدان منذ قليل وقبل أن أعلم بالمذبحة وما حدثني به عن المشاهد التي رآها ..
إلا أنني رغم هذا الحزن مستبشر أن دماءكم يا أخوتاه ستكون لعنة على الطاغية الخائن الغبي الجبان هو وزبانيته ، وستنتصر إرادتنا رغماً عنهم ، وسيحيق المكر السيئ بأهله ، والله لا يهدي كيد الخائنين .
وأهنئكم بما حباكم الله به من الشهادة حيث أن الله هو الذي يتخذ الشهداء لحكمة عنده ، ويبقى من يبقى أيضاً لحكمة عنده وهو الحكيم الخبير .. ولكل أجل كتاب .. هنيئاً أيها الصالحون جنة عرضها السموات والأراضين .
كبسولة :1. الغادر خسار سمعت له مقطع فيديو يؤيد فيه العسكر ويزعم أن مظاهرات الحاشدة نجحت ويعطيهم هو الآخر تفويضاً لكي تستمر المسيرة ، وكنت بعد ثورة 25 يناير قرأت تقارير مسربة عن عمالته لأمن الدولة ، تورعت عن الخوض فيها ، إلا أن ما فعله هو وحزبه وفرحه بلعاعة الدنيا ( نائب رئيس حزب الظلام ) ، وما هو فيه قضاء على نظام الإخوان ( الذين لا يمثلون المشروع الإسلامي ) ، لا أدري أيها الغادر الخاسر الجبان الـ .... عليم اللسان ماذا ستقول للناس لتبرر لهم الدماء التي أريقت اليوم في المذبحة الرهيبة والمقتلة الفظيعة ؟! أما ما ستقوله لله فإن الله حسبنا عليك وعلى شيخك وعلى كل من أعان السيسي على خيانته وانقلابه وهذه المقتلة الرهيبة في صفوف المؤمنين .. ولتعلمن نبأه بعد حين .
2. يا رجال الجيش المصري المحيطين بالسيسي .. أليس فيكم رجل رشيد !
3. يا كل من أعطى تفويضاً للسيسي بخروجه في حشده الفاشل هنيئاً لك هذا الدم وهنيئاً لك هذا الوزر الذي احتملته على كاهلك يوم العرض على العزيز الجبار . أما السيسي نفسه فيومك قريب بإذن الله .
========

