حازم سعيد :

هنيئاً لكم أيها الأحرار الأطهار الأبرار المصلون الذين أنتم في ذمة الله حيث صليتم الفجر في جماعة ثم كتب الله لكم أن تستشهدوا ، وأنتم ما خرجتم من بيوتكم إلا ابتغاء مرضاة الله سبحانه والدار الآخرة ، وعلم الله منكم صدق النية فآتاكم من فضله واتخذكم شهداء .

 

ويتخذ منكم شهداء :

الله سبحانه هو الذي يصطفي الأطهار الأخيار ، يعلم منهم صدق حبهم له ولدينه ولرسوله ولكتابه ، يعلم منهم صدق البذل والتضحية والعطاء والفداء ، يمرون على محكات وابتلاءات ، تصفو فيها نفوسهم ويرقبون ما عند الله سبحانه من العطاء ، فيؤثرون الباقي على الفاني ، ويقدمون ما يحبه الله ويرضاه على هوى نفوسهم ، يبخلون بالراحة والدعة وترف الحياة الدنيا ونعيمها وشهواتها لصالح البذل بالأنفس والمال والأوقات والأعمار والحياة .

يطلع الله منهم على صدق الحال وموافقته للمقال ، فيتخذهم ويصطفيهم ويقربهم ويدنيهم ، ليصيروا - وهم أصلاً هكذا - أحباؤه وأولياؤه ومصطفوه .

الشهيد : شهد أن الله سبحانه ، وشهد أن شرع الله ، وشهد أن الدين الذي اختاره الله لعباده وهو الإسلام ، وشهد أن الجهاد والبذل ... شهد أن كل ذلك أغلى وأنفس وأثمن عنده من حياته ومن نفسه التي بين جنبيه ، فاختار ما يحبه الله ويرضاه وآثره على ما عداه ، فاصطفاه الله وقربه .

عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن للشهيد ست خصال أن يغفر له من أول دفقة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه".

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء إلاَّ الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة".

 

القتل أثناء الصلاة :

حاولت أن أعيد قراءة التاريخ لأتدبر كم مرة تمت فيها هذه الجريمة الفادحة ، الغدر بالمصلين ، فرأيتها مرات تعد على أصابع اليد الواحدة ، للأسف أحدها الآن وأبرزها جريمة العسكر المصريين الذين اغتالوا شرف العسكرية المصرية في يوم هو من الأيام السود للعسكر وسيسجل التاريخ هذا اليوم كيوم عارٍ وشنارٍ على العسكرية وأهلها ، وسيصبح من الأيام الفضائحية التي تجلب العار لمن ينتمي للعسكرية المصرية بسببه .

إنه نفس اليوم الذي امتدت فيه يد العسكر ( المفترض أن ثقافتهم هي مبادلة العدوان مع الأجنبي وليس مع بني وطنهم ) ، أقول : إنه اليوم الذي امتدت فيه يد العسكر المصريين بأسلحة العسكر المصرية وبرصاص الأسلحة المصري إلى صدر أخيهم المواطن المصري ، ويا للخسة والعار وهو أعزل ، ويا للجبن والدناءة وهو يصلي .

حزن مني بعض قرائي لما قرأوا لي بعض مرادفات في المقالة الأخيرة عبرت عن أفعال العسكر الأخيرة بلفظ أقساه ( النجاسة ) ، واعتبرها شتيمة لا تليق مع أنه لفظ وارد في القرآن ، فماذا تقول أخي الكريم المعترض على ما فعله العسكر فجر يوم الإثنين 8/7/2013 ، هل يخرج عن النجاسة في شئ ؟

 

التزوير الإعلامي والجريمة :

العسكر لم يكتفي بالتعتيم الإعلامي بأن أغلق القنوات التي كانت مظنة أن تذيع مثل هذه الوقائع ، ولم يكتفي بأن استخدم أسلحة العصا والجزرة مع الباقين ليكمم أفواههم ولا يذيعوا إلا ما يريد .

لم يكتفي العسكر بذلك ، وإنما أيضاً مارس خدعة التزييف والتزوير ، وركب فيديوهات وعمل مونتاج لها بحيث تنطلي على السذج والعوام ، فأتي بمشاهد لأحداث قديمة لم يشارك فيها الإخوان ، ليظهر أن الإخوان حملوا السلاح ، وأن الإخوان هم من بدؤوا بالجريمة والاعتداء ، وأن القتلي نتيجة الدفاع عن النفس .

أولاً في هذا تطوير نوعي في طريقة الأداء ولكنها ناتجة عن عمى البصيرة ، حيث لم ينفي نفياً كاملاً ويدعي أن الإخوان هم من قتلوا أنفسهم كما كان يفعل بالماضي ، وإنما أراد أن يخرج من عدم منطقية ذلك الطرح القديم إلى طرح جديد بأن الإخوان اعتدوا فاضطر للدفاع عن النفس ، وهذا تطوير نوعي في الأداء .

ثانياً : إلا أن هذا التطوير النوعي حمل كارثة لم يدرك العسكر - بعمى بصيرتهم - أنهم يعترفون بالجريمة وأنهم يتورطون بالتصريح بها ، وهنا عدة كوارث :

1. كارثة أن العسكر المصري يعترف بأنه قتل أكثر من تسعين مواطناً مصرياً برصاصه في واقعة غير مسبوقة وتجعله يوماً أسوداً .

2. كارثة أن مجموعة اعتدوا عليك وأنت العسكر المتحصن بمبني خرساني مرتفع عالى الأسوار محصن بسلك شائك فكيف لم تكتفي بقنص المعتدين أو بعضهم برصاص القناصة الذين تم تصويرهم وبشكل يردع الباقين ولا شك ، ولو وضعت نفسك بجوار من قنص فحتماً سيكون سلوكك - مهما كانت شجاعتك - الفرار والتحصن وبالتالي يقل الاعتداء والهجوم ، فكيف وأنت العسكري المفترض تحصنه بأخلاق العسكرية تفتح الآلي على المعتدين بهذه الهمجية والبربرية والكثافة بشكل يردي منهم 90 قتيلاً ، إنك لا يعقل أن تفعلها وأنت تقاتل عدواً أجنبياً ، فما بالك وأنت تفعلها مع أبناء وطنك وبني جلدتك .

3. كيف لم تتمكن وأنت المحصن بكاميرات مراقبة داخلية وخارجية فوق بناياتك الشاهقة وأسوارك السامقة أن تصور ولو مشهداً واحداً للهجوم والاعتداء وتثبت فيه للعالم أن الآخر اعتدى عليك واقتحم عليك حصنك وهددك في مأمنك فاضطررت لأن تقتله بهذه البربرية الهمجية .

4. كيف هاجمك الأطفال الرضع والنساء ، وكيف هاجمك الأفراد ( البدناء ) الذين لا قبل لهم بالرياضة والجري والهجوم والاقتحام والهرولة وضرب النار ، وهم كما يبدو من شكلهم أنهم " غلابة " لا يملكون حولاً جسدياً ولا قوة بدنية .

5. المبني الخرساني لو أطلقت عليه رصاصات فسيبدو بالطبع بعض آثارها من حفر أو ندبات في الجدران ، فلماذا لم يظهر ذلك ، هل هاجمك المعتدون ووجهوا رصاصاتهم نحوك " في المراية " بمعنى أنهم كانوا يضربونك في الاتجاه العكسي ؟ كيف تأتي لهم أن يهاجموك الهجوم الذي يضطرك إلى الدفاع عن نفسك بهذه الهمجية والبربرية ولا يظهر على جدرانك ولا على مصفحاتك ولا مركباتك ولا أسوارك أي أثر لأي رصاصة ؟

6. كيف هاجمك خمسة أطفال رضع لتقتلهم بهذه القسوة ، وكيف اعتدى عليك ثمانية نساء مختمرات أو منتقبات بما يعنيه هذا الزي من كونه عائقاً مادياً بشعاً لكي يهاجموك بأسلحة لا تأمن على نفسك منها فتضطر لقتلهم بهذه البشاعة ؟

7. لقد قتل من صفك من قتل برصاصات في ظهره ، ومن الخلف ، هل يعقل أن العسكر المدربون والذين يهاجهم عدو شرس يضطرون لقتله بهذه الوحشية ، هل يعقل أن يعطوه ظهورهم ليقتل في الخلف ، كيف يكون هذا السلوك ؟ وبأي منطق ؟ وتحت أي ذريعة ؟ يعطي لخصمه الشرس ظهره ثم يطأطئ له حتى تأتيه الرصاصة فتخترق رأسه من فوق وتخرج من أسفل " الحنك " ؟ !

الموضوع باختصار : أن العسكر بعد أن رفض الرئيس مرسي الانصياع له والخروج على المتظاهرين ليعلن لهم التنحي ويأمرهم بالانصراف من الميادين ، أرادوا أن يضغطوا عليه وعلى الإسلاميين بفعلة عنيفة ، ولكنهم فجروا فيها ، فأحدثوا هذه المقتلة والجناية الشنيعة ، ولما أمروا بعض ضباطهم وجنودهم بذلك نفذ منهم من نفذ وامتنع البعض فقنصوه من ظهره بخيانة منقطعة النظير ، ليقدموا ما عبرت عنه في المقالة الماضية ، بما أحزن بعض قرائي الأعزاء ، أحد النماذج المثالية " للنجاسة " .

ثم أكملوا مسلسل نجاستهم بالتزييف الإعلامي والمونتاج والتركيب لفيديوهات ، ليخدعوا بها المصريين ، بعد أن كانوا رتبوا التعتيم حتى ينفذوا مذبحتهم في خفية من الناس ، وهو استمرار لمسلسل فشلهم وعمى بصيرتهم ، فما كان يمكنك القيام به في الخمسينات والستينات من ستر جرائم قميئة ، ما عاد بإمكانك أن تسترها في زمن الهاتف المحمول والنت والفايبر أوبتك والفضائيات ، الجزيرة التي كانت تتخذ منهجاً تزويرياً في الأيام الأخيرة ، تنتابها صحوة ضمير لساعتين يعلم فيهما القاصي والداني بالجريمة النكراء البشعة ، فيفتضح الكيد وينقلب السحر على الساحر ، والنت تنشر مئات الصور لضحايا عزل وأبرياء لا يمكن أبداً أن يتخيل عاقل أن مثل هذه الأجساد بتركيبتها الخلقية تستطيع أن تهاجم أحداً بالشراسة التي تضطره لأن يقتله بهذه الوحشية .

" ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون ، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم ، أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ... " .

ويسئلونك متى هو ؟ قل عسى أن يكون قريباً .

 

الحمق دلالة التخبط واقتراب أجل الهزيمة :

كلما اقترب الجاني من الفشل كلما زاد من حمقه وعداوته وجهله ، وكلما اشتدت المحنة كلما كان ذلك إيذاناً بقرب الفرج والنصر والمنحة .

هكذا كنا مع مبارك ، ولكن هؤلاء لا يفقهون ، مبارك في عز كيده وجبروته ومكره ارتكب حماقات باعدت بينه وبين المشهد مثلما فعل بخطابه العاطفي ليلة الأربعاء والذي قال فيه للمصريين : لقد ولدت على أرض هذا الوطن وعشت فيه ومن أجله وسأموت على ترابه .

لتتحول الدفة علينا تماماً ، ويفارقنا كل من كان معنا من أدعياء الثورة ، ولا يبقى في الميدان سوانا وبضع مئات من الشرفاء من أمثال عصام سلطان ورفاقه الأبطال رجال الشرف في هذا الزمان .

ثم إذا به يقع في خطأ مزلزل هو والغباء قرينان نتيجة عمى بصيرته والران الذي غطى قلبه ، ليرتب سيناريو حشد الوطني وموقعة الجمل التي قلبت السحر على الساحر وعلم منها الشعب أنهم لا ينوون إصلاحاً ، وأن المهلة التي طلبها المخلوع من شعبه هي مهلة لتصفية الإخوان ، فما كان إلا أن استعادت الثورة بريقها ، وعاد إلينا بعض من كان فارقنا ليكتمل المشهد برحيل المخلوع بعد هذه الجريمة بأقل من 36 ساعة .

نفس الحال ، مجموعة جنايات وغباءات وقع فيها السيسي ومن معه :

1. استعجلوا المشهد قبل دخول رمضان ، فلم تلبث مظاهراتهم سوى يومين وفي الثالث أعلنوا الانقلاب ، لأنهم خشوا أن دخول رمضان سيفقدهم القدرة على الحشد والسيطرة على المشهد ، وظنوا أننا لسنا أصحاب نفس طويل ، وحين يأتي رمضان فستهن عزيمتنا ، ولم يعلموا أننا نرتب لأحسن رمضان قضيناه في حياتنا من حيث الروح الجهادية والتعبد والتراويح في الميدان . وكذلك - ومعهم حق في هذه - رأوا بداية الحشود معنا فظنوا أنها في زيادة وهم في نقصان فأرادوا أن يستعجلوا المشهد قبل أن يفقدوه .

2 . ثم إنهم قاموا بمذبحة اليوم - كمذبحة الجمل بالضبط - كوسيلة ضغط نفسي ومعنوي على أصحاب الحق ، لما رأوا ازدياد الحشد طمعاً في توهين عزم المجاهدين ، وتخويفهم وانفضاض الجمع عنهم ، ولكنهم لم يحسبوها جيداً ، ووالله كنت أتوقع منهم هذه الحماقة ، وما لم يعرفوه ، أن مثل هذه العوائق تؤجج عزمتنا ، فإننا قوم لم نقف مثل هذا الموقف إلا لله ، وما كان لله لا يثنينا عنه شئ ، ونحن شعارنا : والجهاد سبيلنا ، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا ، فمرحباً بالموت ، وأننا قوم نرحب بالتحديات ، وكلما زادت كلما زاد عنادنا ، ونحن قوم إذا مات لنا سيد قام فينا بدلاً منه ألف سيد .

من أجل ذلك ترى أنه بعد المذبحة وفض الاعتصام بأقل من ستة ساعات يبدأ اعتصام جديد وفي نفس المكان لقوم يحرصون على الموت كما يحرصون هم على الحياة ، وليتولد بسبب مذبحتهم عندنا نوع من العناد والثأر والتحدي ، وليتعقد عليهم المشهد ، وليصبح الحل الأمثل لهم إما الفرار خارج البلد ، أو التضحية بكبش فداء لتنجو رقابهم من الشنق والذبح ، ولا أرى أقرب لكبش الفداء في مثل هذا المشهد من الخائن السيسي ، وأظنهم فاعلوه وعن قريب ... بل قريب جداً جداً جداً ... إن شاء الله .

========

[email protected]