د/ ممدوح المنير

أثارت عملية اختطاف سبعة من الجنود المصريين فى سيناء مطلع الأسبوع الماضى الكثير من اللغط حول الأوضاع الأمنية فى سيناء، وتكرار خطف جنودنا هناك، ومحاولة البعض استغلال الموقف لتصفية حسابات سياسية مع الرئيس مستغلة الحدث للتدليل على تردى الأوضاع الأمنية .

 من جانبنا سوف نحاول التركيز على الموضوع من وجهة نظر إستراتيجية فى المقام الأول ، بما يعنى محاولة الإجابة عن لماذا ؟ و من فعلها ؟ ، ثم نتطرق سريعا إلى حجم التحدى الإستراتيجى الذى يتعرض له الأمن القومى المصرى فى سيناء.

وحتى نستطيع الإجابة عن تساؤل لماذا تم إختطاف الجنود فى هذا التوقيت تحديدا ؟ علينا أن نستعرض مجريات الاحداث التى جاء الحدث فى سياقها ، حتى نفهم هل الحادث كان عرضيا قام به مجموعة من أهالى السجناء للإفراج عن ذويهم وهى القصة المعلنة حتى الآن ، أم أن هناك رواية أخرى قد تكون منفصلة تماما ، او أن رواية السجناء مظهر من مظاهرها .

السياق الذى تمت فيه العملية

خلال الشهر المنصرم لاحظنا أن القوات المسلحة المصرية تتحرك بصورة متسارعة لتطوير و تحديث قدراتها النوعية و الفنية ، واتضح ذلك فى العدد الكبير من صفقات التسليح التى عقدها وزير الدفاع السيسى ، فى زياراته المتعددة مع الرئيس مرسى فى عدة جولات خارجية و التى تمخض عنها صفقات تسليح أعلن عنها مع الصين و الهند و روسيا و أخيرا تركيا ، التى وقّعت عدة صفقات مع الجانب المصرى ، فضلا عن المناورات العسكرية مع السعودية ، إضافة إلى ذلك تحول مصانع الإنتاجى الحربى لإنتاج التكنولوجيا المتقدمة و البدأ فى تطوير عدد من الأسلحة ، وانتهاءا بتصريحات السيسى الأخيرة التى قطع فيها الشكّ باليقين حول إمكانية تدخل الجيش مرة أخرى فى الحياة السياسية و التى أوضح خلالها أن الجيش المصرى جيش محترف يعرف مهامه جيدا و لن ينقلب على الشرعية الدستورية .

و ما من شكّ أن هذه التصريحات كانت صادمة للكثيرين من قوى المعارضة المصرية المحسوبة على التيارات الليبرالية و العلمانية ، التى ترفض الديمقراطية إذا جاءت بالإسلاميين ، و كان لديها بصيص أمل فى أن ينقلب الجيش على الشرعية الدستورية ممثلة فى الرئيس المنتخب .

فى ظلّ هذا السياق ظهرت نغمة فى الإعلام مرتبة و منظمة بدأها عماد أديب فى برنامجه بهدوء مطالبا أو محرضا ضبّاط الجيش على الإنقلاب على السيسى ، ثم تلقفته منه قنوات أخرى على نفس المنوال .

فى خلال هذا التتابع و التسلسل الزمنى ،حدثت عملية إختطاف الجنود المصريين فى سيناء ، و التى لا يستطيع المرأ ان يبتلع بسهولة حكاية أن الموضوع للإفراج عن مجرمين محبوسين جنائيا رغم أننى لا أنفيها ، فما من شك أن عملية كهذه ، ستظهر  القيادة العسكرية بل حتى السياسة بمظهر العاجز عن حماية جنوده ، فكيف يحمى الوطن ؟! .

رسائل ودلالات الإختطاف

هذه العملية تحمل رسائل و دلالات عدة أراد منفذوها توصيلها لمصر قيادة و شعبا منها :

محاولة التغطية على مشروع تنمية محور قناة السويس و الذى يعد مشروعا واعدا لمصر و يضمن لمصر أرباح تقدر بعشرات المليارات من الدولارات سنويا ، و هو فى نفس الوقت سيؤثر كثيرا فى حالة تنفيذه على ميناء دبىّ و هو ما يعده الكثير من المحللين السبب الرئيس لتحرك الإمارات ضد الثورة المصرية.

إيصال رسالة إلى المستثمرين فى سيناء و الذين بدءوا بالتوافد عليها بأن سيناء غير آمنة على مصالحكم و استثماراتكم ، فالجيش الذى لا يستطيع أن يحمى نفسه كيف يحمى غيره ؟ ، مما يجعلهم يعيدون حساباتهم مرة أخرى حول ضخ أموالهم إلى سيناء .

محاولة إثارة الوقيعة بين جنود الجيش المصرى و قيادته و إظهار قيادة الجيش بالتى لا تبالى يسلامة و أمن أفرادها .

أيضا محاولة تأديب السيسى على تصريحاته المتوافقة مع الشرعية الدستورية ، و إلغاء تأثيرها الشعبى سريعا خاصة مع تجاوب الشارع معها واستقبالها بالإستحسان .

إيجاد حالة من الوقيعة بين بدو سيناء و الدولة المصرية نظرا للإجراءات الأمنية التى تعقب أمثال هذه العمليات ، و حالة الإستنفار الأمنى و عملية التمشيط و الاعتقال و التى تعتبر سوابقها مخزون غضب كبير بين أهل سيناء و قوات الأمن .

كذلك الوقيعة بين حركة حماس و الدولة المصرية ، لأن أصابع الإتهام سرعان ما ستتوجه إلى حماس و أنفاق غزة ، و هو ما من شأنه أن يضع مؤسسة الرئاسة فى حرج مع قيادة الجيش على أساس أن الرئيس من نفس الجماعة و التنظيم الذى تنتمى إليها حركة حماس ، و هى محاولة لتوتير العلاقة بين الجيش و مؤسسة الرئاسة .

خلية التجسس الإسرائيلية

أمام كل هذه الدلائل و الرسائل المراد توصيلها ، تكون الإجابة المنطقية على تساؤل من فعلها ؟ ، لا تخرج عن كونها عملية إستخباراتية نوعية قد تضطلع بها أجهزة الإستخبارات الصهيونية أو الأمريكية حتى لو كان المنفذ من بدو سيناء ، و ربما أنهم قد تم إستخدامهم  دون أن يعلموا المحرك الرئيسى لتنفيذ العملية .

فلا احد يمكن تنفيذ عملية كهذه دون خبرة عسكرية واستخباراتية عالية ، كما أن المستفيد الأول من كل ما فصّلنا فيه مسبقا هو العدو الصهيونى ، و مما يؤكد ما ذهبنا إليه من تورط أيادى صهيونية فى الموضوع ، أنها جاءت بعد أربع أيام فقط من نشر كافة و سائل الإعلام خبرا كان فحواه  أنه ( ألقت أجهزة الأمن بسيناء القبض على أحد أفراد خلية التجسس الإسرائيلية التي تم القبض على زعيمها في شهر ابريل الماضي ومثل أمام جهات التحقيق بوزارة الداخلية  ولازالت التحقيقات مستمرة.

وقال مصدر امني بوزارة الداخلية إن قوة أمنية داهمت، منزل هذا الشخص، وهو مصري الجنسية، ويقيم جنوب مدينة رفح المصرية، على الحدود مع قطاع غزة، وتم اقتياده إلى أحد المقرات الأمنية للتحقيق معه.

يذكر أن أجهزة أمن  شمال سيناء تمكنت من القبض على  ع.ط.ب.أ"، 35 عامًا من مدينة رفح المصرية، بتهمة نقل معلومات لصالح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" عبر هاتف مزود بشرائح اتصال لشبكة إسرائيلية.

و قال المتهم في التحقيقات: "إنه يقود خلية تجسس تضم 8 مصريين وفلسطينيين، تتراوح أعمارهم ما بين 35 عامًا و 40 عامًا، ومهمتها تزويد الموساد بمعلومات عن التحركات العسكرية للجيش المصري في سيناء وتم إحالة ملف القضية بالكامل لجهاز المخابرات المصري للتحقيق معه ) .

شبكة التجسس الإسرائيلية هذه ، مثّلت ضربة موجعة للكيان الصهيونى ، الذى حاول التغطية عليها و إضعاف تأثيرها عبر عملية إختطاف الجنود فى سيناء .

لا يعنى الذهاب إلى هذا التحليل أن نغفل المشاكل العالقة الأخرى و التى تضر بالأمن القومى المصرى كذلك ، و التى ينصب جلّها على ما تعانى منه سيناء أو بمعنى أدقّ ما عانت منه سيناء طيلة عشرات السنين من تهميش و تخوين و إقصاء متعمد لها ، مما شكلّ عوامل غضب و سخط على الدولة المصرية ، و هى البيئة المثالية التى تلعب فيها أجهزة الإستخبارات سواء علمها المتعاون معهم ، أو كان مجرد أداة فى لعبة الأمم.