عبدالجواد محمد شبانة

( 1 )
وفقا لنص المادة 83 من القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية ، تختص الدوائر المدنية بمحكمة استئناف القاهرة التى يرأسها الرؤساء بهذه المحكمة دون غيرها بالفصل فى الدعاوى التى يرفعها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأى شأن من شئونهم .

ويكون الطعن فى الأحكام التى تصدر فى الدعاوى المنصوص عليها فى الفقرات السابقة أمام دوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض ، دون غيرها ، خلال ستين يوما من تاريخ صدور الحكم .

وبناء على ما تقدم، ووفقا للقاعدة القانونية المستقرة التى تقول أن الأحكام غير جائز تنفيذها إلا بعد أن تصبح نهائية ، إما لعدم الطعن عليها ، وإما لتأييدها حال الطعن عليها ، فإن الحكم الذى صدر بتاريخ 27/3/2013 من الدائرة المدنية بمحكمة استئناف القاهرة بشأن قرار رئيس الجمهورية بعزل النائب العام السابق وتعيين النائب العام الحالى غير جائز تنفيذه إلا إذا فات ميعاد الستين يوما المشار اليها فى المادة 83 ولم يتم الطعن عليه من المدعى عليهم فى الطعن ، او طعن عليه منهم وأيدته الدائرة المدنية بمحكمة النقض .

( 2 )
بتاريخ 21/11/2012 اصدر السيد رئيس الجمهورية ، بما له من سلطة سياسية وتشريعية ، اعلانا دستوريا ، تضمن النص على أن ( يعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية ، بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب ، ويشترط فيه الشروط العامة لتولي القضاء ، وألا يقل سنه عن 40 سنة ميلادية ، ويسري هذا النص على من يشغل المنصب الحالي بأثر فوري ) ومفاد ذلك ، أن هذا الاعلان الدستورى قد استحدث حكما جديد مؤداه عدم تقيد رئيس الجمهورية عند تعيين النائب العام بالشروط التى ورد النص عليها فى المادة 119 من قانون السلطة القضائية التى تنص على أن ( يعين النائب العام بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رؤساء محاكم الاستئناف أو قضاة محكمة النقض أو المحامين العامين الأول علي الأقل ) إذ لم يعد من الواجب – طبقا للإعلان الدستورى سالف البيان ان يعين النائب العام من بين نواب رؤساء محاكم الاستئناف أو قضاة محكمة النقض أو المحامين العامين الأول ، إذ يكفى فى من يعين نائبا عاما أن يكون من أعضاء السلطة القضائية الذين تنطبق عليه شروط تولى القضاء بشرط أن لايقل سنه عن اربعين سنة ميلادية ، كما أنه لم يعد جائزا أن يبق النائب العام فى منصبه أكثر من أربع سنوات ، ذلك أن القاعدة المستقرة – لدى الفقه والقضاء - هى أنه اذا صدر تشريع لاحق يعالج مسألة كان يعالجها تشريع سابق لم يتضمن التشريع اللاحق النص صراحة على تعديل السابق أو إلغائه ، فإن ماورد فى التشريع اللاحق من احكام تغاير ماهو منصوص عليه فى التشريع السابق يعد تعديلا له فى حدود التعارض بين احكامهما وهو ماأسمته المحاكم المصرية بالالغاء أو التعديل الضمنى للنص القانونى .

( 3 )
وبتاريخ 21/11/2012 اصدر السيد رئيس الجمهورية قرارا برقم 368 لسنة 2012 ، استند فى اصداره الى كل من ، الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس عام 2011 ، والإعلان الدستوري الصادر في 11 أغسطس 2012 ، والإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر 2011 ، وقانون السلطة القضائية الصادر بقانون رقم 46 عام 1972 وتعديلاته ، وقرر أنه ( يعين السيد المستشار طلعت إبراهيم محمد عبدالله نائب عاما لمدة 4 سنوات ) .ويلاحظ أن ذلك القرار لم يخالف قانون السلطة القضائية فى مسألة تعيين النائب العام إلا بالقدر الذى استحدثه الاعلان الدستورى الصادر بتاريخ 21/11/2012 من أحكام تعد تعديلا ضمنيا نافذا لقانون السلطة القضائية – على حالة النائب العام السابق والحالى - حتى تاريخ اليوم ، كما ينطبق ماورد بها حتما على أى نائب عام جديد – بحسبانها تعديلا ضمنيا لقانون السلطة الفضائية - بالقدر الذى لايتصادم مع ماورد فى الدستور الحالى من أحكام تتعلق بالنائب العام.

( 4 )
بتاريخ 8/12/2012 اصدر السيد رئيس الجمهورية ، بما له من سلطة سياسية وتشريعية ، إعلانا دستوريا ، تضمن النص على أن ( يلغى الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 21 نوفمبر 2012 اعتبارا من اليوم، ويبقى صحيحاً ما ترتب علي ذلك الإعلان من آثار ، الإعلانات الدستورية، بما فيها هذا الإعلان، لا تقبل الطعن عليها أمام أية جهة قضائية ، وتنقضي الدعاوي المرفوعة بهذا الشأن أمام جميع المحاكم ) ويستفاد من ذلك أن هذا الاعلان قد حصن مسألة تعيين النائب العام كأثر من آثار كل من الاعلان الدستورى المذكور والاعلان السابق عليه.

( 5 )
رفعت النباية العامة – بقرار من احد اعضائها - دعوى جنائية امام احدى محاكم القاهرة الجزئية ، ولما عرضت القضية على المحكمة ، حكمت فيها بعدم قبول الدعوى ، وقالت المحكمة فى حكمها أن النائب العام – المستشار طلعت عبدالله – الذى رفع وكيله الدعوى امام المحكمة ليس له صفة لأنه عين من رئيس الجمهورية بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون.
استأنفت النيابة العامة الحكم المشار اليه ، ومحكمة الجنح المستأنفة – أحكامها ملزمة للكافة فى المواد الجنائية مالم تلغ من محكمة النقض – لما عرض عليها الاستئناف ، انتهت الى ( أن تعيين النائب العام الجديد جاء مستوفيا للشروط الشكلية والموضوعية لتولي المنصب التي حددها القانون والدستور.
وقالت المحكمة : إن الإعلان الدستوري هو الأداة القانونية التي تخول للسلطة القائمة إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية، ريثما يتم إقرار دستور دائم لها ، ومن ثم فإن الإعلان الدستوري الصادر من رئيس الجمهورية في 21 نوفمبر الماضي، والذي تم بموجبه تعيين المستشار طلعت عبد الله نائبا عاما، قد صدر عنه خلال المرحلة الانتقالية باعتباره رأس السلطة التنفيذية وقمتها وبوصفها سلطة حكم وليست سلطة إدارة، وجاء في نطاق وظيفته السياسية التي تمكنه من إصدار إعلانات دستورية كرئيس منتخب، وفي إطار ما أوجبته عليه مسئوليته السياسية وواجبه الوطني.
وأوضحت المحكمة أن اثار هذا الإعلان الدستوري وأخصها انتهاء مدة شغل النائب العام السابق لمنصبه بمرور 4 أعوام على تاريخ توليه لمنصبه، قد تحصنت بإقرار دستور دائم للبلاد تم استفتاء الشعب عليه، والذي تضمن في مادته الأخيرة أن يتم إلغاء كافة الإعلانات الدستورية السابقة حتى تاريخ العمل بالدستور وأن يبقى نافذا ما ترتب عليها من آثار في الفترة السابقة، بما أضفي على هذا الأثر شرعية مستمدة من الإرادة الشعبية التي هي مصدر كل السلطات، وانه لا ينبغي أن يصدر حكم باسم الشعب أن يجافي ما ارتضاه الشعب وانعقدت عليه إرادته.
وأكدت المحكمة انه في ضوء ما تقدم فإن تمثيل النيابة العامة بالدعوى أمام محكمة أول درجة، كان تمثيلا صحيحا، لكون عضو النيابة قد استمد سلطته من صاحب السلطة الشرعي المختص (النائب العام ).. مشيرة إلى أن الإعلان الدستوري (الصادر في نوفمبر) هو عمل من أعمال السيادة يمتنع على محكمة أول درجة التعرض له أو إعمال رقابتها عليه ) .
ونخلص من ذلك الحكم إلى عدة نتائج :
1- الإعلان الدستوري الصادر من رئيس الجمهورية في 21 نوفمبر الماضي، والذي تم بموجبه تعيين المستشار طلعت عبد الله نائبا عاما، قد صدر عنه خلال المرحلة الانتقالية باعتباره رأس السلطة التنفيذية وقمتها وبوصفها سلطة حكم وليست سلطة إدارة ، ومن ثم فالاعلان الدستورى المشار اليه بهذه المثابة هو كما قالت المحكمة " عمل من أعمال السيادة يمتنع على محكمة أول درجة التعرض له أو إعمال رقابتها عليه ) .
2 - أن اثار الإعلان الدستوري – المشار اليه - وأخصها انتهاء مدة شغل النائب العام السابق – المستشار عبدالمجيد محمود - لمنصبه بمرور 4 أعوام على تاريخ توليه لمنصبه، قد تحصنت بإقرار دستور دائم للبلاد تم استفتاء الشعب عليه، والذي تضمن في مادته الأخيرة أن يتم إلغاء كافة الإعلانات الدستورية السابقة حتى تاريخ العمل بالدستور وأن يبقى نافذا ما ترتب عليها من آثار في الفترة السابقة، بما أضفي على هذا الأثر شرعية مستمدة من الإرادة الشعبية التي هي مصدر كل السلطات، وانه لا ينبغي أن يصدر حكم باسم الشعب أن يجافي ما ارتضاه الشعب وانعقدت عليه إرادته .

( 6 )
وافق الشعب المصرى فى الاستفتاء الأخير على مشروع الدستور فصار دستورا للبلاد نافذ فى حق الكافة بما فى ذلك سلطات الدولة قابل للتطبيق بذاته لاسيما نصوصه التى لاتحتاج الى تشريع عادى من البرلمان لتفعيلها ومن تلك النصوص ماورد فيه من أن جميع الاعلانات الدستورية التى صدرت خلال الفترة الانتقالية حتى تاريخ العمل بالدستور يبقى نافذا ما ترتب عليها من آثار في الفترة السابقة ، ومن تلك الأثار اقالة النائب العام السابق وتعيين النائب العام الحالى.

والله من وراء القصد

_______________
المحامى امام قضاء النقض والادارية العليا والدستورية العليا
عضو أمانة حزب الحرية والعدالة بالغربية