وائل الحديني
فرضت علي ظروف العمل وثورة المدينة التي أقطنها أن أرافق باحثين وأكاديميين وصحفيين أجانب عدة مرات.
انبهرت حقيقةً بعمق رؤيتهم. لم يستخدموا الورقة والقلم إلا نادراً .
كانوا يسجلون الإنطباعات فقط.
قلت لإحداهن : المحلة مدينة الثورة والغضب ، الا تجدين تبايناً بين تلك الفيلات الفارهة والشارع المحطم الذي بالكاد تستطيع السيارة السير عليه فما بالك بشوارع الفقراء ، الشيئ الوحيد الذي ساوت الدولة فيه بينهم : انهيار المرافق والخدمات.
كان الجميع يهدف فى حديثه إليهم أن ينقل رسالة واحدة :أنتم تساندون الديكتاتور الذي حطم البلد وانتهك شعبها.
كنت أتساءل : لماذا جاءوا وماهي التساؤلات الحقيقية التي يريدون الوصول لإجابات عليها ،حتى بت على يقين انهم يريدون التعرف على شيئ واحد : ردة فعل الإخوان لو قام النظام بتزوير انتخابات 2010 هل سيتخلون عن طبيعتهم السلمية ويلجأون للعنف حال أعطاهم النظام مبرراً مقبولاً للمواجهة.
ربما نحن فقط كنا بعيدين عن الصورة التي رسموها ، كانوا على يقين أن النظام ينازع الموت وأنه يقضي ، بدأوا بإعادة رجالهم المقربين إلى البلاد مبكراً وضخوا الكثير من الاموال تحت مظلات حقوقية وهو الامر الذي التفت إليه مبارك وأغضبه بشده.
فى التعامل مع الدول المركزية مثل مصر والتي ظلت فى بيت الطاعة لسنوات طويلة يتم استقراء المستقبل جيداً ووضع سيناريوهات للتعامل معه.لم اقرأ لـ جون برادلي وسيمون هيرش إلا واعتقدت ليلتها أن ثورة على الأبواب توشك ان تدخل علينا .لكن الواقع فى الصباح لم يكن يتحدث سوى عن استقرار النظام وسطوته حتى جاءت أحداث المحلة لتكسر هيبة النظام وتؤكد أن فرضية الإنهيار اقرب مما يعتقد الكثيرون.
حاكم خانع عجوز يرضى بالقليل ويعطي الكثير كان أفضل الخيارات،ثم البديل الذي فشل فى إثبات ذاته،ثم سيناريوا افشال القادم الذي يفترض أنه لن يدخل بيت الطاعة (سيناريو الترويض).
لا تتعامل الدول الكبيرة فى مثل هذه المواقف بشكل مباشر، بل من خلال افراد والدول الاطراف (الذيول).
لم تحظى مصر(الدولة) التي خرجت من ثورة وفقدت اكثر من ضعف احتياطيها النقدي بأي مساعدات عربية إلا من قطر،فى حين حظي افراد ووسائل إعلام بمبالغ تقارب ثلث الإحتياطي سدت الفجوة الهائلة بين مايملكون ومايدفعون.
لماذا أدفع عدة مليارات كمساعدات وبمليارين يمكن أن اطيح بأي نظام ؟!(سؤال مطروح)
لم يستغرق الرئيس الجديد وقتاً حتى ذَكر الجميع فى عقر ديارهم أن مصر الجديدة لن تتراجع عن استعادة استحقاقاتها التاريخية كقبطان ورائد للسفينة العربية ، وبدأ يمارس سياسة خارجية ممنهجة بشكل أكثر طموحاً.
الجيل الرابع من الحروب (دينيس روس ،وإليوت إبرامز) يتحدث عن الإفشال بالإضرابات وتحريك العملاء واعطاء إحساس بالضعف والتردد والعجز عن تلبية احتياجات المواطنين واستهلاك الوقت حتى يكون البديل جاهزاً.
بحسابات المصالح: لم تتنازل إسرائيل لتركيا وتركع أمام اقدامها إلا لقطع الطريق على محورمصري تركي ،فى المقابل تمارس قطر السياسة باحترافية :هناك لاعبّين فى المنطقة أحدهماحاول منذسنوات الانقلاب على امير الدوحة ،والثاني ثورات يشعرالجميع نحوها بالفزع ويتمنون إجهاضها. اي الفريقين الاحق بالإنحياز إليه؟
لم يقطع الخليج وادياً إلا سلكت الدوحة طريقاً مضاداً.ربما ساهمت حلقة باسم يوسف واهازيجه فى شعور الدوحة بحجم ما يدفعه أعدائها لاحراجها .والمليارات الثلاث مبلغ ضئيل دفعت الدوحة أربعة امثاله منذ اقل من شهر فى استثمارات بالبني التحتية فى لندن.
تدرك القاهرة أنها اكبر من أن تكون ميداناً لمعارك الصغار، والدوحة تعترف بتحدٍ انها لا تستثمر إلا مع الكبار، والآخرون يكفيهم باسم يوسف وبضاعته.

