د. أشرف نجم
صرخ في وجهي والشرر يتطاير من عينيه، وكلماته ترتعش في فمه، ويداه تشيران يمنة ويسرة في عصبية واضحة:
"إلى متى يا دكتور؟.. إلى متى؟"
قلت: "إلى أن نلقى الله مرابطين محتسبين".
قال: "أتشعر بما في صدور الإخوان من الغيظ والحنق والغضب... بركان يا دكتور.. بركان".
قلت: "ما في صدري أعظم وأكبر... غير أني أعمل العقل".
قال: "ولكن الأمر صعب ثقيل الوطأة.. لا يحتمله بشر".
قلت: "في هذه أصبت".
قال: "لقد قتلونا وأحرقونا وسحلونا... ونحن ضعاف خانعون لا نستطيع الرد".
قلت: "أما في هذه فقد أخطأت... أنت وأنا ومصر كلها تعلم أننا لو أنفذنا غضبنا لسحقنا هؤلاء المفسدين في الأرض سحقًا... هل لديك شك في ذلك؟".
قال: "فلم استسلمنا للاعتداء ورضينا بالهوان؟".
قلت: "ما فعلنا.. ولن نفعل أبدًا.. لقد كنا فرسانًا شرفاء نحمي بيتنا.. وكانوا بلطجية أخساء استفردوا بأخ هنا أو هناك فاعتدوا عليه...".
قال: "وأصبحت صورتنا كما ترى.. ضعاف.. غير قادرين على حماية أنفسنا".
قلت: "وكيف كنت تريدنا أن نصنع؟".
قال: "من البداية... نترك الأمر للشرطة لتقوم بواجبها؟".
قلت: "قد فعلنا قبل ذلك.. والنتيجة.. انسحبت الشرطة وتركت بيتنا نهبا للمفسدين... وأصبحت صورتنا ضعافًا غير قادرين على حماية بيتنا... يا أخي قد صدقوا في الأمثال حين قالوا: (حاميها حراميها)".
قال: "إذن.. وقد قررنا أن نحمي بيتنا بأنفسنا.. فلنسحق من اعتدى علينا.. ولنرد له الصاع صاعين.. والله يا دكتور لو تحركت تجمعات الإخوان من حول المقر ومن المساجد المحيطة وهي كما قدرناها بين 10- 15 ألف شاب.. لو فعلوا لأحطنا بهؤلاء المفسدين إحاطة السوار بالمعصم.. ثم... ".
قلت: "ثم تكون مقتلة لم تر مصر مثلها أبدًا".
قال: "لكننا سنسحقهم إلى الأبد".
قلت: "نسحقهم نعم... أما إلى الأبد فلا... يا أخي نحن لسنا عصابة، وهذه ليست عركة في حارة... نحن دعوة إسلامية عريقة تعمل لإصلاح وطنها".
قال: "وفي القضاء على مثل هؤلاء إصلاح".
قلت: "هذه ليست معركتنا... هؤلاء الذين تراهم أذناب لرؤوس كبيرة تحرك أضعاف أضعافهم بالمال وغيره... وكل أملهم أن يجرونا إلى معركتهم بعيدًا عن ميدان عملنا".
قال: "وماذا سيحدث لو لقناهم درسًا لن ينسوه".
قلت: "سيحدث الكثير... سيسيل الدم أنهارًا وتكون فتنة لا يعلم مداها إلا الله".
قال: "فماذا نفعل إذًا؟"
قلت: "نصبر.. ونصابر.. ونرابط ... استجابة لنداء ربنا في آخر سورة آل عمران (يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)"
قال: "ما عاد في قوس الصبر منزع ".
قلت: "بل به كل منزع إذا ما احتسبنا الأمر عند مولانا... وأبصرنا طريقنا بوضوح... لقد قتلت قبيلتي عضل والقارة غدرًا عشرة من الحفاظ أرسلهم معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلموهم القرآن، وبعدها بوقت قصير قتل أهل نجد سبعين من الحفاظ بذات الغدر ونفس الخسة في بئر معونة، وتألم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ألمي وألمك الآن حتى بقي شهرًا يدعو عليهم في القنوت بصلاة الصبح... ثم ماذا؟".
قال: "أرسل إليهم جيشًا من أصحابه الشجعان فأبادوهم عن بكرة أبيهم".
قلت: "ما فعل.. وقد كان قادرًا أن يفعل.. ولو فعل ما لامه أحد... لكنه صبر وصابر.. وانشغل بمعركته الحقيقية في بناء دولة المدينة والتعامل مع المنافقين.. والعمل السياسي والحربي مع أعدائه الرئيسيين في مكة... حتى لانت له الجزيرة كلها، وجاء هؤلاء صاغرين نادمين.. فأسلموا".
قال: "هذا رسول الله.. أما نحن..".
قلت: "نحن أتباعه مقتدون به مترسمون خطاه... واقفين أرواحنا وكل ما نملك لخدمة دينه".
قال: "ماشي ماشي يا دكتور... سنصبر .. ثم ماذا؟".
قلت: "ونصابر ...".
قال: "وما الفرق؟".
قلت: المصابرة من المفاعلة.. نصبر نحن.. ويصبر المفسدون.. فإذا غلب صبرنا صبرهم جاء النصر.. وهو آت لا محالة".
قال: "ثم ماذا؟".
قلت: "نرابط... سيرابط كل منا في موقعه الذي هو فيه، نعمل لخدمة الدين والوطن... سنرابط في مصر وخارجها.. سنرابط في العمل الدعوي والسياسي.. سنرابط في التربية والدعوة.. سنرابط في الجماعة والحزب والحكومة والرئاسة..".
قال مازحًا: "والجمعية".
قلت: "والجمعية كمان".
____________
[email protected]
http://www.facebook.com/drnigm?ref=profile

