وائل الحديني

مصر الجديدة مصطلح يطلقه نظام الرئيس محمد مرسي على مصر مابعد الثورة .

يعتقد البعض أن هذا النظام لم يثبت مؤسساته بعدعلى انقاض النظام السابق ،وأنه لا يزال مليئاً بالثغرات والثقوب فيما يعرف ببقايا الدولة العميقة . لكن البعض الآخر يرى أن الرئيس بادر على عكس المتوقع بضرب الدولة العميقة فى الرأس والعمق وأن القضاء على الذيل قد يستغرق بعض الوقت لكنه ، أي (الذيل) بات عاجزاً عن النهوض رغم خطورته.

ويدللون على ذلك بإعادة الجيش إلى ثكناته فى خطوة خاطفة ، والإطاحة بالنائب العام الفاسد ، وفتح ملفات عدد كبير من رجال الأعمال المشبوهين على رأسهم نجيب ساويرس ، والمتورطين فى أزمات الشارع والفوضى الإعلامية التي تعدت السب والكذب إلى توجيه عمليات التخريب والقتل .أيضاً تم إضعاف جزئي لتيار الزند ، وعزل تهاني الجبالي ومراد موافي  وكل رؤساء الأجهزة الرقابية ،واستبدالهم بقيادات شريفة حاسمة فتحت كل الملفات ،وتضيق الخناق على ذوي الحظوة سابقاً الواحدُ تلو الآخر .

قلت فى مقال سابق أن الرئيس يدرك خياراته جيداً وأزعم أنه اختار الأصعب منها ،بالتحرك الهادئ المنضبط لوضع لبنات استقرار مؤسسي ،بعد تصفير المشكلات و تفتيت كامل مجموعات الفوضى وإن بدت الأمور على عكس ذلك ،وألمحت أن هذا الخيار لا يخلو من مخاطر.
المخاطر التي كنت أقصدها تكمن فى البون الشاسع بين أريحية الرئيس وهدوئة فى إدارة معاركه واستعجال الشارع وتوتره .
الرئيس يملك فكراً ورؤية استراتيجية ، والشارع ينتظر إنضباطاً أمنياً و فكاكاً من الأزمات المفتعلة و المتلاحقة.

لكن البعض يرى أن الهجمة الإعلامية الشرسة غير المسبوقة لا تتحمل وحدها مسئولية غضب الشارع ،الفرق بين محافظّين مثل سعد الحسيني فى كفر الشيخ ومحمد عبد القادر فى الغربية يثير القلق ،الأول بحيويته وتفانيه وإنجازه وحركته الدؤبه فى كل مدينة وقرية وحاره وشارع والآخر باختفائه وابتعاده وافتقاده وعجزه عن التصدي للمشكلات ،بل وتواطئه إن صح القول فى تفاقمها.

اذا استغرب مواطن من مشاهدته باسم عوده بعزيمته وإصراره يهرول بين محافظة وآخرى يدشن منظومة الخبز الجديدة ووجد إصراراً ورسوخاً على كل ما هو قديم فى محافظته فالبعض يعتبر أن له الحق أن يستعجل التغيير .

يبقى فى هذا الإطار الممارسات الأمنية الفاضحة التي تعدت (الحياد) إلى التآمر العلني على قطع الطرق لاستدعاء غضب الجماهير ، وتغاضيها عن ضبط البلطجية والمحرضين مثل أحمددومه و حمدي الفخراني والبلاك بلوك . ومقابل الصمت على قتل 10من شباب الإخوان عند الإتحادية ،تم اقتحام ثمانية منازل لاقارب شاب يعتقد أنه صفع أحمد دومه ،بمايؤكد الإصراراً على إنتاج مؤامرة جديدة بعد فشل الرهان على التظاهرات والاعتصامات والعصيان المدني .كما أن دخول الأمن الوطني (الذي فشل فى كل مهامه بمسماه الجديد) على خط المواجهة (فى سابقة اقتحام لم تحدث حتى فى عهد حسن عبد الرحمن) لا يترك للرئيس خياراً سوى ضرورة سرعة الحسم ، فمن أمن العقوبة آساء الأدب .

بالفعل الكثير اصبح على قناعة أن شياطين الإعلام ومفاصل الدولة العجوز بما فيها وزارة الداخلية باتوا ورماً سرطانياً لم يعد هناك حل سوى استئصاله . فمرضى العقول لايعتقدون أن خيار الفرصة الثانية هو التوبة والندم والاغتسال من أخطاء الماضي وبداية جديدة ، ويفترضونه ضعفاً وقلة حيلة ، فى حين يقف الطبيب على أرضٍ صلبة متحفزاً وسط نداءات الجميع وصرخاتهم وتوسلاتهم  أن يقتحم بمبضعه الجسد .