وائل الحديني
كشفت الأحداث التي تلت الثورة طوال العامين السابقين أننا نعيش نكبة حقيقية.
ترتبط النكبة في العقل العربي بفلسطين التي لم يتورط الغرب فقط فيها في عملية الاستحلال والجلب والإحلال لكن العرب شاركوا أيضاً.
يُروى أن النقراشي وهو يودع اللواء المواووي في طريقة إلى فلسطين رمقه بنظرة ساخرة وقال له : لا تظن انك ذاهب إلى حربِ حقيقية .هي مجرد تظاهرة سياسية (فإسرائيل) كل الدول قد توافقت على قيامها!
حتى معظم أهلها اللاجئين ذابو بعد ذلك في مجتمعاتهم الجديدة وبدأ اسم الوطن لديهم في الخفوت شيئاً فشيئا.
في عام 1948 كان اللاجئون يوصون أنفسهم بالصبر الذي يعتقدون انه لن يدوم طويلا .بعد خمس سنوات اختفت فلسطين من التداول وغابت عن وعي الناس ، وبدأ الناس يتداولون حكايات عن الدولة الجديدة وعن استخدامها الجرافات والآلات الحديثة في الزراعة بدلا من الحمير والبغال .ثم تغير نمط الملابس والحياة وتم القبول بالواقع.
على مسافة قليلة كانت النظم الثورية التي يقال أنها جلبت الاستقلال تحفر ـ هي الآخرى ـ أرض الأوطان الترابية وتضع خوازيق خراسانية لرموز القهر وتقتل معنى الوطن وتدفن القيم .
لم تكن الأهازيج والحروب الكلامية في المذياع إلاستاراً للتوافق الذي ذكره النقراشي.و في كل لحظة كانت تدفن أجزاء من الوطن الكبير في بطن النكبة التي أضحت سرطانا متضخماً من الخليج إلى المحيط.
يقول د/ خالص جلبي: (عندما يتلقى فرداً صفعة فيسقط ميتاً نتساءل: هل يمكن أن تؤدي الصفعة إلى الموت أم أن الصفعة أظهرت الموت الذي كان على وشك الظهور؟ لأن المرء لا يموت من صفعة .كذلك المرض لا يحدث لأن الجراثيم سببته ، وإلا كان كل إنسان مريضا. لأن الجراثيم لا تغادر البدن لحظة .إذاً المرض هو في الحقيقة تعبير عن انهيار الجهاز المناعي أكثر من سطوة الجراثيم واستفحال هجومها).
لقد مهدالأجداد والآباء التربة للنكبة ومن بعدها النكسة حينما تحولت الطبقة الحاكمة إلى أقلية مسيطرة تسوق الناس بالسوط ، وانشق المجتمع إلى طبقات، واصيب بالمرض الفرعوني الذي لعنه الله في القران تبعاً لرؤية (تويني). وبمعيار مالك بن نبي استبطن الأفراد مفاهيم المستعِمر(المستبد)عنهم وقبلوا بالحدود التي رسمها لشخصيتهم .ليس هذا فحسب بل يدافعون عنها ويكافحون ضد إزالتها.
اليست مناداة العسكر للعودة والتأزيم وتعميم الفوضى استدعاءاً للاستبداد ووأداً للحرية التي لم نشم نسيمها بعد؟!
هذا الإنقلاب الرجعي والتيه المكاني وتداخل الرؤى المريضة وتزاحم الأفكار البليده لا يعني مع المؤامرة إلا إبتلاع فيلاً ازرق بخرطومه وأقدامه الأربعة والسماح له أن يتولى الدفة كما فى رواية (أحمد مراد).
رجل امريكا العجوز سعدالدين إبراهيم ينادي الجيش بالعودة ويصف لصه الهارب بسعد زغلول! والثوار يحتالون لأن الميكيافيللية خدعه والسلطة قيد.والإعلام يقيئ الأكاذيب ليلاً والعبيد يلوكون طفحه نهاراً قصصاً وروايات.والشرطة التي لم تستسلم للثورة تنسحب على أمل أن تعود سوطاً للمستبد الذي تريده.وحكايات حماس والأنفاق والمؤامرة على الجنود والشاطروقطر.ورحلات محمدأبو حامد ،واقزام باتوا يفتخرون علناً بملئ فم سيد قشطة أنهم فلول.وكل المعاني السلبية لمسمى الثورة تُدفع إلى المشهد استعداداً للوأد و إنتاج الماضي.
الجميع يتحدث بالشر إنفلاتاً وينتظر (من الرئيس)الحق والعدل والمشرب والمأكل ، فلا وقت للعمل.
اعتقد أن الدفع في تقزيم روح الاستبداد لدى المعارضة الهزيلة وإزالة آثار هلوستها سريعاً وإعادة اللِحمة للمجتمع وتقوية مناعته هو السبيل للخروج من مستنقع النكبة الذي يعيدونا إليه قهراً.
لابد أن نتوقف عن مضغ العجز قضاءاً وقدر إذا كنا نطمح إلى عبور المصطلح!

