وائل الحديني

 

غالباً ما كانت النظم فيما بعد الثورات  تجنح وتلجأ للاستبداد .

 إما لأن جزء من الثوار عسكريون جاءوا من بيئة استبدادية كما في حالة الضباط الأحرار في مصر1952: لم يملكوا تصورًا سياسيًّا أو فلسفةً اجتماعيةً، أطاحوا بشركائهم المدنيين ،وبدءوا بالممارسة السياسية ملتزمين بمبدأ التجربة والخطأ.أو للتصدي لحالة الفورة التي تعقب الثورات .فبعد قهر الديكتاتوريات تحدث حالة من النشوة واستعجال النتائج ، ثم الانفلات السلوكي و التشتت السياسي والفوضى الاجتماعية. قد تنتهي بعسكريٍ ـ أيضاًـ يقبض على السلطة ويعيد إنتاج نظاماً أكثر استبداداً مع واجهة ناعمة وخطاب جماهيري حالم ينال به بعض الرضا لبعض الوقت.وتحت أي المبررين تكون الثورة قد فشلت .

الديكتاتور الحقيقي

ربما تكون الوقائع التالية صادمة ًللناصريين على وجه الخصوص :

1ـ  ( القرار العسكري رقم 1) 25 يوليو 52 بعد القبض على مصطفى أمين بتهمة  نشر أنباء تشوِّه نزاهة الحركة العسكرية : فرضُ رقابةٍ قبل النشر، بواسطة الرقيب الحربي أو مصادرة الصحيفة وتعطيلها نهائيًّا.

2ـ 16 يناير53 حل الأحزاب السياسية ومصادرة أموالها، ووقف صدور صحف الوفد والمصري وصوت الأمة والطليعة.

3ـ 18 يناير 53 تعطيل 8 صحف بسبب تصاعد النقد بعد إعدام العاملين (خميس، والبقري).

4ـ 15 أبريل 54 حلَّ نقابة الصحفيين.

5ـ 28 أبريل 54 قُدم حسين أبو الفتح وأخيه صاحبا جريدة المصري إلى محكمة الثورة "فقضت بسجنهما ومصادرة أملاكهما، وتعطيل صدور الجريدة.

6ـ حكم على أبو الخير نجيب صاحب جريدة الجمهور المصري، بالأشغال الشاقة وجُرِّد من شرف المواطنة.

7ـ اعتقال إحسان عبد القدوس لثلاثة أشهر بالسجن الحربي.

8ـ 26 مايو 54 تعطيل صدور 42 صحيفة.

9ـ اهتم عبد الناصر بالصحافة وأشرف مباشرة على تعيين رؤساء التحرير من العنصر العسكري.

10ـ نص قانون تنظيم الصحافة في مايو 1960 على: "تبعية الصحف للاتحاد القومي، واشترط عضوية الصحفيين به.في المقابل:عملت الثورة على تدعيم الصحف المؤيدة لها التي شجعت اتحاد عمال النقل على تسيير تظاهرات في أزمة مارس 54تطالب برفض الديمقراطية، وترفض عودة الجيش لكناته.

من وحي التجربة :

1ـ ربما لم يكن الجميع مستعداً لفترة ما بعد الثورة سواء بتصورات أو كوادر ،بعد عقود من التجفيف.كما أن الفساد متغلغل في عمق الدولة بشكل عجز الرئيس باعترافه عن تخيله ،لكن يبقى أن وسائل الإعلام تمارس ارتزاقاً منظماً بعد أن تحولت من موالاة نظام سقط ونالت الحرية كمكتسبات ثورة لم تساعدها.

2ـ مهم أن يبقى الجيش غير مسيس يحظى بالتقدير بعدأن تورط خلال 18 شهر في إدارة البلاد.فتدّخل الجيش في السياسة يفسدها.يلاحظ في تركيا كمثال أن التقدم في عهدأردوغان كان مقترناً على الدوام بكسر أذرع الجيش وإجباره على التزام ثكناته.

( الجيش فى تركيا يرى نفسه حامياً لمبادئ العلمانية ، على عكس  جيوش الاتحاد الأوروبي الذين  يظلون خارج دائرة الحكم والتشريع ، وإذا رأى أي خطر محدقاً بها فهو يتدخل ) وعلى هذا الأساس قام  : بأربع انقلابات ثلاثة منها عسكرية في : 27 مايو 1960، 12مارس 1971 ، 12سبتمبر 1980، ورابعها بشكل غير مباشر ، ضد حكومة أربكان فى 28 فبراير 1997 . كما أن انشغال الجيش رغم قوته ( يساوي الجيشين الفرنسي والإنجليزي مجتمعين ) ، بالسياسة أثر على الوضع الأمني وساعد على استفحال خطر حزب العمال الكردستاني .

3ـ تمارس النخبة نوعاً من العهر السياسي، فأول من استدعي العسكر (بتوكيل قانوني) للإطاحة بالحكم المدني هو أول من نادي بإسقاط حكم العسكر في الفترة الانتقالية.(تم تسريب تسجيل بصوته وهو يدبر مؤامرة طفولية لغلق القناة ، وسد أبواب البنوك بكثبان رملية).

خيارات الرئيس

اعتقد أن الرئيس يدرك التركة التي حملتها إليه الجماهير، ويدرك التحديات والطموحات والخيارات جيداً وأزعم أنه اختار الأصعب منها ،بالتحرك الهادئ المنضبط لوضع لبنات استقرار مؤسسي ، بعد تصفير المشكلات و تفتيت كامل مجموعات الفوضى وإن بدت الأمور على عكس ذلك.ربما كان ارتداء ثياب الديكتاتور ،والتلويح بعصا السلطة وفرض الانضباط السلوكي دون القيمي أمراً سهلاً وعائداته على المدى القريب جيدة ،لكنه لا يؤسس على المدى البعيد لإنسان يصنع نهضة أو يمتلك إرادة . رغم ذلك هو خيار لا يخلو من مخاطرة.