د. أحمد  السعيد

يقصد بعنوان المقالة بعض فئات المعارضة - وليست كلها - لذلك كان لزوم الألف واللام للأفلاس حتى نبعد عن العموم والشمول الذى يضفيه تنكير الصفات. وموضوع المقال يتطلب أن نكتب حوله العديد من المقالات التى تتناول أنواع الإفلاس ومظاهره والطريق إلى علاجه ولكن لعدم الإطالة نبدأ فى الموضوع بشكل سريع ومباشر.

الإفلاس فى حقيقته هو الإنتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر . والمفلس شرعاً هو من قصر ما بيده عما عليه من الديون. وهذا الوصف وإن أريد به الجانب الإفتصادى إلا أن الإفلاس يتعدى هذا الجانب إلى جوانب كثيرة أخرى كالأخلاق والضمير والسياسة والأمن والإعلام والعدل وغيرها مما لايمكن عده أو إحصاءه لأنه قد يشمل مقومات الحياة جميعها .

والمتابع لخريطة السياسية المصرية وتحركاتها فى الوقت الحالى يجد بوضوح أن الإفلاس هو أحد السمات الرئيسية للعديد من قوى المعارضة التى لاتعمل إلا وفق أجندة التخريب والهدم للوطن ومؤسساته لأنها لاتملك إلا الإفلاس المهين الذى لاتستطيع أن تعلنه على الجماهير فتكون عاقبة أمرها خسراً. ومن المعلوم أن الإفلاس يتنوع بين الحقيقى والتقصيرى والإحتيالى, ويشهد الله أن المعارضة المصرية تتربع على قمة  كل هذه الأنواع بل منازع.

فالإفلاس الحقيقى هو الإفلاس النابع من قيم ومبادىء راسخة فى النفس يُبنى عليها الكلام والأفعال.  فلا ينكر أحد أن جزء كبير من المعارضة بعيد كل البعد عن حب الوطن والمواطن, بل أن ولائها الأول والأخير للمصلحة الذاتية الخاصة التى إن تعارضت مع مصالح المجتمع والعامة تكون كفة الميزان واضحة المعالم فى ناحية مصلحة الذات والنفس, وهذا هو المقصود بالإفلاس الحقيقى فى أبشع صوره. فخراب الوطن وكياناته المختلفة ليس له قيمة لمن أفلس وطنياً وأخلاقياً وأصبح بلا ضمير وطنى مصرى حر بعيد عن الهوى وتجاذباته. لذا لاتجد هذه المعارضة على قلب رجل واحد لأن تضارب المصالح الشخصية لرموزها وقاداتها قد وصل لأعلى مستوياته التى يمكن توقعها أو تخيلها. ولن تجد عند هذه المعارضة خطة حقيقة لمعالجة مشكلات البلاد والعباد لأن القيم الراسخة داخلها تهتف دائماً بحب الذات وإعلاء قيمته على قيمة البلاد والعباد وبالتالى تكون الخطة مبنية على كيفية إعلاء الذات وإكتساب المنافع الشخصية والدنيوية.

والإفلاس التقصيرى هو الذى ينشأ بسبب الهروب من محاولة تغير قيم ومبادىء الإفلاس الحقيقى على الرغم من القدرة على ذلك. وهذا يظهر بوضوح فى الرفض المتتالى لدعوات الحوار التى يمكن من خلالها الوصول إلى التغيير والإستقرار والنمو بالوطن والمواطن من خلال تنوع الرؤى والتوجهات والأيديولوجيات ووسائل وطرق العلاج المثلى والأمثل وكذلك طرح جميع المقترحات وفق برنامج وطنى قومى توافقى يضمن القبول والتنفيذ من قبل مؤسسة الرئاسة كما وعدت فى كثير من المواضع.  كما أن عدم المساعدة فى وضع الحلول للمشكلات الأنية وتقديم رؤية علمية لهذه الحلول بل والإكتفاء بتأجيج الوضع الأمنى ومايتبعه من تدمير للإقتصاد الوطنى لهو أبلغ بينة على الإفلاس التقصيرى الذى تحيا فيه كثير من جبهات المعارضة المصرية. وخلاصة الأمر إن الذى يرفض من يمد يده بالحوار هو من يتعمد إستمرار مسلسل الخراب والتهديد للوطن من أجل منفعة لاتتجاوز نفسه وشخصه.

والإفلاس الإحتيالى هو الذى يتم بموجبه طمس الحقائق وتشويش الصورة, وإيهام العامة والخاصة بإمتلاك الحلول للمشاكل على الرغم من أنك محتال فى الحق والحقيقة. وأعتقد أن جزء من المعارضة وأذرعها الإعلامية والفلولية نجحت فى ذلك أيما نجاح. ولايمكن أن يكون هذا النوع من الإفلاس إلا إذا كان هناك العزم الأكيد على عدم التغيير لقيم ومبادىء الإفلاس الحقيقى مع عظم الإفلاس التقصيرى. ويظهر هذا فى محاولات التسويق الكاذبة بأن النظام السياسى فاشل وأن مشروعه الإنتخابى لايتجاوز بحت الأصوات ومداد الأقلام على الرغم من أن المعارضة تعلم بأن الإستثمارات الخارجية كلها تقبع على الحدود المصرية تنتظر الإستقرار والأمان حتى تغزو السوق المصرية لتحقق الخير والرفاهية والإنتعاش للوطن وللجماهير المتعطشة لأن تنعم بخير بلادها ونعيمه الوفير والمتواصل. مع العلم بأن هناك إنجازات تمت وغيرها فى طريقه إلى التنفيذ, ولنتابع أخبار هذه الإنجازات حتى لايوهمنا أويضللنا كل ذى قلب حقود حسود محتال.

وقبل أن أختم المقالة, يمكننا أن نضع حلول  لهذه الصورة القاتمة التى تحياها المعارضة ويصطلى بنارها الوطن والمواطن من خلال النقاط التالية:
·       البعد عن أمراض القلوب كحب النفس والذات وحب الظهور والرياسة والزعامة التى نهاية مطافها هو الهلاك والسوء فى الدنيا والآخرة.
·       إعلاء المصلحة العامة والوطنية على المصلحة الخاصة والذاتية.
·       الصدق مع النفس ومحاولة تغير صفاتها وخصائصها والمبادىء والقيم السيئة التى تبنى عليها الأقوال والأفعال الضارة بالمجتمع ومصالحه.
·       البعد عن تأجيج الوضع الداخلى من خلال المظاهرات والإعتصامات والدعوات المضللة التى تعطى الغطاء السياسى للتخريب والهدم.
·       البعد عن التخوين والإفشال والشائعات والأفتراءات التى لانهاية لها إلا السقوط بالوطن وهويته.
·       قبول الحوار والتفاعل الإيجابى والجدى معه للوصول إلى حالة الإستقرار الضرورية.
·       تكاتف الأيدى من أجل علاج المشاكل, وإيجاد الحلول الناجعة والناجحة للنهوض بمصرنا وجعلها فى مصاف الدول المتقدمة.
·       الذود عن هويتنا الإسلامية والعودة لديننا والإحتكام لشريعتنا لأن بها العزة والرفعة فى الدنيا والآخرة.

إن المعارضة إن لم تخرج من دائرة الإفلاس بأنواعه المختلفة ستسقط حتماً فى مزبلة القائمة السياسية, وستندرج تحت راية المخربين الذين سيذكرهم التاريخ أنهم كانوا معاول هدم فى وقت كان البناء فيه أولى. ويمكن للمعارضة أن تكون أداة بناء إذا فهمت دعوات الغير بالحفاظ على الهوية والبعد عن الهوى والتمسك بالدين والإلتزام بهديه. فإن الإسلام وشريعته هو المورد الخصب والنهر العذب الذى يمكنه إحتواء كل ما يستجد في حياة الشعوب والأوطان من نوازل وحوادث لما له من شمولية وعدل وعالمية وربانية، ولا غرو فى ذلك فلقد وضع دعائمه وقواعده وأحكامه خالق الناس رب العالمين.