حازم سعيد :
كوكتيل العلمانيين والليبراليين والناصريين الموجودين بجبهة خراب مصر ، ومن على شاكلتهم من أمثال البرادعي وحمضين وحمزاوي وحمزة والبدوي وموسى وأبو حامض والبرعي وغيرهم ، فشلوا منذ تولي الرئيس مرسي فى أن ينقلبوا عليه .
واستغلوا كل مناسبة من قبل انتخابات الرئاسة ومن بعدها لإحداث اضطرابات وقلاقل ينقلبون من خلالها على الحكم ( ممثلاً فى البرلمان ذي الأغلبية الإسلامية ) وعلى الرئيس ، إلا أنها جميعاً تبوء بالفشل الذريع ، رغم الآلة الإعلامية الجبارة التي تصحبها ، ورغم تزييف هذه الآلة لتظهر اضطراباتهم فى صورة " الشعبية الهادرة " باستضافات لثوار وهميين أو باستخدام طرق وأساليب ملتوية فى التصوير واستعمال الوسائل الفنية لتكبير الحشود كتقريب الزووم على الرؤوس أو قلب الحقائق أو الكذب ، وغير ذلك من وسائل الخداع ، إلا أنها كلها تفشل وتكون نتيجتها مزيداً من خسارتهم ، ومزيداً من شعبية الرئيس مرسي على الأرض .
وآخر محاولاتهم الممجوجة كانت فيما أطلقوا عليه : " جمعة الخلاص " والتي انتهت بفضيحة أخلاقية من الطراز الثقيل تمثلت فى أنهم جمعوا خليطاً من الشباب الغر والبلطجية واستدركوهم إلى الاتحادية ثم فروا بجلدهم وذهبوا إلى بيوتهم وإلى استوديوهات الإنتاج الإعلامي ليعلنوا براءتهم من أحداث العنف فى مشهد أظهرهم كجبناء مخادعين ، وهم فى هذه المحاولات والغباء قرينان لا يفترقان ، أقارن بينهم وبين أيامنا حين كنا بتظاهرات المعارضة ، وكانت مكاتبنا الإدارية ( وهي أعلى مستوى قيادي للإخوان بالمحافظات ) تعتقل بكامل أفرادها من قلب التظاهرات .
هؤلاء الفاشلون يصنعون هذه الأحداث الفضائحية رغم تخصص بعضهم فى الدراسات السياسية ، وهم فى ذلك لا يستطيعون التفريق بين الثورة الحقيقية وبين ما يدعون أنه ثورة ، وبين المطالب المشروعة وبين إملاءاتهم السيادية التي تفرضها عقلياتهم الاستعلائية المتكبرة .
ومرجع عدم قدرتهم على التفريق فى ظني ترجع إلى عمى البصيرة الناجم عن بعدهم عن شرع رب العالمين ، وهذا مصداقاً لقول الله سبحانه فى محكم كتابه الكريم : " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا " فهؤلاء ارتضوا لأنفسهم أن يعيشوا فى ظلمات البعد عن الشريعة ، وسلكوا مسالك لرفضها والحياة بدونها فطمس الله بصيرتهم وجعل على أعينهم وقلوبهم غشاوة فلم يعد باستطاعتهم التمييز بين الحق والباطل ، فهم والعمى سواء .
بعيداً عن عمى بصيرتهم والطمس على قلوبهم ، فإنني أستطيع أن ألخص بعضاً لفروق لم يستطيعوا إدراكها بين ثورة 25 يناير بنسختها الأصلية والتي استطعنا بفضل الله وحوله وقوته أن نخلع بها الديكتاتور ، وبين النسخ المشوهة والتي يطلقون عليها لفظ " ثورة " ، فى تشويه متعمد وابتذال واضح وصريح لذلك المعني الذي كان شريفاً .
وربما أدرك هؤلاء هذه الفروق ، إلا أنهم " يستهبلون " ويتغافلونها ، ليحققوا مكاسب أخرى منها إحداث موجات قلق واضطراب للرئيس ليظهروه بصورة الضعيف ، ويشغلونه فلا يستطيع أن ينجز شيئاً على الأرض ، وتمر سنوات حكمه بلا منجز فتقل شعبيته ولا ينتخبه الناس هو أو فصيله مرة أخرى ، والذي يقودني لهذه الرؤية هو وضوح الفروق بين الثورة الحقيقية وبين تلك النسخ المشوهة بحيث أنهم حتى لو أصابهم عمى البصيرة فإنهم لابد وأن يدركوها ، حيث الفروق متكاملة الأركان : ( السبب والدافعية - الثائرون - المثار عليه أو ضده – المنهجية التي يركن إليها كل طرف والمساندة الجماهيرية الناتجة عن ذلك والسلوك المصاحب لهذه المنهجية ) :
أولاً : من حيث السبب والدافعية :
هناك فارق كبير جداً وشاسع بين فساد نظام مدته 30 سنة ( وفى رواية أصح 60 سنة ) دمر فيها البلاد ، وأتى على الأخضر واليابس ، وتحولت مصر فيها من دولة دائنة للمحتل البريطاني إلى دولة مدينة عاجزة فاشلة اقتصادياً ، وكثر فيها المرض والأوبئة والسرطانات والفشل الكلوي والكبدي ، وزادت فيها البطالة والعنوسة والفقر ، وكثرت فيها الحوادث والجرائم والبلطجة ، وانتشرت فيها الوساطة والمحسوبية والمصالح الفردية ، وتورم فيها طغيان الحاكم وجبروته ، وتسلطت أجهزته السيادية من داخلية وأمن دولة ومخابرات وكثر فيها قهر الإنسان وظلمه وقتله وحبسه بغير حق ... إلى غير ذلك مما هو معلوم بالضرورة عن النظام السابق .
أقول هناك فرق كبير بين ذلك وبين نظام منتخب شرعي ورث هذه التركة الفاسدة الآسنة وخلال ستة أشهر عاني من أحداث واضطرابات فجة ، ورغم ذلك صنع معجزات بقرارات جريئة على المستوى الاقتصادي والسياسي يجتهد الإعلام المأجور أن يخفيها عن أعين الناس .
هناك فارق بين من صنع الفساد ، وبين من ورث هذا الفساد ويسعى لأن يغيره ، هذا هو الفارق الأول من حيث السبب والدافعية .
ثانياً : من حيث الفصائل المشاركة فى الثورة :
1. ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة : الذين شاركوا فى الثورة وكانوا وقودها وحماتها عانوا الظلم والقهر والاضطهاد والإبعاد لسنوات طوال ، فكلهم كان نائحة ثكلى ، بين من اعتقل أو سحل أو سجن أو حرم من وظيفة أو ترقية أو أبعد وغرب أو مات له قريب قهراً وكمداً ومرضاً ، فكلهم ذاق الظلم وعاناه .
أما وقود الأحداث الآن فهم البلطجية والمستأجرون أو الشباب الغر الذي لم يدرك الفارق بين ما مضى وبين ما نحياه ( وهؤلاء هم الشريحة الأقل ) ، أما الأكثرية المستأجرة فهي تعمل للسبوبة التي قبضتها أو تتحصل عليها قبل أو بعد ما يصنعونه من اضطرابات ، فليس هؤلاء المستأجرون كأولئك الشرفاء الذين صدقوا الله ، فصدقهم الله وحقق لهم النصر المبين .
2. أكبر فصيل شارك فى ثورة 25 يناير الأصلية كانوا هم الإسلاميون ، ومنهم الإخوان ، وكلهم كانوا حريصين على معنى يفتقده الآن أولئك الفاشلون الذين يصنعون أحداث الفتنة ، ألا وهو إنكار الذات ، وأستطيع أن أزعم أننا كنا نملأ الميدان ، وكنا نصل إلى أكثر من ثمانين فى المائة من المشاركين فى كل المواقف وكل الأوقات ، ويخرج متحدثنا ليقول أن نسبتنا بالميدان لا تتجاوز عشرة أو خمسة عشر فى المائة من الموجودين .
فكان الإسلاميون على العموم والإخوان على الخصوص حريصين على نجاح الثورة حتى لو لم تنسب إليهم ، وأعلوا من قيمة وشأن كثيراً ممن أطلق عليه شباب الثورة حتى يكتب لها النجاح وتظهر فى شكل الشعبية الهادرة فلا يستطيع الطاغية أن يبيدها كما كان يقرر ، وكتب لها النجاح بفضل الله ثم بحسن إنكار الإخوان لذواتهم .
وهذه نقطة – فى الحقيقة – غفل عنها كثير ممن جعلنا له قدراً ووزناً وظن أنه هو صانع الثورة فتورمت ذاته ، ولما اختلفنا فى اجتهادات شتمونا وسبونا ونسبوا الثورة لأنفسهم .
المهم أن هذا الذى تخلقنا به لا يستطيع الموجودن الآن بجبهة الخراب أن يصنعوا مثله ، بل كلهم – وبلا أي استثناء – يسعى لأن يحقق المكاسب والمصالح الخاصة ، لنفسه أو لفصيله ، ومن هنا فإنهم يفشلون ، لأنهم سرعان ما يختلفون ذلك أن قلوبهم شتى ، ونحن والحمد لله نعرف أنهم ليسوا جميعاً ولا نحسبهم كذلك .
3. ثالث نقطة فى الفصائل المشاركة هي فى احتساب الأجر والثواب ، وهو بحد ذاته يعطيك دافعية أقصى مما يتخيله أي أحد ، ونحن الإسلاميين ثم الإخوان لنا مبدأ ننطلق منه ولا نحيد عنه وهو : " الله غايتنا " ، وهذا ما ميزنا – ويميزنا - عن أي أحد وفى جميع الأوقات ، أنت عندما تطلب الأجر والثواب من الله ، تهون عليك الدنيا بما فيها وتعظم عندك الآخرة بمن فيها ، ولو طلبت روحك فلن تبخل ، لأنك تشم ريح الجنة ، فتزداد إصراراً على ما أنت عليه ، وتضحي من أجله بكل غالٍ ونفيس حتى لو كانت نفسك التي بين جنبيك فتقدمها شهيدة رخيصة – عندك - ، غالية عزيزة عند الله سبحانه ، وهذا ما يعجز أمامه الطغاة والجبابرة ، كما قال الصحابة الكرام من قبل للروم والقياصرة والأكاسرة : جئناكم بقوم يطلبون الموت كما تطلبون الحياة .
هذه القيمة لا يدركها الفاشلون الذين يثيرون القلاقل بالنسخ المشوهة للثورة ، وهم لا غاية لهم إلا أنفسهم ومصالحهم الخاصة من جهة ، والمشاركون معهم الذين هم وقود نسخهم المشوهة من الثورة لا يهمهم إلا السبوبة التي ستدفع لهم آخر اليوم من جهة أخرى ، فلا إصرار عندهم ولا عزيمة ولا مثابرة ، وإنما هو يوم يمر وله تابع من يوم لاحق أو أسبوع لاحق ، أما المثابرة والإصرار والعزيمة والمواصلة فلا يمتلكون منها شيئاً .
4. آخر ما أذكره في هذه النقطة هي فى سلوك الثوار الحقيقيين ، وهي أن الإخوان ومن شاركهم فى ثورتهم لم ينتهكوا حرمات ولم يروعوا أحداً ، ولم يرتكبوا موبقات أو مظالم ، ولم يخربوا ولم يدمروا ، حتى أن ميدان التحرير فى الثمانية عشر يوماً من أيام الثورة وإلى أن خلع الله الديكتاتور ، كان مثاراً للفخر ، فهو ميدان لم يضع فيه شئ مادي لأحد أو يفتقد ، ولم ينتهك فيه حرمة لأنثى رغم كثرة من شارك منهن وبتن فى الميدان .
أما الآن ، فلا يمر يوم إلا وانتهاك يحدث أو اغتصاب ، وما واقعة الثماني عشرة مغتصبة منذ أسبوع بخافية على أحد .
هذا الفارق كان كفيلاً بجلب قلوب وأفئدة الناس إلى الثورة وإلى الثوار ، ومناصرتهم والدعاء لهم ، ثم كان كفيلاً بفضل الله لتنزيل رحمات الله وتأييده على من بالميدان ، حتى من الله عليهم بشفاء صدورهم برحيل المخلوع .
أما الآن فأنت ترى وتسمع عن الاغتصاب والحرق والتخريب والتدمير والاعتداء بالقنص والقتل مما هو كفيل بحنق الناس على النسخة المشوهة من الثورة ، ثم كفيل بتنزيل غضب الله سبحانه على هؤلاء العصاة الفاشلين ، والله لا ينصرالظالمين أبداً – سبحانه - .
ثالثاً : من حيث المثار ضده :
النظام السابق ارتكب حماقات على رأسها قتل الشهداء أيام 25 بالسويس ، و28 بأنحاء الجمهورية كلها فأشعلوا الثورة ، ثم فى موقعة الجمل فأكدوا نهايتهم ، هذا بخلاف كم فسادهم السابق لهذه الأحداث ، فكان نتيجة رد فعلهم وعمى بصيرتهم وغبائهم واعتمادهم على أنفسهم ، وأن الله سبحانه وكلهم إليها ، كان نتيجة ذلك أن خاب سعيهم ، ومن ثم تأججت الثورة وآتت ثمارها .
أما النظام الحالي فقد أوتي – بفضل الله ( وفى المجمل ) - من الحكمة ما يجعله يتخذ من القرارات ما يفوت على الفاشلين أي محاولة تأجيج لحماقاتهم وقلبها لثورة .
كما أنه حريص كل الحرص على أن لا يقتل أحد من قبله ، وحوادث القتل أوالعنف أوالتخريب كلها تأتي من قبل الطرف الذي يسمي نفسه ثائراً ، ولهذا تجدهم ينفخون فى أحداث كانت تمر بالآلاف فى عهد النظام السابق ولا نسمع لهم صوتاً إزاءها ، كحادثة تعرية المتظاهر وسحله – التي هي في نظري مدانة وخاطئة ، والتي هي سلوك معتاد لداخلية تدربت على ذلك لسنوات ، سوف تأخذ جهداً للتخلص منها ( إن ثبت صحة نسبتها للداخلية ) – أقول تجدهم يسلطون عليها الضوء ويفخمونها ، وذلك لأنهم لا يجدون لهذا النظام خطأً يؤجج نسختهم المشوهة من الثورة ، ولا يستطيعون بفضل الله .
رابعاً وأخيراً : من حيث المنهجية :
1. هناك فارق كبير بين الإخوان وبين الحزب الوطني من هذه الناحية – هذا إن سلمنا أنالإخوان الآن بالحكم ، وأزعم أنه ليس معنى رئيس من الإخوان أن الإخوان قد حكموا ، فليست الحكومة من الإخوان – أقول أن الإخوان يمتلكون منهجاً واضحاً للحياة وللحكم وللتشريع وللوجود على الإطلاق ، وهذه المنهج له أطره النظرية والفكرية والعملية الواضحة ، والتي تحكم سلوكهم وينطلقون منها ، والتي شرحت أساسها الإجمالي فى نقطة سابقة " الله غايتنا " ، هذه الأطر المنهجية المتكاملة الشاملة تعطى دافعية للإخوان على الحركة ثم على الصبر والتضحية والثبات ، كما أنها تعطيهم القدرة على العدل والإنصاف ، وكلها مقومات بقاء وعلو وانتصار .
بخلاف الآخر الذي لم يكن يتمتع بأيٍ من ذلك ، وما كان الحزب الوطني إلا عناصر مهلهلة من المنتفعين و ( الأرزقية ) الذين جاؤوا للحزب وامتطوه للمنفعة الخاصة وللسرقة والفساد والمحسوبية والمظالم والموبقات ، وكلها عناصر تغيير وانحدار وانكسار .
2. يتبع هذا سلوك كل طرف على الأرض ، فالإخوان كانوا ولا زالوا ، وانطلاقاً من منهجهم الذي منه " خير الناس أنفعهم للناس " يتواجدون بين الناس وبين الجماهير بقوافل خدمية سواءاً أسواق تجارية أو قوافل طبية أو حملات تشجير أو ترميم مدارس أو مستشفيات وخلافه ، ولهذا يحبهم الناس ويختارونهم .
أما الحزب الوطني فلم يكن موجوداً بين الناس ، وإنما كان مستعلياً عليهم ، حتى عندما أرادوا أن يقلدوا الإخوان بمشاريع خدمية وجمعيات خيرية ، فإنهم استخدموا فى جلها أفراداً من الإخوان فاستفاد منها الإخوان بفضل الله وحوله وقوته .
3. هذه المنهجية تعطي للإخوان ثباتاً فى التواجد بين الناس فلم يتغيروا بعد أن انتقلوا من خانة المعارضة إلى خانة التغلب الجزئي الحادث الآن ، حيث الإخوان لا زالوا بين الناس بخدماتهم وتضحياتهم .
وذلك بعكس هؤلاء الفاشلين الذين أدمنوا المنابر الإعلامية والفضائيات الخاصة والبرستيج المصاحب لها ، ولا يستطيعون ولا يطيقون النزول بين الناس وخدمتهم ، ولا يمتلكون رؤية التضحية والعطاء المجرد لله ، ولا يتصورونه ، ولهذا فإنهم فى كل مرة يفشلون .
كبسولة : رغم أننا نعتبر عناصر جبهة الخراب من الفاشلين الأغبياء ، إلا أنه ينبغى على الرئيس أن يتفطن إلى مخططهم لإظهاره بصورة الرئيس الضعيف الذي لا يسيطر على الأمور ، فلابد له أن يتخذ معهم من القرارات الكفيلة بأن تردعهم وتوقفهم عند حدهم وبوضوح ، والرئيس يستطيع ذلك – وبالقانون – فهل يفعلها بقرارات جريئة ضد هؤلاء المخربين الفاشلين ... أتمني ...
-------------

