وائل الحديني
قبيل الانتخابات البرلمانية الماضية كتبت مقالاً بعنوان : إشكاليات الخطاب الانتخابي (الرسالة والوسيلة)، ذكرت فيه أنه في حال تساوت الجهود الإعلامية للحملات الانتخابية للمرشحين، تبقى قدرة - حزب ما - على الاتصال الشخصي هي عامل الحسم، ووسيلة استثارة الجوانب الإيجابية للناخبين للتصويت لمرشحيه أكبر.
وزعمت أنه حتى وإن تعرض حزب ما لحملات إعلامية مضادة، وفشل في إدارة حملة إعلانية لصالح منافسيه، فإنه سيتمكن من الفوز الحاسم، في حال استطاع حشد أعداد (أكبر) من المتطوعين، وأدار حملة طرق أبواب (متنوعة) بنجاح.
أعتقد أن هذه الإشارات كانت جيدة في الماضي، لكن الظروف اختلفت.
وأعود إلى أهم نقاط المقال: (يبقى أن لغة الخطاب الرسالة سواء كان جماهيريًّا مباشرًا أو في شكل بيان انتخابي هي الأصعب، في حال افتقاد المرشح عقل السياسي وعين الإعلامي في رؤية الواقع ومتطلباته وموازناته، والجنوح المستمر إلى الماضي بمبرراته)، لأشير إلى أن كل ممثل للشعب التحف بمسألة الدور الرقابي والتشريعي وانسحب من دائرته ونأي بنفسه عن الاختلاط بمشاكلها هو نائب فاشل لا يستحق فرصة ثانية من حزبه قبل جماهيره.
استعير هنا رؤية طرحها المخرج عز الدين دويدار وأراها ذات أهمية ، مع التذكير أن حزب الحرية والعدالة ليس حزباً حاكماً وإن كان متنفذاً: (لا ينجح الحزب الحاكم في الحكم عندما يستطيع حشد أنصاره يوم الانتخابات في كل مرة فقط ، إنما ينجح عندما يعرف أن مهمته حل مشكلات الناس من خلال دوائر الحكومة في كل شارع و حي و قرية و عزبة، أزمة نقص بنزين في حي ما تتدخل أمانة الحزب لدي مديرية التموين، أزمة مرور في شارع ما تتدخل أمانة الحزب لدي إدارة المرور،... باختصار أن يجد الناس هذا الحزب واقفاً في كل موضع موجوداً في كل وقت يسخر إمكانيات الدولة و أدواتها لراحة الناس ) انتهى.
نموذج من تركيا:
دخل أردوغان الحكم في تركيا عبر بوابة المحليات: (ماسورة صرف، رصف شارع، كومات قمامة)، ونجح في جعل اسطنبول واحدة من أجمل مدن العالم ، بعد أن كان الأوربيون يدخلونها بالكمامات، ومارس التطهير بأسلوب عملي حتى أنه اقتحم عالم الدعارة، ووفر لنساء هذا العالم علاجاً اجتماعياً ونفسياً، وأوجد لهم فرص عمل بتفهّمات مع أصحاب المصانع، بعيداً عن قضية الحلال والحرام فقط، أيضاً لم تكتف حكومة العدالة والتنمية منذ اللحظة الأولى لها في الحكم بالشعارات، بل جعلت من تحسين مستوى حياة المواطن التركي هدفا رئيسيا لها ، حتى أن محاولات جرها إلى معارك جانبية قانونية ودستورية بات أمرا غاية في الصعوبة ومثيرا للحرج، بعد أن ترسخت شرعيتها الاقتصادية والسياسية وأصبحت أحد أهم مصادر قوتها وبذلك تفوقت على المؤسسات التقليدية التي تستخدم عصى القوة والعسكر.
بعد مرور ثلاثِ سنواتٍ فقط أصبح الاقتصاد أهم الأسلحة التي يخوض بها أردوغان معاركه الانتخابية، وكان الوضع الاقتصادي البائس، والانهيار التجاري والمالي لتركيا هو التحدي الأول للعدالة والتنمية، لكنه بمرور الوقت أصبح المعجزة التي ثبّت أردوغان من خلالها أقدامه.
المعارضة الارتزاقية برموزها المعطوبة تحاول جرنا إلى ميدان الجدل اللساني لنبتعد عن العمل الذي لا يملكون أدواته لنتركهم يحرقون ونبني حينها ستؤول مهمة لفظهم إلى صناديق القمامة للجماهير.
___________
كاتب وباحث مصري

