عبد الجواد شبانه
لقد تعرض مشروع الإصلاح الذى يستند الى قواعد الاسلام ومقاصده ، إلى هجوم شرس ، منذ الدعوة الى الاستفتاء الأول بعد الثورة ، ومازال ، من أولئك الذين لايريدون أن تقوم نهضة مصر على تلك القواعد والمقاصد التى قررتها شريعة الاسلام ، ونال الذين ينادون بذلك المنهاج من ظلم الافتراءات وإثارة الشبهات ، مالم ينله أحد من قبل ، وكان الاخوان المسلمين ومعهم حزبهم الوليد ، حزب الحرية والعدالة ، أصحاب القسط الأكبر ، والنصيب الأعظم ، من تلك المظالم ، إذ كانت بعض الهتافات تنادى بسقوط مااطلقوا عليه حكم المرشد .
وقد كان الاعلام ، بكل وسائله ، يتولى كبر ذلك الهجوم ، مستهدفا ايقاف زحف الذين يحملون مشروع الاصلاح - الذى يستند إلى مرجعية الاسلام - إلى بلوغ وسائل السلطة ، وقد لحق بالاعلام كيانات أخرى ، اتخذت من مقرات النوادى ، ومنصات النقابات ، وافتعال الاضرابات ، والاستيلاء على الميادين ، وحرق الممتلكات ، وقتل المعارضين ، اتخذت من كل تلك المواضع منطلقات ، لتعبر من خلالها عن رفضها لبقاء أى شخص يريد أن يتخذ من قواعد الإسلام الكلية وأصوله الثابتة ومقاصده العامة منطلقا لنهضة مصر حتى ولو كان من اختيار حر للشعب .
ومرت مصر بانتخابات برلمانية حظى فيها حملة مشروع الاسلام الاصلاحى بالأكثرية ، ثم جاءت الانتخابات الرئاسية وحظى مرشحهم فيها بأغلبية بسيطة عن منافسه ، ثم جاء الاستفتاء وبدأت روح التأييد تعود من جديد تصاعدا نحو حملة المشروع الاسلامى للاصلاح .
وقد كان لما صاحب تلك الانتخابات من تدنى نسبة التأييد ، وماصاحب المصريين من توق الى الاصلاح السريع الناجز – بغض النظر عن مدى توفر امكانات الدولة التى تسمح به – وما عكسه بطء تحقيقه ، ونسبة ذلك البطء الى الحكومة التى نسبت الى الحرية والعدالة رغم ندرة عدد وزائهم فيها ، عملت تلك الأوضاع على زلزلة بعض النفوس ، وأدت إلى تغبيش الرؤية عند البعض الآخر ، وجعلت الثوابت تتوارى ، فأصاب البعض الوهن ، وفقد كثير الأمل ، وأصبحنا نلتمس من نجدة الواقع – حكومى او حزبى – عملا فاعلا للرد على دعاوى المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، وتحريف الغالين .
لقد علت أصواتنا تطالب بتغيير القيادات التى تعوق نهضة الشعب ، وتقف عقبة فى سبيل تنميته ، بل ويعمل بعضها على تعويق مسيرته ، كما علت أصواتنا تطالب بقرارات اصلاحية ثورية تلبى مطالب الأمة ، وتحاصر الفساد ، وتستهدف العدالة ، وهذا لاشك مهم ، ولكن نسينا كثيرا من أصول فكرتنا ، وقواعد دعوتنا .
نسينا أن القرارات الحكومية ليست هى سبيلنا إلى تغيير الواقع ، ونسينا أن العمل الخدمى ليس هو سبيلنا إلى تحقيق التغيير المنشود ، واسترجاع الأمل المفقود ، ونسينا أنه ليس لنا من دون الله ولى ولانصير حين يتخلى عنا الناس ، ونسينا أن مهمتنا أن نعمل لا أن نحقق نتائج ، نسينا أن الله تعبدنا بصدق النية وحسن الإستعداد وليس بتحقيق النتائج واقامة المقاصد ، ,استطيع أن أقول لقد زاغت قلوب بعضنا عن آى القرآن ، وسنة خير الأنام ، فى فقه التغيير ، وسنة التأسيس .
نسينا أن أداء الخدمة نتيجة للإهتداء وليس سببا لتحقيقه ، نسينا أن بلوغ الشعب مرتبة الإستغفار هو الذى يرسل السماء عليهم مدرارا ، ويمددهم بأموال وبنين ، ويجعل لهم جنات ويجعل لهم أنهارا ، وليس العكس ، نسينا أن استقامة الشعب على طريقة الإسلام هى التى تسقيهم ماءا غدقا ، وليس توفير الماء لهم هو الذى سيقودهم الى الاستقامة ، ونسينا أن إيمان أهل القرى هو الذى يفتح لهم أبواب بركات من السماء والأرض ، وليس اعطاء الشعب البركات هو الذى سيقوده إلى الإيمان ، نسينا هذا كله ، ورحنا نتلمس من تحسن أداء الجهاز الحكومى وسيلة لتحقيق غايتنا ، وونتلمس من قرارات الرئاسة مايحقق هدفنا ، ونسينا أن ، الدعوة التى تستهدف تغيير القناعات ، وتصحيح الرؤا ، وتعديل الفكر هى وسيلتنا ، وتناسينا أن التربية التى تستهدف احياء القيم سلوكا ، واقامة الأخلاق طبعا ، وتحويل المبادىء واقعا ، هى وسيلتنا لبلوغ الأهداف ، وتحقيق الغايات ، ومناصرة المبادىء ، وتحقيق الآمال .
إن مهمتنا – رغم أهمية العمل الخدمى وضرورته – أن ننادى فى الناس بمبادىء فكرتنا ، ونعمل على اقناعهم بها ، حتى ينزلوا على حكمها ، فهما لها ، وتقديرا لأصولها ، واقتناعا بأهدافها ، فلايعدلون بها ، ولاينخدعون بغيرها ، ولو جاء غيرها لهم بكنوز الأرض إغراءا ، أو أتى لهم بصنوف العذاب إرهابا ، ألسنا كنا نقول ( انما تنجح الفكرة إذا قوى الإيمان بها ، وتوفر الإخلاص فى سبيلها ، وإذدادات الحماسة لها ، ووجد الاستعداد الذى يحمل على التضحية فى سبيلها ) فهل تبنون ذلك – يادعاة الإصلاح - بلقمة لينة للشعب ، أو بحلة جميلة ، أو بامرأة وضيئة ، أو بلقب من ألقاب الحياة أجوف تمنحنونه لمن تعاطف معكم ، أعتقد إنه لبناء على جرف هار إن كان .
أعتقد لو فطن خصوم فكرتنا إلى مايجول من ذلك بأنفسنا ، لأفرغوا أمامنا الساحات ، وأخلوا لنا الطرقات ، ولأغلقوا عن إلحاق الأذى بنا القنوات ، حتى تنساب أقدامنا فى طريق الخديعة ، لتفرغ دعوتنا من مضمونها ، ونتحول من جماعة وفكرة ، ودعوة ومنهاج ، وروح جديد الأصل فيه أن يسرى فى هذه الأمة فيحييها بالقرآن ، إلى حزب سياسى محدود الأغراض ، ضيق المقاصد ، يتخذ من إشباع شهوات الناس طريقا للسلطة ، ليتمتع بزهوها ، وليتنعم فى حريرها ، حتى يقع فى اثمها ، فيلق ربه وهو عليه ساخط .
إن علينا إلا البلاغ ، فى عملنا الدعوى والحزبى ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحى من حى عن بينة ، وإن الله لسميع لنا ، عليم بما نفعل ، وماكان الله ليضيع جهدنا ، إن الله بالناس لرؤف رحيم .
إن علينا إلا الذكرى ، وهى تنفع المؤمنين لامحالة ، وماأكرثهم فى شعبنا ، وسنصبر حتى يحكم الله ، كما حكم فى أول استفتاء ، وكما حكم فى أول انتخابات برلمانية ، وكما حكم فى أول انتخابات رئاسية ، وكما حكم فى أول استفتاء على الدستور ، وهو خير الحاكمين .

