خالد إبراهيم
بالطبع لا أعني بالمصريين في الخارج أحمد شفيق ويوسف بطرس غالي ومَن شايعهم مِن الفلول الهاربين المطلوبين للعدالة، فهؤلاء – وإن كانوا يحملون جواز سفر مصري بحكم المولد – إلا أن ارتباطهم بمصر بعد ما فعلوه بها لا يعدوا أن يشبه ارتباط الجاسوسة "هبة سليم" الشهيرة بـ "عبلة" حين قال لها محمود يس "دي مصر يا عبلة" فوقع عليها الخبر كالصاعقة.
وإنما أعني بهم أولئك الشرفاء من العلماء والمهنيين الذين نبغوا في شتى ضروب العلم بيد أن المفسدين في وطنهم قد سدوا في وجوههم سبل التفوق فلم يجدوا بدا من إظهاره في بلاد أخرى.
وأعني بهم كذلك أولئك الكادحين من العمال والحرفيين المهرة الذين خنقتهم البطالة وحاصرتهم الديون وضاقت بهم سبل العيش فلم يمدوا أيديهم للحرام وفضلوا السعي لطلب الرزق في بلاد الغربة.
هؤلاء الشرفاء المخلصون وإن كانوا بعيدين عن وطنهم الحبيب مصر إلا أن حبها يجري في عروقهم مجرى الدم؛ لذا تراهم لا يتركون فرصة للتعبير عنه إلا وتسابقوا لاغتنامها.
لقد سارع شرفاء المصريين في الخارج وانضموا للطلائع الأولى لثورة 25 يناير المجيدة، وقد تجلى ذلك في عدة مظاهر بحسب ظروف كل بلد، ومنها: التظاهر أمام السفارات المصرية تأييدا للثورة ومطالبة بإسقاط مبارك ونظامه، وتحويل مبالغ مالية للتكفل بمعيشة الثوار المعتصمين، وكتابة المقالات والتعليقات والتغريدات المبشرة بانتصار الثورة، والاعتكاف في المساجد وقيام الليل والدعاء لله تعالى كي يزيح الهم عن مصر وأهلها.
ورفضت أغلبية المصريين في الخارج أن يوضع "الدستور أولًا" تحت حكم العسكر؛ فقالوا "نعم" في استفتاء مارس الشهير لرسم خريطة طريق يستعيد الشعب بموجبها كامل حريته وسيادته.
وشاركوا في عزل وإقصاء الفلول المفسدين من الحياة السياسية برفض إعادة انتخابهم في مجلسي الشعب والشورى، فوقفوا في طوابير طويلة أمام السفارات لاختيار برلمان يضم قوى الثورة المتنوعة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
وذهبت أصوات أكثريتهم في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة لمرشحي الثورة، وفي الجولة الثانية التفت أغلبيتهم العظمى حول مرشح الثورة الدكتور محمد مرسي حتى أوصلوه لكرسي الرئاسة وأزاحوا شبح عودة النظام البائد.
وساهم المغتربون في كتابة دستور مصر الثورة بالعديد من المقترحات القيمة التي أرسلوها عبر موقع الجمعية التأسيسية أو بواسطة مندوبيهم الذين حضروا إلى مقر الجمعية بمجلس الشورى أو باستضافة أعضاء الجمعية في أماكن تجمعاتهم، وقالت أغلبيتهم "نعم" للدستور الجديد في استفتاء ديسمبر.
لكن أشرس المعارك التي خاضها المصريون في الخارج من أجل وطنهم الحبيب مصر هي تلك التي تدور رحاها هذه الأيام وتتمثل في مبادرتهم الرائعة لدعم اقتصاد مصر بتحويل مدخراتهم بالعملات الأجنبية إلى بنوكها الوطنية.
أبدًا لن تركع أو تفلس مصر ولها مثل هؤلاء الأبناء البررة الذين يعشقون ترابها ويتحرَّقون شوقًا لليوم الذي يتمكنون فيه من العودة إلى وطنهم للمساهمة في بناء نهضته، وهم على أهبة الاستعداد لافتدائه بدمائهم وأرواحهم وأبنائهم قبل أموالهم، فتحية واجبة لهم.

