محمد السروجي 
مقدمة
** تعود نشأة الأحزاب المصرية لعام 1907 حين تم إنشاء الحزب الوطني على يد الزعيم المصري مصطفى كامل والذي كان دافعا إلى نشأة أحزاب أخرى جاءت لتشاركه في قضية التحرير الوطني مثل حزب الأمة والذي أسسه أحمد لطفي السيد.
 
** ثم ظهر حزب الوفد كحركة شعبية في بادئ الأمر كانت تهدف إلى تأييد المجموعة المصرية التي تم اختيارها كممثلين عن الشعب المصري للتفاوض مع المحتل من أجل تحقيق الجلاء. 
** توالى بعد ذلك تكوين عشرات الأحزاب ومنها الحزب الشيوعي المصري الذي أسسه حسني العرابي عام 1922، وحزب الإصلاح وأسسه الشيخ علي يوسف وجريدته المؤيد، وحزب النبلاء والحزب الدستوري وحزبي الوطني الحر والحزب المصري كما كانت أحزاب الكتلة السعدية والأحرار الدستوريين وغيرها من الأحزاب.
** تم تجميد النشاط الحزبي في مصر بعد ثورة يوليو 1952 لتعيش مصر مرحلة التنظيم السياسي الواحد ممثلا في الاتحاد الاشتراكي، وحتى قيام الرئيس الأسبق محمد أنور السادات بالإعلان عن التعددية الحزبية وإنشاء المنابر عام 1976، والتي تكونت من ثلاثة منابر منبر اليسار ويمثله حزب التجمع الاشتراكي برئاسة خالد محي الدين، ومنبر اليمين ويمثله حزب الوفد برئاسة فؤاد سراج الدين ومنبر الوسط ويمثله الحزب الوطني الديمقراطي والذي أسسه وتولى رئاسته السادات. 
** ثم صدور قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنه 1977 بشأن تنظيم إنشاء وتكوين الأحزاب السياسية في مصر والذي تحول بمقتضاه النظام السياسي في مصر رسميا إلى التعددية الحزبية . مما سمح بتواجد أحزاب علنية مثل حزب العمل الاشتراكي وحزب الأحرار الدستوريين بجانب الأحزاب الثلاثة السابقة. بجانب بعض الأحزاب والجماعات السياسية التي كانت تعمل دون ترخيص قانوني مثل جماعة الإخوان المسلمين والحزب الشيوعي المصري 
أولاً : التصنيف الفكري للخريطة السياسية
الأحزاب الإسلامية .... ومنها "الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين، وحزب الوسط، وحزب النهضة، وحزب النور "السلفي والبناء والتنمية  ... "
 الأحزاب الليبرالية ...... "ومنها الوفد، الدستور  - الغد، الجبهة الديمقراطية، المصريون الأحرار، مصر الحرة – مصر القوية "
الأحزاب التي تجنح إلى اليسار ..... ومنها"التجمع، الناصري، الكرامة، بالإضافة إلى الحركات الأربعة المنضوية تحت ما يعرف "بجبهة القوى الاشتراكية"
ثانياً : المكونات الأساسية للخريطة السياسية
مازالت الخريطة السياسية المصرية لم تتشكل بعد بصورتها النهائية وإن بدت ملامحها شبه الأخيرة تتضح من خلال الجولات التصويتية بداية من استفتاء مارس 2011 م وانتهاءً باستفتاء ديسمبر 2012 م ، خمس جولات تصويتية خاضها المصريون في مدة صغيرة وقياسية وكانت نسب التصويت والحسم تؤكد اللياقة الحركية في الحضور والمشاركة واللياقة الفكرية والذهنية برفض الوصاية من أي مربع كان سياسياً أو دينياً أو عسكرياً ، بل أكدت التجارب نضج هذا الشعب العظيم وفشل نخبته الهلامية الفضائية في صناعة شعب بديل ووهمي من خلال الآلة الإعلامية التي تخوض معارك مقدسة لاستنزاف ما تبقى للمصريين من قوة وقدرة وأمل وثقة ، الجولات التصويتية الخمس السابقة تؤشر لثلاث تكتلات رئيسية هي :
الإسلاميون
جزء أصيل وكبير من المجتمع المصري ، وثمرة طيبة من ثمار ثقافة وهوية وهوى هذه المنطقة من العالم ، نالوا ثقة المصريين وتفويضهم المشرف والمشروط في انتخابات مصر ما بعد الثورة "البرلمان – الشورى –النقابات - الرئاسة " بنسبة مئوية كبيرة  ، النتائج لم تكن مفاجأة بل كانت متوقعة لاعتبارات ثقافية واجتماعية وحركية
لكن ...
** هم بحاجة ملحة للتوازن والموائمة بين الاستحقاق  الديمقراطي كحق أصيل وبين وحدة الصف ولم الشمل وتفويت الفرص على المتربصين وهم كثر  
** هم دون غيرهم مطالبون بالتنازل قليلاً والتقارب كثيراً لسد الفراغات التي نشأت بسبب انشغال التيارات السياسية والحركات الشعبية ببعضها البعض فتمددت فيها الخلايا السرطانية من بقايا النظام التي سرعان ما تحولت من مرحلة الكمون لمرحلة النشاط والعمل الدءوب للانقضاض على الثورة
** هم دون غيرهم مطالبون بتحقيق طموحات وآمال ملايين المصريين البسطاء ليس بقواعد اللعبة السياسية لكن بأخلاقيات السياسة الشرعية التي طالما ارتكنوا إليها فكانت الميزان الدقيق في اتخاذ القرارات والمواقف
** هم دون غيرهم أحرص ما يكون على نجاح الثورة وقيام الدولة واستقرار البلاد وأمن العباد ، انطلاقاً من الفريضة الشرعية والمسئولية الوطنية والمشروعات النهضوية ، فضلاً عن مساحات الإتاحة والحرية والحركة والدعوة التي من الله عليهم بها كثمرة من ثمرات ثورة 25 يناير المباركة
** هم دون غيرهم أحوج ما يكون ، لضبط الحركة ووعي الكلمة ودقة الإيقاع  ، بعيداً عن إلهاب العواطف وإثارة المشاعر وخلط المواقف ، لأنهم في مركز الدائرة والكل متربص ، يرميهم بالسهام ويحصي عليهم الكلام ويرصد عليهم الأفعال
** هم دون غيرهم أحرص ما يكون لاستكمال تحسين الصورة الذهنية عن الحركة الإسلامية محلياً وإقليمياً ودولياً ، بعد عقود من التشويه والتضليل والكذب مارستها أنظمة الحكم المستبدة الفاسدة بدعم غربي وشرقي لترويع الدنيا من الإسلام والإسلاميين
الليبراليون
مكون أساسي للخريطة السياسية المصرية ، له حضور إعلامي بارز بل قد يكون مهيمن ، لكنه لم يحقق بجناحيه الليبرالي واليساري وبأجياله القديمة والشابة نتائج جيدة في الانتخابات السابقة ، لاعتبارات عدة ترتبط بالصورة الذهنية السلبية لغالبية هذا التيار لدى الشعب المصري ، و الرصيد السابق في الانحياز لنظام الحكم المستبد الفاسد ، والسلوك المتناقض الذي يعانيه هذا التيار عندما يتكلم عن حقوق الشعب ثم يتهمه بعدم النضج وغياب الوعي بل وينقلب على خياراته الديمقراطية ، ومنها  غيابه الميداني الدائم عن الشارع وهموم الناس وإقامته الدائمة في وسائل الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع
لكن ...
** هم بحاجة ملحة وفورية لتجنب ثقافة الإجهاد واستنزاف الجهود والطاقات والموارد والأوقات والتقدم ولو قليلاً للمساحات المشتركة مع الإسلاميين دون شرط مسبق ومعطل
** هم مطالبون باحترام عقليات وإرادات وخيارات المصريين دون وصاية أو توجيه
** هم مطالبون للإعلان والاعتراف العملي بأن التحول السياسي يجب أن يخضع لآليات ديمقراطية لا لجولات الإعلام أو حملات التشهير
** عليهم قبل غيرهم احترام مرجعيات الآخرين خاصة المرجعية الإسلامية التي تتفق مع هوى وهوية لا شعب مصر بل شعوب المنطقة والانتقال من مربعات المرجعيات لأنها خصوصيات لم ولن تهدر لمربعات المشروعات والمساحات المشتركة
** عليهم قبل غيرهم الكف عن ثقافة التشويه والتحريض والاستعداء المتكرر ضد الإسلاميين
** هم مطالبون بضبط ووضوح العلاقات الداخلية والخارجية خاصة في موضوعات التدريب والتأهيل والتمويل والتزام النظام العام والقانون ، التمتع بالحقوق وتجنب العقوق
** هم مطالبون بوضع الخطوط الفاصلة بين الجيل العلماني القديم والذي اعتبره البعض جزء لا يتجزأ من النظام السابق والجيل الجديد جيل الثورة والتغيير والأمل المنشود
الفلول "بقايا نظام مبارك"
عدد ليس بالقليل يقفون على الخطوط الفاصلة دائماً ، لا يملكون فكراً سياسياً ولا مذهباً عقدياً شعارهم الغاية تبرر الوسيلة ، هم شبكات المصالح من رجال المال الفاسد وكبار النافذين في مؤسسات الدولة حتى الآن خاصة المؤسسات السيادية والمؤثرة في الشرطة والقضاء والإعلام والوزارات الخدمية المؤثرة فضلاً عن تجار السلاح والمخدرات والآثار ، لا يعنيهم مبارك ولا مرسي ولا مصر ، بل تعنيهم مصالحهم التي عُطلت وأموالهم التي جُمدت وملفاتهم التي فُتحت وعلاقاتهم المشبوهة التي رُصدت
لكن ... مازالوا يتحركون بلياقة غير مسبوقة في المساحات والفراغات بين المربع الإسلامي والمربع الليبرالي بل انحازوا مرات متكررة للمربع الليبرالي برغبته بل بدعوة معلنة منه ، بدا هذا واضحاً في الانتخابات البرلمانية تارة والرئاسية تارة ثم الاستفتاء الأخير تارة أخرى ولن تكون الأخيرة
 ثالثاً : معوقات وإشكاليات:
في جميع الأحوال تتشكل الخريطة من جديد ببعض المعاناة والإشكالات، وأيضًا الآفاق والطموحات.
 (1) الرصيد السلبي للأداء السابق "الأحزاب القديمة"، خاصةً رصيد الانحياز لنظام الحكم المستبد الفاسد.
(2) حالة الاستقطاب الحاد الذي وصل لدرجة التمزق والمهدد للنسيج المجتمعي
(3) مناخ عدم الاستقرار السياسي الذي تمر به البلاد، وغلبة مناخ الارتباك
(4) ضعف ثقافة الانتماء السياسي والعمل الحزبي، وبصفة عامة ثقافة العمل المشترك.
 (5) الصعوبات المادية والمكانية والبشرية.
 (6)كثرة التجمعات والمجالس والائتلافات "كيانات كثيرة لكنها ضعيفة وغير فاعلة".
 (7) أشواق المصريين وطموحاتهم التي ستمثل عبئًا ثقيلاً على كل مكونات المشهد السياسي، وستمثل فرزًا مستمرًّا لها.
(8) الانفلات الإعلامي غير المسبوق الذي تجاوز كل الخطوط والمعايير المهنية والأخلاقية والوطنية وحول الساحة السياسية لحلبة مصارعة أو أجواء معارك استنزاف
 رابعاً : طموحات وآفاق:
(1)جاهزية المناخ العام، خاصةً مساحة الحريات غير المسبوقة؛ ما يتيح سهولة ومرونة التشكيل والحركة والخدمات. 
(2) الإقبال الشعبي على الممارسات الخدمية- الحملات الشعبية والمشروعات الخدمية- والديمقراطية المنشودة "نموذج الاستفتاء". 
(3) التنسيق والتعاون المتوقع في المساحات المشتركة بين التيارات السياسية، خاصةً الإسلامية؛ لقناعة الجميع أنه لا حل ولا مخرج دون الحركة الإسلامية.
(4) الرقابة الشعبية المتوقعة على الأحزاب ومؤسسات الدولة وسلطاتها؛ ما يعد حافزًا للعمل والتقدم أو مهددًا بالتقادم والتآكل وربما الزوال.
خامساً: النسب الوزنية للتكتلات السياسية:
من المتوقع أن تتغير الخريطة السياسية للبرلمان القادم بنسبة ليست بالكبيرة وفي حدود 5% عن الانتخابات السابقة ، ومن المتوقع ألا تقل نسبة الإسلاميين عن 65% "35%للإخوان – 30% لباقي الإسلاميين " وألا تزيد نسبة الليبراليين عن 30% شرط دخولهم في جبهة موحدة لاعتبارات سياسية واجتماعية وخدمية كثيرة لها تناول آخر ، التحدي القادم ليس أمام البرلمان لكنه أمام الحكومة الحالية والقادمة وكل البرلمان ومؤسسات الدولة ، التحدي في التنفيذ المؤثر والفاعل ن الذي يقدم الخدمات الملموسة التي تخفف الأعباء عن شعب عانى كثيراً ومازال ، إذا كان التشريع مسئولية المئات سيبقى التنفيذ مسئولية مئات الآلاف ، هذه هي المسألة
_______________
المستشار الإعلامي لوزير التربية والتعليم


 
 
					     
 
					     
									 
									 
									