م/ محمد شكري علوان
• درسٌ جديدٌ، يلقنه الشعب المصري لساكني الإعلام وشاشات الفضائيات، ومن يسمون "بالنخب" من الأحزاب والساسة، مدعو التنوير والثقافة، ويثبت الشعب - في عمومه - انه أرسخ قدما وأعمق فكرا وأبعد رؤية من حاملي الشهادات ومن كل من ارتبط بالغرب وأصحاب المصالح والأهواء.
• لقد جاءت نتيجة الاستفتاء كاشفة عن أصالة هذا الشعب، وامتداد جذوره، في الوقت الذي كشف عن مدي هشاشة الأحزاب وعصبة الشيطان، وجبهات الإغراق والنهب والتدمير والدموية.
• لقد كشفت طوابير الشارع المصري في الاستفتاء عن رقي الشعب وتحضره سواء المؤيد لمشروع الدستور أو الرافض له، كما أظهرت عما فعله الاستخزاء في نفوس النخب التي قدمت مصلحتها الخاصة عن المصلحة العامة.
دروس هامة من وحي الأحداث:
أولا: كشفت الأحداث أن الطبقة المترفة (فلول النظام المخلوع ومن دار في فلكهم) لا يهمها الخلاص الاجتماعي، ولا يعنيها إلا الاستمرار في الفوضى والخراب، لتحقيق مصالحها والحفاظ علي امتيازاتها.
ثانيا: إذا كانت الثورة والإرادة الشعبية تسعي لإزالة الاستكبار، والتأله البشري، والاستعباد، والاستبعاد الاجتماعي، فإن النخب المزيفة ستظل واقفة لها بالمرصاد، حتى لا يخسروا مراكزهم وامتيازاتهم اللاشرعية في المجتمع.
ثالثا: من غير المعقول أن تنفك الدولة عن عقيدة شعبها، وعن فهم وتاريخ وموروث هذا الشعب. فالشعب يريد أن يُحكم بدينه، وأن يعيش بتربيته وثقافته، وأن يستمد من ينابيعه التي تفجرت في أرضه، وتريد النخب المزيفة فرض إرادتها علي الشعب، لذا يُوصف الشعب بالجهل من قبلهم.
رابعا: كشفت الأحداث أن عناصر وجهات (داخلية، وخارجية) تريد أن تُحول مصر عن وجهتها، وتعرقل سير نهضتها، بنشر الفوضى، وبث الحقد بين صفوف الشعب، وتسعي لقطعه عن السماء، لتجعله عبدا لشهواته وحاجاته المادية.
حقائق لن تغيب
1. هناك تشويه متعمد للتيار الإسلامي ولمفهوم تطبيق الشريعة، حيث يتعمد الإعلام عرض الشريعة للناس علي أنها قانون عقوبات، متجاهلين عن قصد أن الشريعة الإسلامية نظام شامل لكل مناحي الحياة، هي الرحمة كما قال ربنا جل في علاه "إنا كنا مرسلين، رحمة من ربك إنه هو السميع العليم"، لذا ندعو الجميع إلي الفهم الصحيح للشريعة، ولا يخفي علي أحد الصورة المشينة للإعلام عند تعرضه للعلماء والإسلاميين وخاصة جماعة الإخوان المسلمين.
2. أن أهم احتياجات مصر الآن استكمال بناء مؤسسات نظام سياسي شرعي يحترم إرادة الأمة وحرية الفرد، يكون القانون فيه فوق الإنسان، حاكما ومحكوما ، فأساس الشريعة العدل، ولا عدل إذا ظل بين المواطنين من هو فوق القانون ومن هو تحت القانون، ولن يكون ذلك إلا في ظل المرجعية العليا للإسلام.
3. ونحن علي يقين تام بأن أحكام الشريعة لن تقام في أرض الواقع إلا إذا احتضنتها الغالبية من أبناء الشعب، وأصبحت تعبيرا إجرائيا عن إرادة أمة حرة، يلتزم بها الجميع طوعا لا كرها . قال تعالي " لا إكراه في الدين "
4. الشرعية السياسية هي مفتاح الأداء السياسي الجيد، وأن المنافسة السياسية المتوازنة سبيل للنهوض بالمجتمعات. ولهذا فتبني الديمقراطية كوسيلة وأسلوب لتحقيق الإرادة الشعبية في أرض الواقع أمر أساسي لبناء مستقبل أمتنا.
5. إذا كانت الديمقراطية نظام سياسي يستهدف أمرين أساسيين، هما: (تقييد سلطة الحكام والحد من احتمال تعسفهم في استخدام السلطة، وصيانة كرامة الأفراد وحرياتهم وحقوقهم) وتحقق بوضعها هذا عددا من الأطر الدستورية والقانونية والترتيبات المؤسسية والقواعد السياسية، فهي بهذا المعنى تأتي إعمالا للمرجعيات القائمة في كل مجتمع، وبالتالي فليس من المتصور لهذه المؤسسات أن تخترق القيم المرجعيات العليا للمجتمع، وهي بهذا المعني صيغة إجرائية جيدة، ونتاج لفكر بشري للوصول إلي الأفضل، إذا ما سمحت لنظام العقائد والقيم في المجتمع بالتعبير عن نفسه بحرية، وتجسيد ذلك في قوانين وضوابط عملية، فالقيم والعقائد لاشك تختلف من مجتمع لآخر، لذا فإن الإجراءات الديمقراطية الصحيحة في مجتمع مسلم ستأتي بأحكام الإسلام من دون ريب، ونتائجها في مجتمع غير مسلم ستأتي بغير ذلك، ولا يتوقع منها غير ذلك.
6. نري وبصدق أن المعركة من أجل الديمقراطية (بالمعني السابق) جزء لا يتجزأ من مشروع النهضة بل هي جزء من المعركة من أجل الحياة الإسلامية، فالديمقراطية بهذا المعني هي إجراء يؤدي تأكيد هوية الأمة والحفاظ عليها، وليست انحرافا عن مشروعها. ونسعد كل السعادة أن تسعي كل الحركات والائتلافات إلى أن تكون جزءا فاعلا في الفضاء السياسي، وأن تتمتع بالحرية الكاملة في إبلاغ رسالتها الفكرية والسياسية إلى الناس.
7. جماعة الإخوان جزءٌ هام من التطور السياسي السلمي نحو سلطة شرعية وفاعلة في البلاد، ولا حرج عليها - كما لا حرج علي أي تيار سياسي آخر - أن تنمو إلى لتصير حزب أغلبية يحكم بالقانون ويَحكُمه القانون، لا بحرق المقرات وتدمير الممتلكات، وإسالة الدماء، وإزهاق الارواح.
8. يجب أن يعي الجميع، أن التضحية بالشرعية السياسية لصالح أي مصلحة أخرى، هدم لأساس الاجتماع السياسي، واختلال في الموازين الأخلاقية والسياسية، وضياع لمستقبل البلد.
9. يجب السعي الجاد والحثيث إلي بناء الثقة بين كل الائتلافات والقوي السياسية والمجتمعية في أوطاننا، وتقوية الحرص علي بناء قواعد سلمية لتداول السلطة وحل الخلاف، نتمسك بقيم الإسلام دون إكراه، ونتشبث بحرية الفرد والمجتمع دون وصاية، فالثورة حركة تهدف إلى إقامة مجتمع العدل والإنصاف.
فهل يعي الساسة والنخب والقائمون علي الإعلام في بلادنا طبيعة الحالة التي تمر بها مصر، وهل تم استيعاب الدرس.
حفظ الله مصر من عيون السوء وأياديه وأرجله التي تسعي لهدم مشروع نهضتها قبل ان يبدأ، ولإقعاده قبل أن يقوم، ولوأده قبل لأن يولد، حفظ الله مصر وشعبها ومستقبلها من كل من أراد بها السوء.
___________
أمين عام الثقيف بحزب الحرية والعدالة بالغربية

