حازم سعيد :

 

إطلالة جديدة للدكتور باسم يوسف فى برنامجه الشهير الساخر " البرنامج " على قناة فلولية تبعها صخب إعلامي كبير من زملائه بالقناة الذين افتتح حلقاته الجديدة بتناولهم بشكل ساخر ، وهو الصخب الذي قيل أنه مقصود لتلميع البرنامج والدعاية له خاصة وأن التهديدات التي وجهت برفع قضايا وخلافه لم تأخذ حيز التنفيذ مما يعزز هذا التفسير، تبعها صخب أكبر من مشايخ وإسلاميين بعد أن نالوا نصيبهم من سخريته على برنامجه ، الزخم الذي أحاط بالبرنامج يستحق أن أعلق عليه فى هذه المقالة ببضع نقاط :
 
أولاً : هذا البرنامج هو نسخة قريبة الشبه – معربة من البرنامج الكوميدى الأمريكى الساخر " ذا ديلى شو " للمذيع جون ستيوارت ، وهو برنامج يتناول الموضوعات السياسية بنوع من السخرية والابتكار فى فقراته .
السخرية وما يثار من موضوعات بالنسخة الأمريكية تتناسب مع البيئة الأمريكية ويتقبلها الجميع – بدرجات – وليس لها حدود قصوى ، حيث الانفلات الدينى والأخلاقى يسمحان بارتفاع السقف لكل الحريات حتى السخرية والاستهزاء وإن وصل الأمر للتجاوز فى حق الاعتقادات الدينية ، أو تناول الرموز الدينية باستخفاف ، المجتمع كله يتقبل الأمر بمنتهى البساطة .
هذا الكلام إن صلح فى أمريكا ، قد لا يصلح فى مصر ، حيث الالتزام الأخلاقى الفطري ، وحيث القيم التي تبعدك عن الدخول فى دائرة بعينها من الموضوعات ، خاصة عندما تتحدث مثلاً عن إيحاءات تتعلق بالشذوذ الجنسي مثلاً ، وهو مثل إن تناولته فى أمريكا ، فهو الأمر الذي يمر وكأنك لم تتحدث أصلاً ، أما عندنا فى بلدنا مصر الإسلامية ، فهو مشكلة أن يتعرض ذهنك من الأصل وأنت تستمع لأحد من الناس لمجرد التفكير فى لفظ نطقه فى اتجاه الشذوذ ، ناهيك عن أن تومئ إليه وتبرزه وتوضح أنك تقصد هذا المعنى أو هذه الإشارة .
ما قد يصلح فى أمريكا فى هذا الباب ، سوف يصطدم بكثير من الحواجز النفسية والخلقية والدينية عندنا فى بلدنا الإسلامية .
والله سبحانه يقول : " لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم " ، وهو خلق إسلامي رفيع ، يضع البرنامج فى مأزق شرعي ودينى وخلقي حقيقي ، خاصة مع تكلف التأويل لكلمة أو موقف وتحميلها ما لا تطيق ، ولا يقصده قائلها ، لتتحول من كلمة عادية مطلقة إلى حالة من الشذوذ الجنسي .
لو توقف الأمر عند إظهار تناقضات ، أو فضح موقف ، أحسب أنه كان يمكن أن يمر ، بل وفى أحيان قد يستحب كما فعل مع إعلاميي فضائيات الفلول ، وهو ما نفعله أحياناً كثيرة فى مواقعنا ومنتدياتنا ومنابرنا الإعلامية .
 
ثانياً : برنامج " البرنامج " تناول فى سنته الأولى مجموعة من الرموز العلمانية والفلولية والذين وقفوا ضد الثورة ، وكان أغلب تناوله ضد هؤلاء ، بالسخرية منه وتوضيح تناقضاتهم ، ولاقى نتيجة ذلك قبول عديد من القطاعات والجماهير واشتهر وشهد مولد إعلامي متميز .
اعتمد فى أغلب تناوله لفكرة اقتطاع مشاهد مسجلة وعمل مونتاج لها والتسجيل من خلال استوديو مغلق ، وليس بين جمهور " أو كومبارس " ، وفى تقديري الشخصي أن الطريقة التي تم التناول بها فى العام الماضى كانت أفضل ، حيث يبدو التكلف بارزاً فى أسلوب البرنامج الجديد ، خاصة وأنت مستقر في وعيك أن من يضحك من هذا الجمهور إنما  يضحك بأجر ، ربما ليس هذا حقيقة الجمهور ، ولكنه ما استقر فى الوعي لغيره من البرامج المشابهة كبرنامج أحمد آدم ، مع ما تراه من مونتاج بالكمبيوتر لاحق لهذه الجلسة ، وهو ما يشعرك بمزيد التكلف فى الضحك من هذا الجمهور ، وهذا ملاحظة فنية جانبية خارجة عن إطار ما أريد الإشارة إليه .
وحقيقة ما أريد أن أشير إليه فى هذه النقطة أن السيد باسم نوع فى برنامجه بالفعل ممن يسخر منهم ، حيث سخر من رموز للحزب الوطني ، وسخر من أعداء للثورة ، وسخر من إعلاميي فضائيات الفلول الذين اشتهروا بالتلون والتحول ، وسخر من رموز مال وسلطة ، وسخر كذلك وفى النهاية من إسلاميين ومن يطلق على بعضهم " شيوخ " بالفضائيات .
فهو لا يتناول فصيل بعينه ، ولا يقصد ضرب فريق بخصوصيته ، ولكنها طبيعة البرنامج التي لابد أن تطغى ، وأنت شخصياً حين تستمع لبعض الشيوخ على الفضائيات قد تعجب من بعض ما يطلقونه من ألفاظ وتصريحات ، بعيداً عن إنكاري الشديد أن أصل فى حد النكران أو يفكر ذهني مثلما وصل للتلميحات بالشذوذ الجنسي وخلافه .
فافتراض فصيل أنه يقصده ويقيم عليه حرباً شعواء ، ويشحذ له الألسنة الحداد ، هذا أستغرب له ، لأنها تتناقض مع الإنصاف ومع قواعد المنطق .
 
ثالثاً : أتمنى أن يراجع إخواني من فصائل العمل الإسلامي أنفسهم فيما يتعلق برد فعلهم إزاء نقدهم أو تناولهم بشكل ساخر ، فى البداية أنا أعذرهم نتيجة ما هو معلوم بالضرورة من الهجمة الحادة الفلولية التي لم تبقى ولم تذر ضد المشروع الإسلامي ومن يمثله من مشايخ أو دعاة ، وامتد الأمر حتى وصل إلى رئيس الجمهورية لأنه من الإخوان .
وأعلم أنها حالة تتلبسنا جميعاً كإسلاميين ، تضعنا فى حالة من التحفز والاستعدادا اللا إرادي للهجوم على من يتناولنا ، وذلك إفراز طبيعى لتراكم الشتائم والاضطهاد وعدم الإنصاف وعدم الحياد مما يملأ الإعلام بشكل زاد عن حده ، لتوجيه إرادة الشعب نحو اختيارات فلولية فى القضايا المصيرية .
ولكن هذا المبرر لا يكفي لورثة رسالة النبوة ، على صاحبها الصلاة والسلام ، حيث أن مما تعلمناه من نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ، الإنصاف ، ومنهج أهل السنة والجماعة يمتلآن بهذا المعنى .
نحن لا نأخذ الناس بموقف ولا موقفين، وإنما كل إنسان فيه من الخير وفيه من الشر ، يحب ويقدر على قدر خيره ، ويرفض ويبغض على قدر شره ، التقييم عندنا ليس بالقطعة ، وإنما بغلبة حال المرء ، فإن علم بالكلية أنه يحارب الله ورسله ويبغض رسالة الإسلام فهو عدو بغيض ، وإن علم أنه يحب الله ورسوله ويحب رسالة الإسلام ولو كان من أهل المعاصى فهو محبوب نرجو له التوبة عن معاصيه .. وهكذا .. ننصف ولا نأخذ المرء بموقف .
انظر لهدي نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم مع حاطب رضي الله عنه ، أو مع المرأة التي زنت ، أو مع الذي استأذنه فى الزنا ، أو مع الذي بال فى المسجد ، أو مع الثلاثة الذين تخلفوا عن الغزو " حين تبسم تبسم المغضب " ، مواقف نبوية كريمة تعلمنا كيف يكون الإنصاف والمروءة والعدل فى النظر للأمور ولتقييم الناس .
ولذلك أتمنى من كل من يتحدث باسم الإسلاميين على فضائية أو برنامج أن يهون على نفسه ، وينظر للأمر بمقياس العدل والإنصاف ، ولا يشحذ الألسنة إلا لمن يستحقها ، فليس كل من انتقدنا عدونا ، وليس كل من سبنا محارب يستحق إعلان الحرب ، وموقف الصديق رضى الله عنه والذي سب فيه أحد المشركين بلفظ العورة كان موقفاً مخصوصاً ضيقاً ، لم يعلم نظيره فى السيرة النبوية المطهرة ، وإن أجزت الأخذ به – وهو يجوز – فلا يكون إلا فى أضيق الحدود كما استمعله من نستمد من فعله أو قوله الجواز .
 
رابعاً : أزداد يقيناً يوماً بعد يوم فى منهج الجماعة المباركة التي أشرف بالانضواء تحت لوائها ، وأسأل الله أن يحشرني مع صالحيها ، وأحسب أن كل من فيها من الصالحين ، ومن قبلهم قدوتهم صلى الله عليه وسلم ومن تبع طريقه وهديه ، وانظر إلى تعاليم الأستاذ البنا رحمه الله حين يقول فى وصاياه العشر : " تجنب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات ، ولا تتكلم إلا بخير " .
وانظر من قبله إلى قول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم : (لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ، ولكن ليقل لقست نفسي ) ، قال بن حجر في الفتح :( يؤخذ من الحديث استحباب مجانبة الألفاظ القبيحة والأسماء ، والعدول إلى مالا قبح فيه.. وإن كان المعنى يتأدى بكل منهما).
وانظر إلى الشافعي فيما يرويه عنه المزني قال: سمعني يوما وأنا أقول: فلان كذاب ، فقال لي: يا إبراهيم أكس ألفاظك أحسنها ( أي ألبسها الكساء الحسن ) ، لا تقل كذاب ، ولكن قل: حديثه ليس بشيء) .
هذا الأدب والخلق نتعلمه من منهاجنا الذي نعلم أننا به على الحق ، وأنه لا يزيدنا إلا رفعة وتشريفاً ، ويأطر الناس إلى الحق أطراً ، ويحببهم إلى طريق الخالق العظيم .
ولذلك فقد تعلمنا من أداب دعوتنا الإسلامية الإخوانية العظيمة أن كسب القلوب مقدم على كسب المواقف .
من هذا الباب ، ومع إنكاري ورفضي ( العقلي والمنطقي ) لكثير مما انتقد به باسم يوسف بعض مشايخ الفضائيات ، إلا أنني أهيب بكل من تسمح له الظروف أن يتحدث باسم الإسلاميين أن يتأدب فى منطقه وكلامه ، وليست علامة الإخلاص وروح الجهاد أن تشتم أو يعلو صوتك ، وإنما روح الجهاد شئ يظهر فى الخلق الحسن ، حين يأتيك خبر موت الطاغية الذي يعذبك وأنت فى السجن فلا يعدو قولك على : " الله يرحمه " ... الله يرحمك يا مرشدنا العاقل المؤدب الجليل عمر التلمساني .
وحسناً فعل الشيخ أبو إسحاق الحويني والشيخ محمد بن إسماعيل ذلك العالم الذي نتعلم منه أدب المنطق والخلق الرفيع والذوق البليغ فى انتقاء الألفاظ ، حسناً فعلاً الشيخان بإنكارهم على أولئك الذين يسبون الناس باسم الدين على الفضائيات , ولعلنا جميعاً نتخلق بهذه الأخلاق الإسلامية الرفيعة .
-------------------
رابط فيديو الشيخ محمد بن إسماعيل والشيخ أبو إسحاق الحويني :

http://www.youtube.com/watch?v=TlDPf65buUY