د. محمد صبحى رضوان 
في الاستفتاء على التعديلات الدستورية مارس 2011، كان عدد من شاركوا في التصويت 18 مليون، وفي انتخابات مجلس الشعب شارك 30 مليون،وفى انتخابات مجلس الشورى بلغ عدد المشاركين حوالي 4 مليون ناخب ,  وفي الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة شارك 25 مليون، وفي جولة الإعادة بين الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق شارك 26 مليون، أما من شاركوا في الاستفتاء على الدستور الجديد فكانوا حوالي 17 مليون ناخب, ونخلص من الأرقام السابقة أن عدد من شاركوا فى الاستفتاء الأخير كانت نسبتهم معقولة.
خريطة انتخابات الرئاسة، وبشكل خاص في جولة الإعادة بين الرئيس مرسي وأحمد شفيق، كانت تنذر بتصويت يميل نحو رفض الدستور، خاصة في ظل رفض مرشحين رئاسيين آخرين كان لهم ثقل انتخابي في الصندوق للدستور، مثل أحمد شفيق وحمدين صباحي والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى، فاجتماع أنصار هؤلاء أو قطاع كبير منهم على رفض الدستور، كان يعني عدم مروره وتفوق لا على نعم.
وعلى الرغم مما سبق إلا أننى كنت أتوقع ان تصل نسبة الموافقة على الدستور حوالي 65%  ( وهذا منشور على صفحات الفيس بوك والنت ) قبل الاستفتاء بأيام.
وكانت النتيجة مطابقة لتوقعاتى ( 64% )  وفقا للأسباب الآتية: 
1.  تراجع نسبة المشاركة في التصويت على الدستور صبّ مباشرة في صالح التيار الذي دعا إلى التصويت بنعم، ونجح في حشد 11 مليون في الصناديق مقابل 7 مليون ممن قالوا "لا"، وهذا يعني أن الإقبال على التصويت، بنفس نسب انتخابات مجلس الشعب والرئاسة، ربما كان يؤثر في صالح تمرير الدستور , وقد لاحظت فى اللجنة القريبة من منزلى أن الاعداد التى تأتى فى الفترات الاخيرة أكبر منها فى بداية التصويت.
2. تقسيم المحافظات على مرحلتين واختيار محافظات بعينها فى المرحلة الأولى كان سلاحا ذو حدين إلا أنه أتعب الفريق الذى يريد تمرير الدستور وذلك لأن المحافظات المتوقع رفضها للدستور (وبينها المحافظات القوية) كانت فى المرحلة الأولى.
3.  على الرغم من النقطة السابقة إلا أن التيار الداعى لنعم إستغلوا الوضع لصالحهم بمنتهى الحرفية، فقد نجحوا في الاستفادة من تقسيم الاستفتاء على مرحلتين، جاءت الأولى لصالحهم بهامش ضئيل اتسع في المرحلة الثانية، وتم استغلال حالة "اللامبالاة" التي سيطرت على عدد كبير ممن يريدون التصويت بـ"لا"، لاعتقادهم بأن الدستور سيمرّ في النهاية.
4.  أدت "الرسائل المختلطة" من جانب جبهة ( الإنقاذ الوطني) ، إلى حالة من الاضطراب في صفوف المعارضين للدستور، فقد كانت خطة الجبهة  للتعامل مع الدستور الجديد:
- المرحلة ( أ ) رفض الدستور فإذا لم تنجح 
- المرحلة (ب) رفض الاستفتاء فإذا لم تنجح
- المرحلة (ج) المشاركة مع التصويت بلا فإذا لم تنجح
- المرحلة (د) تشويه النتائج والتشكيك فيها فإذا لم تنجح 
- المرحلة (هـ) فالتسليم بقضاء الله وقدره , لكن ماهي رؤيتهم لما بعد النتيجة فغير معروف سوى استمرار دوامة عدم استقرار البلاد.
5.  استغلت التيارات الدينية بعض المساجد في الترويج للدستور، وهذا أمر من شانه أن يؤثر على قطاعات واسعة من الشعب الذي يميل إلى تصديق ما يقال فى المساجد, وبالمناسبة لا أرى مانعا من ذلك لاننى أؤمن أن للمسجد رسالة عظيمة وهذه الدعاية وما شابهها أحد مفردات هذه الرسالة.
 
6.  لا يزال شعار "نعم للاستقرار" يمتلك نفوذا قويا لدى قطاعات ليست بالقليلة من الشعب المصري، خاصة في ظل غياب "خيار بديل"، وإحساس الشعب بأن رفض الدستور من شأنه أن يرفع سقف مطالب المعارضة لـ"إسقاط الرئيس نفسه"، وهو أمر لم يكن بعيدا عن التصوّر.
7.  غياب دور المعارضة في توضيح أسباب رفضها للدستور وذلك على المستوى الشعبي، فقد كان خطاب المعارضة "إعلاميا" و"نخبويا"، دون توضيح أسبابها بشكل يفهمه المواطن العادي الذي لا يمتلك انتماء سياسيا معينا، وهو ما جعل كثيرين يشعرون أن الرفض لمجرد الرفض فقط، وأنه يأتي في ظل الصراع السياسي بين القوى الإسلامية والتيارات المدنية.
8.  كما أن المعارضة اهتمت بما لا يهم الشارع المصري كثيرا مثال علي ذلك تنويه البعض منهم علي حقوق بوذا والهولوكست مثلا.
9.  الأحداث الدموية، خاصة في الاتحادية والقائد إبراهيم، والتي سبقت التصويت على الدستور، ربما دفعت كثيرين إلى المقاطعة أو التصويت بنعم خوفا من دخول البلاد في دوامة عنف جديدة , وهذا يذكرنا بقرار حل مجلس الشعب الذى كان سببا مباشرا فى نجاح الدكتور مرسى مع الفارق فى التشبيه بين الحدثين.
10.  الخطاب الاعلامى الخاطئ و الهجوم الكاسح  منه جلب التعاطف مع التيار الاسلامى والذى كان ذكيا  فى اظهار الظلم الواقع عليه فغالبا نتعاطف مع من يعتدى عليه حتى لو كان مخطئا اذا ما اشتد الاعتداء عليه.
11. المؤتمر الذى دعا إليه أعضاء الجمعية التأسيسية قبل استفتاء المرحلة الثانية بيوم وغاب عنه أعضاء جبهة الانقاذ كان له أثرا إيجابيا فى التصويت بنعم , وأرسل برسالة سلبية للتصويت بلا , كما أشار إلى ضعف حجة الرافضين للدستور.
12. الاعلان الدستوري الأخير والذى نص بشكل واضح على خارطة الطريق عند التصويت بنعم أو التصويت بلا , أوصل بلا شك رسالة سلبية لاختيار (لا) , نظرا لطول وصعوبة طريقها كما أنه طريق محفوف بالمخاطر على عكس الإختيار ( نعم ).
13. بقيت نقطة أخيرة وهي خاصة باستطلاعات الرأى الصادقة والتى أشارت إلى أن إتجاهات االتصويت ( بنعم )  كانت  ( 40% علشان الاستقرار – 20% علشان الشريعة – 15% علشان مصالح البلد والشعب – 15% حبا فى الدكتور مرسى ) أما اتجاهات التصويت ( بلا ) فكانت ( 55% لان الدستور اتسلق – 10% لأنهم غاضبون من الاخوان – 10% لم يقرأ الدستور – 25% أسباب مختلفة ) وواضح من هذه الأرقام قوة حجة من سيقول ( نعم ) , وهذه الاستطلاعات تمت بالطبع قبل الاستفتاء بمدة معقولة ومناسبة.
وفى الختام أتمنى من الجميع مراجعة حساباتهم والبحث عن الاقتراب من حالة توافقية معقولة ولاأقول كاملة لان ذلك أمرا مستحيلا فى حياة البشر كما عليهم المشاركة الجادة والمخلصة فى جميع ترتيبات المرحلة المقبلة والتى تركز على بناء مؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى حتى يتفرغ الجميع لبناء مصر الجديدة.


 
						
											 
 
					     
 
					     
									 
									 
									