محمد السروجي

جاءت نتيجة التصويت في المرحلة الأولى على مشروع الدستور حسب توقعاتي الشخصية  "57% نعم – 43 % لا  وبنسبة تصويت عامة 30% " التي اعتبرها البعض صادمة واعتبرها البعض الآخر غير مرضية مقارنة باستفتاء مارس 2011  وانتخابات مجلسي الشعب والشورى، لكن الأرقام جاءت في السياق الطبيعي للتغير الحادث في المشهد المصري العام على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي ومنها:

** تغير الخريطة السياسية المصرية بعد ثورة 25 يناير وهذا تغير طبيعي ومتوقع بل ومطلوب، حين انتقلت مراكز الحركة والثقل من المربع الإسلامي خاصة الإخواني إلى مربعات أخرى لأحزاب جديدة وائتلافات شبابية.

** المحاولات الدؤوبة لأحزاب ما قبل الثورة حتى تجد لنفسها مكان ومكانة في ظل عواصف السياسة ما جعلها تنضم لجبهة الإنقاذ الوطني تحت مظلة التيار العلماني وشعارها "الغاية تبرر الوسيلة"

** التغير الإيجابي الملحوظ في المزاج العام للناخب المصري تجاه المربع الإسلامي مقارنة بانتخابات الرئاسة حين تغيرت الكتل التصويتية بنسب معقولة لصالحه "راجع نسب تزايد التصويت لصالح الدستور في المحافظات التي أعطت بكثافة للمرشح الرئاسي الخاسر شفيق"

** خروج السجال السياسي عن طبيعة ومضمون الاستفتاء، فغالبية المصوتين لم يقرؤوا الدستور، وغالبية الذين قالوا نعم قصدوا بها الانحياز للمربع الإسلامي ثقة فيه بغض النظر عن قوة الدستور من ضعفه، والذين قالوا لا قصدوا بها الاصطفاف ضد المربع الإسلامي لدرجة أنهم اوجدوا في الشارع نسخ لا صلة لها أصلاً بالدستور وطرحوا مواد ومشكلات لم تكتب أصلاً

** حدة السجال السياسي الذي تحول إلى صراع خشن ملأته التجاوزات القانونية والديمقراطية بل والأخوية لشعب واحد وشركاء ثورة.

** كشف الغطاء عن شرائح وفئات وشخصيات ضربت بمنظومة القيم المصرية والديمقراطية عرض الحائط، فضلاً عن حالة التوظيف السياسي التي تورطت فيها هيئات قضائية ومؤسسات دينية خاصة في المربع القبطي.

** دخول المال السياسي على الخط وبصورة مزعجة لكنها متوقعة حين دخل بقايا النظام ورجال المال في معركة حياة أو موت ترتبط بشبكات المصالح الممولة محلياً وإقليمياً ودولياً.

** الحملات الإعلامية المتتالية التي دخلت طرفاً في السجال السياسي والمعارك القائمة مع الطرف العلماني ضد الطرف الإسلامي ما أثر بالفعل على شريحة كبيرة من الرأي العام التي ذهبت للصندوق مشحونة بفكرة أو رأي ليس له صلة بمضمون الاستفتاء. 

** يرى البعض أن انخفاض نسبة التصويت إلى 30% تعود لحالة الإحباط واليأس التي أصابت ملايين المصرين بسبب الأوضاع العامة التي سادها الانفلات والفوضى والعنف  وأجواء الارتباك الخاصة بمدى إمكانية إتمام التصويت من عدمه والإشراف القضائي من عدمه، فضلاً عن الأزمات الحياتية في الخدمات الأساسية ما مثل حاجزاً أمام أجواء الأمل التي تخللت استفتاء مارس والانتخابات التالية له.

خلاصة المسألة ... نحن أمام جولة ديمقراطية نوعية في أجواء غير عادية للمرحلة الانتقالية، لكنها تأتي في السياق العام لتداعيات ثورة بحجم 25 يناير، والمطلوب هو الإصرار على المسار الديمقراطي السلمي والقبول بخيار الشعب بغض النظر عن رؤية البعض خاصة دعاة الوصاية على شعب تخلص من قيود الاستبداد والفساد والقمع

 ... حفظك الله يا مصر ...

______________
المستشار الإعلامي لوزير التربية والتعليم