محمد السروجي

مازال شعب مصر العظيم يلقن ما تسمى بالنخبة والتيارات المدنية بل وفلول نظام مبارك دروساً متتالية في وعيه ويقظته وفطنته وذكائه وفي رفضه لفرض الوصاية والولاية من أي جهة أو شخص أو حزب أو جماعة.

غالبية الشعب بكل ألوانه وأطيافه وفصائله حسم مواقفه بمحض إرادته وفي كل مرة لا تستوعب ما تسمى بالنخبة الفضائية والتيارات المدنية هذه الدروس المتكررة رغم ما يقال أن  التكرار إفادة للشطار.

في الجولة الأولى للتعديلات الدستورية وفي استفتاء مارس 2011 م حسم الشعب خياره بنسبة تجاوزت 77% لدرجة أخرجت هؤلاء الوصاة على الشعب عن شعورهم وآدابهم فاتهموا غالبية الشعب بالجهل وعدم المعرفة وانه غرر به! ثم كانت جولة الانتخابات البرلمانية والشورى فكانت نفس النسبة تقريباً أو أكثر لكن محكمة القضاء السياسي التي عينها مبارك بعين ويد جهاز الإثم والعدوان – أمن الدولة المنحل – تغولت وأهدرت إرادة 30 مليوناً خرجوا لانتخاب هذه المؤسسة التشريعية العريقة، ثم دبرت ورتبت هدم المعبد على من فيه بحل مجلس الشورى وإسقاط اللجنة التأسيسية ثم التشكيك في شرعية الرئيس واستدعاء العسكر على منصة الحكم مرة ثانية "راجع مقطع الفيديو لتهاني الجبالي وممدوح حمزة في الانقلاب على الشرعية ".

سيناريو مفضوح اضطر الرئيس مرسي أن يعلن عن حزمة من القرارات الرئاسية أطاحت بالمخطط الخبيث وأعطت مصر ومؤسساتها قبلة الحياة لاستكمال الدستور، هنا حدث انقسام جديد بين المربعات الفكرية والسياسية وهو طبيعي ووارد بل ومطلوب في النظم الديمقراطية، أراد دعاة الديمقراطية تحويل هذا الحدث إلى ثورة ثانية ضد الرئيس وغالبية الشعب الذي انتخب الرئيس وكانت استطلاعات الرأي على كل المواقع المعارضة للإعلان الدستوري والرافضة لمرسي كالصاعقة في إرادة واضحة لشعب عظيم حين جاءت تؤكد الاكتساح الشعبي والتأييد غير العادي وبنسب تجاوزت 70% مما اضطر بعض المواقع لتغيير صيغة السؤال من هل تؤيد الإعلان الدستوري؟ إلى هل يتراجع الرئيس عن قراراته بسبب الضغط الشعبي؟ فكانت النسبة أيضاً بنسبة 75% لا لن يغير! ثم كانت الجولة التالية باستطلاع الرأي حول قبول الدستور الناتج عن اللجنة التأسيسية فكانت النسبة السحرية والتي ربما تصبح رقما يصيب المربع المسمى بالمدني بحالة من العقد النفسية عندما كانت النتيجة حوالي 70% ، ونحن على أبواب الاستفتاء على الدستور الذي سيتحول إلى سجال أو ربما صراع من النوع الخشن نسبياً لكن أتوقع ألا تقل النتيجة بنعم عن سابقتها.

هذه هي الديمقراطية بصفة عامة وليست ديمقراطية الترزية الذين فصلوا في الماضي دساتير وقوانين ثم تحولوا فجأة لحماة للدولة المدنية واستقلال القضاء بل تقدم بعضهم في الاتجاه المعاكس والخطر بتصريحات الدكتور البرادعي ودعوته لاستعمال العنف في حالة عدم رضوخ الرئيس مرسي للابتزاز النخبوي الممارس في الإعلام وبعض الشارع ثم تلاه الصحفي إبراهيم عيسى الذي تمنى سقوط قتلى لتكون سبباً في زوال مرسي وبالتالي نحن أمام تحول دراماتيكي في تبادل المواقع وفكر التغيير، حيث يقف التيار الإسلامي بألوانه الوسطية والمتشددة في المربع الديمقراطي السلمي ويقف التيار المسمى بالمدني في المربع الاستبدادي العنيف وهي إشارة لتآكل رصيده في الشارع وبين الناس.

خلاصة المسألة ... نتفق ونختلف هذه هي الديمقراطية، نصوت ونمتع حق دستوري مشروع، وفي الأخير لا يعلو صوت فوق صوت الصندوق، أليست هذه الديمقراطية؟! ، أم أن النخبة الجديدة تسحق الديمقراطية وربما تكفر بها إن لم تأتي بما تريد ؟!.. حفظك الله يا مصر ...

____________
المستشار الإعلامي لوزير التربية والتعليم