د. ممدوح المنير*
بداية أقدم أحرّ التعازى لأسرة الشهيد الطفل إسلام مسعود، وأسال الله أن يتقبله فى الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
لاشك أن الخطوة التى أقدم عليها د محمد مرسى بإصدار إعلان دستورى جديد  تمثل زلزالا سياسيا كبيرا، اعتبره أكبر بكثير من زلزال إنهاء حكم العسكر رغم أهميته هو الآخر، لكن المؤكد أن الإعلان الخير، يمثل نقلة كبيرة فى مسيرة الثورة المصرية .
نحاول من خلال هذا التحليل أن نرصد الأسباب والمآلات والتحديات التى تنشأ بعد قرارات الرئيس الأخيرة، مستعرضين كافة عوامل التأثير والتغيير.
أولا : الأسباب 
1- تردى اداء الجهاز الإدارى الدولة، و شعور غالب المواطنين بالغضب من تردى الخدمات عموما و الحيوية منها خصوصا ، مثل السلع الأساسية و المواد البترولية ، هذا الشعور بالغضب و لتردى فى الأوضاع تسبب فيه غياب المساءلة والمحاسبة ، نتيجة غياب مجلس الشعب الذى تدور مهمته الرئيسية على مراقبة الأجهزة التنفيذية، فضلا عن غياب الشق الآخر من المحاسبة والتى لا تأتى إلا عن طريق النائب العام، الذى يرفض تحريك الكثير من الدعاوى التى تفضح العديد من المسئولين فى كافة مرافق الدولة.
أمام هذا الوضع أصبح الرئيس عاجز عن مراقبة أداء حكومته بشكل موضوعى قانونى، عاجز عن تقديم المجرمين والفاسدين للعدالة بسبب النائب العام، فكانت النتيجة المزيد من الفساد والتحدى لقرارات الرئيس، ومزيد من السخط على الرئيس وحكومته، مما قد يؤدى فى النهاية إلى حالة فشل رئاسى، تسمح بقلب الأوضاع رأسا على عقب ما لم يتم تغيير هذه الأوضاع بقرار ثورى كالذى اتخذ.
2- المعلومات المؤكدة التى وصلت مؤسسة الرئاسة من أن المحكمة الدستورية العليا المعيّن جميع أعضاءها من مبارك مباشرة، تعتزم حل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى ، فضلا عن دعوى ثالثة تعمد الإعلام الفلولى عدم إثارتها حتى تقضى المحكمة الدستورية فيها دون معرفة احد ليفاجئ بها الجميع، وهى الدعوى التى تطالب بإلغاء الإعلان الدستورى الأول الذى أصدره الرئيس، والغى فيه الإعلان المكمل الذى أصدره العسكرى والذى كان يقضى باحتفاظ العسكرى بسلطة التشريع وبتشكيلته التى تضم عنان وطنطاوى ، مما يعنى عودة المجلس العسكرى إلى مقاليد الحكم بتشكيلته القديمة المناوءة للثورة وللرئيس، مما يجعل الوطن في مهب الريح، فالمجلس العسكرى يعود من جديد ومجلس الشعب والشورى غير قائمين، والجمعية التاسيسية منحلة.
وبالتالى تكون الثورة بكافة مكتسباتها قد انتهت، مما يؤذن بانهيار كامل لمؤسسات الدولة ، فضلا عن الشعور العام بالإحباط و اليأس الذى سيغلب على الجميع لأن ذلك يعد بمثابة إعلان فشل لأول رئيس مدنى منتخب فى تاريخ مصر الحديثة ، ليس هذا فحسب بل الرئيس الذى يدعمه  الفصيل الشعبى  الأكثر انتشارا و تنظيما و انتماءا للمشروع الحضارى للأمة الذى ركيزته الإسلام .
أمام ثلاثية الفشل للرئيس المدنى المنتخب الذى يرتكن إلى ظهير شعبى قوى ، و مشروع حضارى عظيم ، كان لا يمكن بأى حال من الأحوال القبول بهذا الفشل أو الإستسلام له أو حتى التقاعس عن اتخاذ إجراءات  قد يظنها البعض غير مسبوقة ، فى سبيل انقاذ الوطن.
3- من الأسباب كذلك، ما وصل إلى الرئيس من مؤامرة تحاك بليل بين بعض الكارهين للثورة والرئيس من فلول الوطنى المنحل وبعض التيارات الليبرالية والإشتراكية التى تهدف إلى إحداث فتن وقلاقل داخلية لقلب نظام الحكم، وقد تحدث الرئيس عن هذه المؤامرة فى الكلمة التى ألقاها أمام مؤيديه من أمام القصر الجمهورى، ولكنه لم يكن يستطع قبلها تقديمهم للمحاكمة لوجود النائب العام السابق عبدالمجيد محمود، الذى كان يحول دون ذلك.
4- أيضا ما تأكدت منه مؤسسة الرئاسة من وجود  دول فى الخليج والغرب تقدم دعم مالى غير محدود لإفشال الثورة وهو ما عبر عنه الرئيس بلفظة ( المال الفاسد الذى لن أسمح له بتهديد الثورة)، وهو المال الذى يستخدم فى ضرب الإقتصاد عبر إفتعال أزمات السولار والبنزين، الذى يشترى بالمال الفاسد ويلقى فى الترع والصحراء، لجعل المواطن يعيش حالة الأزمة الدائمة، مما يفقد الرئيس وحكومته المشروعية لعجزه عن أداء واجباته.
5- احداث محمد محمود و اشعال الحرائق فى مدارس ومقرات إعلامية – الجزيرة مباشر – و ممتلكات شخصية  و مقرات حزب الحرية و العدالة و الإخوان ، بغية إحداث فوضى عارمة ، فضلا عن حادثة قطار اسيوط المروعة التى ضاع ضحيتها عشرات الأطفال الأبرياء، الذى ماتوا ضحية للإهمال و غياب المساءلة الحقيقية ، مما وضع الرئيس أمام  ازمة ضمير حادة، إما أن  يظلّ  يستعمل حكمة الشيوخ و التى تؤدى إلى الحلول أكثر واقعية واستمرارية  لكن ببطء، أو يلجأ إلى عقلية الرجل الثائر التى تستأصل المشكلة من جذورها و تسرّع من وتيرة الحل مع هامش من المخاطرة المحسوبة و المتوقعة. 
أمام هذه الأسباب لم يكن أمام الرئيس سوى أن يقدم على اتخاذ هذه القرارات التى تعالج بشكل سريع تنفيذ المؤامرة التى تحاك فى الداخل و الخارج للإجهاز على الدولة ، و هنا قد يرفض البعض هذا الطرح و يقول أن هذه الأسباب ليست كافية لصناعة طاغية كما يقولون ، و هذا مغالطة مرفوضة لعدة اسباب:
أولا: أن الشعب المصرى الذى أسقط أكبر طاغية عربى جاثم على صدورنا منذ أكثر من ثلاثين عاما ، هل لا يستطيع  أن يسقط طاغية – على افتراض صحة هذا الإدعاء – يتربص به الجميع من فلول و أجهزة عميقة و فاسدين و دول تعمل بلا كلل لإسقاطه و لم يكمل  عدة أشهر فى منصبه؟.
ثانيا: إن تاريخ الدكتور مرسى هو تاريخ مصلح اجتماعى وزعيم سياسى وليس ديكتاتورا ، فالرجل حبس من أجل استقلال القضاء قبل الثورة ، وحبس أثناء الثورة لأنه كان جزء أساسى من قيادة الثورة حينها، و الرجل معروف عنه حسن خلقه وصلته بربه نحسبه كذلك، فنحن مطمئنين على صدق توجه فان استغل هذا الإعلان فى صالح الوطن فنحن معه، فإن انحرف به عن جادة الصواب فنستطيع جميعا اسقاطه كما أسقطنا غيره.
ثالثا: هل يعقل أن يكون الرئيس الذى يحاول إعادة مجلس الشعب حتى تبتعد عنه سلطة التشريع ديكتاتور ؟ هل الرئيس الذى يحصن مجلس الشورى المنتخب طاغية ؟! ، هل الرئيس الذى يحصن الجمعية التاسيسية المنتخبة، يصنع ظالما، رغم أنه يملك أن يشكلها كاملة بنفسه ؟! ، هل الرئيس الذى رفض أن يحبس صحفى واحد ، يعارضه بأقذر و أحط أنواع المعارضة مستبد ؟!.
ملاحظة أخيرة: لذلك ليس غريبا أن يكون أول شهيد للإخوان فى هذه الجولة بين الصراع بين الحق والباطل اسمه إسلام ، هذا الإسم الذى لا تريد تيارات فى وطننا أن يسمعوه أو يروه واقعا معاشا فى وطننا، لكن سقوط إسلام، يدفعنا دفعا أن نكون أكثر وفاءا لهذه الدماء ولهذا الإسم.
أمّا عن تداعيات ومآلات هذا الإعلان الدستور، فنفرض لها مقال آخر بإذن الله.
__________
* رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات و التنمية 


 
						
											 
 
					     
 
					     
									 
									 
									