حازم سعيد :
مشهد المعارضة الذي يمثل ذروته أمثال حامدين صباحي المرشح الرئاسي الخاسر فى الانتخابات الماضية ، ومعه السيد البرادعي الشهير بالـ " بوب " بالإضافة لأمثال السيد البدوي وممدوح حمزة والزند ومصطفى بكري ومحمد أبو حامد ، وغيرهم من العشرات يرتفع قدرهم أو ينخفض ، تعلو قيمتهم أو تقل ..
هذا المشهد وما به من هذه الشخصيات ، وما يزخر به من أحداث كان آخرها ما أسموه بـ " مليونية كشف الحساب " والتي حشدوا فيها ما يصل إلى ألف شخص ، بخلاف الإخوان الذين قرروا فى اللحظات الأخيرة المشاركة ، بعد تداعيات الأربعاء الحزين الذي شهد أحكام البراءة لقتلة الثوار فى موقعة الجمل ، وما تلاها من إقالة النائب العام ثم رجوعه عن قرار موافقته على التعيين بالفاتيكان ، وما تبعها من تداعيات وأحداث ما زالت مستمرة للآن ..
هذا المشهد يستدعي منا الوقفات التالية :
1. عبده مشتاق وتناقض المعارضة والصيد فى الماء العكر :
قديماً علمونا أن " الغرض مرض " ، أتذكر هذه الحكمة فى كل مرة أري فيها وجه البرادعي أو حامدين أو بكري أو أبو حامد ، وأشد من أتمثل ذلك فيه هو البرادعي وحامدين .
كلاهما من ناحية يذكرني بالشخصية الكارتونية " عبده مشتاق " ، وكلاهما من جانب آخر يمثلان بالنسبة لي آية للتدبر فى كيف يفعل الغرض بأصحابه .
منذ خسر حامدين الانتخابات الماضية وهو من تناقض إلى تناقض أكبر منه ، نفس الحال مع البرادعي ، تلك الشخصية المتحدثة بطلاقة والمجيدة لفن التنظير حين يبتعد عن إطار التنفيذ ، أما حين تدلهم الخطوب ويقبل ميدان العمل ، ينزوي بعيداً جداً إلى أبعد مدى ، ذلك بالضبط الذي فعله مع انتخابات الرئاسة ، نظر وأطر وقنن وأبدع فى ذلك ، ثم تردد وخاف وانزوى وانكمش ، ثم لما انتهي الحفل عاد لينظر ويؤطر ويقنن .
أقرب الأمثلة على ذلك أنهم بمجرد حكم المحكمة ببراءة مجرمي موقعة الجمل تباكوا على دم الشهداء وبدؤوا فى التنظير ضد النظام السابق وإلزام الرئيس الشرعي الحالي الدكتور مرسي بقرارات حازمة ناجزة ، فلما فعلها ، إذا بهم يتباكون على القضاء وعلى تغول السلطة التنفيذية واعتدائها على هيبة القضاء وعلى شرعية القضاء وعلى تدخل سلطة فى أعمال سلطة أخري ، فأين كان هؤلاء أيام " لوسي آرتين " ، وأين كان هؤلاء أيام مذبحة القضاة فى 2007 ؟ وأين كان هؤلاء من رجل تستر على فساد عقود من الزمان وقيدت قضايا معروف فيها الجناة بالإسم والرسم كقضية العبارة وقضايا حرق القطارات وتغول أبناء مبارك وفسادهم .. كل ذلك فى عهده إلى هباء .. ثم هم يحولونه إلى بطل قومي ، لأنه اختلف مع مرسي ، أو لأن القرار الحازم الناجز جاء من الرئيس مرسي .
إنهم يحولون أنفسهم إلى أضحوكة ، يضحك منها العقلاء ، ويخسرون بها الصديق والقريب قبل العدو والبعيد .
عد فيهم ومنهم أسماء كثيرة منها مثلاً : خالد يوسف الذي طالما خدعنا بأفلامه وحربه على النظام السابق ثم ما لبث أن حركه حقده الدفين على التيار الإسلامي لأن يعارض لمجرد المعارضة فتحول لأضحوكة ، يطالب هو وأمثاله بالديمقراطية ثم لما جاءت بالإسلاميين بمجلس الشعب وبمرسي بالرئاسة إذا به ينقلب عليها ، وينبرى منظرهم – عمرو حمزاوي - فى جرأة بالغة – ولا أريد أن أقول اللفظ الآخر لمثل هذه الحالة – ينبرى لأن يقول أن الديمقراطية ليست بصناديق الانتخابات ؟!!!!!!!!! ثم طالبوا بسقوط العسكر فلما فعلها الرئيس مرسي قالوا عنها أخونة للدولة ، وطالبوا بإقالة النائب العام وبكوا بعد أحكام البراءة فى موقعة الجمل ، فلما سارع مرسى وفعلها احتجوا وبكوا على تغول السلطة التنفيذية ضد القضاء .
لا أجد أقرب للتعبير عن مثل هذه الحالة سوى لفظ " شغل أراجوزات بيضحكونا بيه عليهم " ، أيها السادة لقد انكشفت سوءاتكم وسقطت الأقنعة عن وجوهكم ، فلا تنسبوا أنفسكم إلى الثورة ، وعودوا إلى صفوف الفلول واستقيموا فى هذه الصفوف .. ولا أستطيع أن أكمل بـ " يرحمكم الله " ..
آخر ما أستطيع سوقه فى هذه النقطة هو فشل ما يدعونه من أنها مليونية محاسبة ، فمن يحاسب من ؟ ولماذا ؟ من قال لكم أن مائة يوم – بفرض عدم تحقق أي إنجازات فيها – تكفي لمحاسبة رجل جاء فى سدة الحكم بعد ثلاثين سنة فساد وإفساد ، ووجد بسدة المناصب فى كل أجهزة الدولة الحيوية رجالاً فاسدين تربوا على يد النظام السابق ؟
من الذى أغراكم بهذا ، وأنكم سوف تجدون صدىً بالشارع أو داعماً أو نصير ؟ إنه سوء تقديركم للواقع ، وقياسكم على ثورة 25 يناير ، ولكنكم لا تستطيعون قياس ولا إدراك كم المتغيرات ولا الفارق بين حالة الفوضى التي أنتم عليها وبين ثورة 25 يناير المباركة ولا القوى التي شاركت فيها .
2. ممدوح حمزة وفن إشعال الحرائق :
عند كل مصيبة حدثت خلال السنتين الماضيتين فتش ، فستجد ممدوح حمزة ، عند محمد محمود وعند ماسبيرو عند السفارة الإسرائيلية وعند امبابة ، أزعم أنه أحد القوي الرئيسية المحركة لكل أحداث الحرق والفساد عند كل هذه التجمعات .
وشهود العيان الذين رأوا بأعينهم أحداث جمعة المحاسبة ، رووا أن الأمور اشتعلت وبدأت أحداث العنف بمجرد أن ظهر حمزة ورجاله وأنهم ألقوا المولوتوف والحجارة عند دخولهم الميدان .
أقول أنه من الواجب على الأجهزة المعنية كالمخابرات ومؤسسة الرئاسة أن تنتبه لدور أمثال هذا الـ " حمزة " وأن يراجعوا دوره وما ينفقه ويؤجره من بلطجية لمثل هذه الأعمال ، لأن إطلاق يد أمثال هؤلاء هو فى منتهي الخطورة ، فهم يخرجون من حدث إلى حدث ومن فتنة إلى أختها .
وأنا وإن كنت أرى أن أعمالهم كالزبد يذهب جفاءاً ولا يمكث فى الأرض، إلا أنني أحذر من الاتكال على مثل هذه القواعد رغم أنها إيمانية ناضجة صادقة ، فلا ينبغى أن يتكل عليها المسئول ، حيث أن الله سبحانه علمنا أنه يطبق مثل هذه القواعد والنظريات الحقيقية التي نؤمن بها أشد الإيمان حين يستيئس الرسل ، أي حين يأخذوا بكل الأسباب وبمنتهى الجدية والقوة واليقين فى نصر الله ، فلما تفرغ أيديهم من كل سبب ، حينها ينزل عليهم النصر ويقطع دابر الظالمين .
3. التناقض بين الحالة الثورية وبين احترام القانون والمؤسسات :
أعلم أن الرئيس مرسي قد قطع على نفسه عهداً هو أشبه بالقرار الصارم أنه لن يتخذ قرارات استثنائية ضد القانون ، وأعرف أن مقصده ومقصد الإخوان من وراء ذلك هو ترسيخ حالة المؤسسات واحترام القوانين والنظم والأعراف ، وأن لا يسمح لأحدٍ بعد الرئيس مرسي لأن يتغول كفردٍ أبداً ، أو أن يتعدى أحد على المؤسسية أو الشعب أو القوانين والنظم ... الخ .
كل هذا كلام جيد فى مبدئه وناضلت وأناضل عن اختيار الإخوان وعن مبدئهم ، ولكني أختلف مع بعض جانبه التطبيقي ، ومكمن ذلك أن هذه القوانين التي تتعهدون أيها الرئيس مرسي وأيها الإخوان باحترامها وعدم الاستثناء عليها ، هي قوانين فاسدة اتخذها النظام السابق تكأة لمظالمه ، وجاءت بأشخاص غير أسوياء إلى سدة الحكم ، وجعلت يد الرئيس مرسي مغلولة حين يتعامل مع الفاسدين والمفسدين ، ويضطر اضطراراً إلى نزعهم بالتدرج ، مع عنت ومعاندة من بعض الحالات كحالة النائب العام العجيبة التي حدثت أمس واليوم ، وبعد أن وافق بشحمه ولحمه بكل أريحية على منصب سفير الفاتيكان ، إذا به يتحول بعد مكالمة خارجية إلى بطل قومي وإلى رافض لقرار الرئيس وتداعي مؤيدو النظام السابق من أمثال الزند إلى مناصرته وتحولت القضية إلى اعتداء على القضاء والقضاة .
إن هذا الكلام الفارغ ما كان له أن يقف إلا بقوانين استثنائية ، والحالة الثورية التي تعيشها مصر منذ 25 يناير هي حالة داعمة لك لا عليك ، وكان الرئيس مرسي يستطيع أن يسن قوانين تعطيه صلاحية ما فعل ثم يفعل ، وسيجد تأييداً شديداً ، أما هذه الحالة التي نعيشها وموضوع إنه لن نتخذ قرارات استثنائية فهذا كلام ننشده جميعاً ولكن إن شاء الله حين تتحقق المدينة الفاضلة ، أما وأن القوم يعجون بالمتآمرين الذين يصنعون الدس والكيد ليل نهار فلا يصح منا أن نحلم كل هذا الحلم وأن نصبر كل هذا الصبر على أمثال هؤلاء ، ولابد لهم بمن يردعهم .
إن القوانين التي جاءت بهم هي فى الأصل قوانين فاسدة مفسدة ، فكيف أحترمها وأصبر عليها وأترك لهم المجال ليصبحوا أبطالاً قوميين " كمان ؟ " .
ثم لو أن الأمر بالقوانين والنظم والأعراف المعمول بها عند سدنة النظام السابق ، فإنه لا يحق لنا كل الإجراءات التي تمت منذ ثورة 25 يناير ، ولا يجوز لنا أن نخلع الطاغية مبارك إلا بالطرق القانونية ، وما كان لنا أن نعزل طنطاوي وعنان ، أيها السادة أنتم أمام حالة ثورية فأكملوها بقرارات ثورية أثابكم الله .
4. شتيمة الإخوان والغل فى الهجوم عليهم :
أحداث حرق الأوتوبيسات ومحاولة اقتحام بعض المقار الإخوانية كمقر الإخوان بالمحلة الكبرى وهتافات " يسقط يسقط حكم المرشد " إلى آخره .. تنم عن غل فظيع وحقد دفين يحتاج إلى أن يراجع هؤلاء أنفسهم ، ، فهم فشلوا فى خطاب الشارع والحصول على ثقته وعجزوا عن الوصول لسدة الحكم عن طريقه ، فصوروا الإخوان الآن على أنهم الحزب الوطني الجديد أو أنهم الفاسدون المفسدون ، واتبعهم الدهماء والغوغاء بمثل هذه الأعمال الصبيانية .
ووجه المراجعة الذى أنشده من هؤلاء ليس بأن يتوقفوا عن حقدهم وغلهم ضد الإخوان ، فهي حياتهم وشأنهم وما يريدون لأنفسهم من حياة ومن مصير ، وإنما أقول لهم أن مثل هذه المؤامرات أصبحت وسيلة عاجزة فاشلة ، وأدلهم أن النجاح الحقيقي هو فى القدرة على خدمة الناس فى الشارع ، وأنكم مهما طبلتم وزمرتم كي تسقطوا الإخوان ، فلن تستطيعوا إلا عبر الوجود الحقيقى مع الناس ، وهذا ما يفلح فيه الإخوان وتسقطون فيه بجدارة لأنكم لا تطيقون ضريبته ولا تستطيعون ، فلتموتوا بغيظكم .
5. النائب العام الذي أصبح بطلاً قومياً :
الزند حول النائب العام إلى بطل قومي ، وبمكالمة مع شفيق عاند الرجل وقال لن أقال لأني أدافع عن المبدأ .
وأنا بدوري سأحاول تصديق أنك لست بوابة للفساد ، وأنهم آووك ونصروك وأيدوك ليس ضرباً فى الرئيس مرسي ، أو تستراً على فسادهم ، وسأحاول التغاضي عن حجم الخطأ بمعاندة الرغبة الشعبية الهادرة فى أن ترحل ، إنما فقط أوقفك أمام تاريخك لترى فيه كم التناقض والخنوع مع نظام مبارك ، أنت والزند الذى جعل نفسه حالة ثورية أمام الرئيس مرسي .
أحيلك أنت والزند وقبلكما أحيل عزيزى القارئ إلى الرابط فى نهاية المقال عن تاريخ السيد النائب العام ، الذى أخذ الموضوع على أعصابه وتحول إلى بطل قومي يضطهد ..
كبسولة : ماذا سيقول الناقدون الذين كالوا وطفح منهم الكيل بالأمس فى نقد إقالة النائب العام ، بعد تراجع الرئيس مرسي اليوم بحكمة ، وبصورة أبسط دلالاتها أنه احترم الرأي العام ولم يتغول على السلطة القضائية ، وحلم وهو يقدر ... تراهم هل سنسمع لهم الليلة على الفضائيات والتوك شو أي صوت ، وهل سنرى لهم أثر ؟
--------------
[email protected]
رابط بتاريخ سيادة النائب العام :
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=401472286586309&set=a.315586858508186.74129.315478321852373&type=1&theater

