محمد السروجي
"الثائر الحق من ثار لهدم الفساد ثم هدأ لبناء الأمجاد" قول منسوب لفضيلة العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي- رحمه الله-، يعبر وبدقة عن احتياج ضروري وملح لمصر ما بعد الثورة، شعبًا وحكومة ومعارضة، نحن أحوج ما نكون لتنقية الأجواء والتقاط الأنفاس حتى نفكر بهدوء كيف نبني مصر الدولة انطلاقًا من مصر الثورة، حتى نخرج من أجواء الاشتباك الخشن الذي أصبح السمت السائد للمشهد العام في الكثير من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي لن تسلم مؤسسة التعليم المصري من هذه الأنماط والممارسات.
لا شك أن منظومة التعليم ذات الحجم الهائل والكبير "18 مليون طالب– 46 ألف مدرسة– 1.7 مليون من العاملين" تعاني بالضرورة مشكلات وأزمات شأنها شأن الدولة المصرية كإفراز طبيعي لعقود الاستبداد والفساد والقمع، ولا شك أيضًا أن تراكمات ستين عامًا وأكثر لن تحل في ستين يومًا أو أقل كما يرغب البعض، نعم هناك أزمات في المباني والتجهيزات، في الاستيعاب والكثافات، في مستوى الأداء التعليمي والتربوي، في ثقافة المصريين تجاه التعليم ومؤسساته وأيضًا في المناهج الدراسية التي لها مكان ومكانة دستور الدول، في هذه الأجواء العصيبة وبدلاً من التكامل والتضامن في الخروج من المأزق الراهن بصفة عامة والتعليمي بصفة خاصة، بدلاً من مد يد العون للبناء المنشود فرض البعض على مؤسسة التعليم معارك جديدة من الاستنزاف بخلفيات سياسية كنا في غنى عنها، مؤسسة التعليم الكبيرة والأم "وزارة التربية والتعليم" هي ملك للشعب وغير مسيسة وإن كان للعاملين فيها أفكار وخلفيات سياسية كحق دستوري وإنساني، فرض البعض على الوزارة معارك استنزاف للوقت والجهد والمال، معارك تدفع فاتورتها الأسرة المصرية التي تدفع وبالخسارة منذ عقود.
مظاهر الاستنزاف
** الاحتجاج والتظاهر وقطع الطرق وأخيرًا الإضراب لعدد من المعلمين، نعم لهم بعض الحقوق، نعم نتفق معهم في بعض الأهداف، لكن التوقيت غير لائق بل ضار "أنت حر ما لم تضر".
** التوهم المزعوم بأخونة الوزارة من خلال تعيين مدير عام للعلاقات العامة بدلاً للمدير العام السابق الذي تقاعد للمعاش أو وجود مستشار خاص للوزير لا يكلف الوزارة ثمن كوب الشاي الذي يشربه على نفقته الخاصة "عدد العاملين بديوان عام الوزارة يتجاوز 8000 موظف".
** النظرة الانتقائية غير العلمية من المربع الليبرالي حين وقف بخلفية سياسية- لا شأن للوزارة بها- عند كلمة الجماعة التي جاءت في السياق الطبيعي لموضوع الولاء والانتماء وهي موجودة منذ عام 2005 م في كتاب التربية الوطنية للصف الأول الثانوي، كلمة مكتوبة منذ سنوات اكتشفها المربع الليبرالي متأخرًا فأفقدته صوابه، فهل هي فوبيا الإخوان التي يعانيها التيار الليبرالي المصري والوزارة ليست طرفًا فيها؟!
** النظرة المتعجلة من بعض أطراف المربع الإسلامي حين وقف عند الاستشهاد ببعض نصوص الإنجيل والتوراة التي جاءت في السياق الطبيعي لموضوع حقوق الإنسان في الشرائع السماوية في كتاب المواطنة للصف الثاني الثانوي، واتهم الوزارة بدعم حملات التبشير، بل العجيب أن البعض اتصل بي مدعيًا أن الكتاب فيه ما يدعم حق اليهود في فلسطين ولا أدري من أتى بهذا الوهم المكذوب الذي لم يرد في المناهج المصرية منذ القدم ولن يكن له موضع في الحاضر والمستقبل؟!
خلاصة الطرح.. نعم وزارة التعليم لن تستطع وحدها إصلاح منظومة تعاني منذ عقود، ولا بد من الشراكة الوطنية والمجتمعية من القطاع الخاص والأهلي، فضلاً عن البيت والمسجد والكنيسة وأولاً وأخيرًا الإعلام الشريك المتضامن في البناء ثم الرقابة بمعناها الواسع وليس الملاحقة والرصد دون تقديم بدائل واقعية وممكنة.. حفظك الله يا مصر.
_____________
• المستشار الإعلامي لوزير التربية والتعليم.

