حلمى داود
فى الحلقة السابقة ......
لذلك كان اول مراحل هدف التمكين لدين الله وتعبيد الارض لله هو ايجاد الفرد المسلم وإعداده اليها. والذى يحمل فى نفسه رؤية حتى يصبح مسلما يعيش من اجل رسالة والرسالة هى المهمة التى يريد الوصل اليها .. ويحمل فى نفسه رؤية .. وهى الهدف الخاص سواء اكان ماديا او ايمانيا او اجتماعيا او صحيا او ثقافيا.
والناس امام هذه الرسالة وتلك الرؤية اربعة اصناف:
الاول صنف يحمل رسالة ورؤية فهو يملك السعادة والنجاح.
والصنف الثانى يحمل رسالة بلا رؤية فهو يملك السعادة ولا يملك النجاح.
والصنف الثالث لا يحمل رسالة وله رؤية فهو لا يملك السعادة ويملك النجاح.
اما الصنف الرابع لا يملك الرسالة ولا الرؤية فهو لا يملك السعادة ولا يملك النجاح.
هذه الرسالة وتلك الرؤية هى التى تعكس اهتمامات الفرد وتصوراته وأحلامه وطموحاته وأقواله وأفعاله سره وعلانيته.
فإذا نظر احدنا فى نفسه الان فى تجربه عمليه سريعة سيجد فى نفسه:
- ايمان وحب لله عز وجل ... و فيها هوى وحب دنيا
- ارادة ان يكون من ابناء الآخرة .... وإرادة ان يكون من ابناء الدنيا (المنصب والجاه والمال)
- تخطيط للمستقبل الاخروى .... وتخطيط اكثر للمستقبل الدنيوى
- ارادة خدمة الدين مع الحفاظ على الدنيا ومكتسباتها منها
بطل هذا الاختلاط بين الواقع والمأمول لن يكون هناك تقدم بل نظل نراوح فى مكاننا لا نتقدم ...... كمثل سفينة يجرها بحارة من الاتجاهات الاربعة بنفس القوة والحماسة فرغم كل الجهد المبذول الا ان السفينة تظل فى مكانها
من اجل هذا قال خبراء التربيه وعلماء التزكية ( اقطع علائقك بالدنيا واجتاز عوائقك فى طريق الاخرة)
وقال بن عطاء ( دينكم دينكم ... لا اوصيكم بدنياكم وانتم عليها حراص وانتم بها مستوصون)
وفى الاثر .. لا يستقيم الظل والعود اعوج
اشتكى احد ابناء الحركة الاسلاميه المعاصرة الى شيخ من جيل التأسيس حاله الذى هو عليه فلم يتكلم الشيخ ولم يرد جوابا
ولكنه قام فاحضر كوبين فارغين واحضر دورقا مملوء بالماء ثم بدا يضع ماء فى احد الكوبين ويسال الطالب ماذا ترى قال ربع الكوب مملوء فافرغ ثانيه وسأله ..فأجاب نصف الكوب مملوء ... فافرغ ثم سأله فقال لقد فاض الماء من الكوب ......... فقال له الشيخ هكذا كنا وأشار الى الكوب الفارغ وقال وهكذا انتم
اخى الحبيب ....اخرق الشرنقة فستجد الربيع والنور وألوان طيف جميل وتجد اجنحة جميله قد خلقها الله لك
ربما يقول قائل .. ليس عندى وقت فانا مستهلك فى السعى على المعاش وفى اعمال الدعوة واللقاءات والخطط والبرامج
وفى التجربة العمليه الاتيه رد على من ملأ وقته كاملا بالعمل الجاد والمثمر ولكن يجب عليه ان يبحث عن وقت اخر يستثمره
لو ان احدنا اتى بكوب مملوء بالرمال حتى منتهاه ولم يترك فيه اى فراغات .ثم احضر كوبا مملوء بالماء وسكب الماء على كوب الرمل
هل يقع الماء على الارض ام تتشربه الرمال ؟؟؟
نعم تتشربه الرمال .... ما الذى حدث فالكوب مملوء وليس به فراغات ... لابد ان هناك مساحات بين حبات الرمل فارغة رغم انها صغيرة الا انها تشربت تقريبا قدرا اضافيا من الماء كبير يعادل كوبا اخر
اذا اخى الحبيب راجع فراغات وقتك ستجد اوقات بينيه تضيع منك بلا فائدة ( المواصلات – بين المغرب والعشاء – بين الفجر والشروق – قبيل الفجر ...... )
فمن اراد ان يتقدم نحو غايته ويبلغ رسالته ويحقق رؤيته عليه ان يتحقق بالصفات التى توافرت فى جيل الصحابه عليهم رضوان الله ..... فالكرامة على قدر الاستقامه
ويمكن ان نجمل هذة الصفات فى عناوين تحتاج منا الى بحث وتفصيل ( الاخلاص – تمكن حب الله من القلب – الخوف الشديد من الله عز وجل – ان نربى جيلا عابدا – خلق التواضع – الزهد فى الدنيا – نربى جيلا مجاهدا – الصبر والثبات – التوازن والاعتدال – الترابط مع الاخوان
عندما يستكمل احدنا هذه الصفات يصبح عالما بزمانه منشغل ببناء الحق يصل فى معاملة اخوانه الى درجة الايثار مع الحاجه الى الذى آثر به
فإذا شمرت ايها الاخ الحبيب عن ساعد الجد وأبحرت بجد فى لجج العمل الجاد المتواصل فلا بد ان تكون رؤيتك قد وضحت وطريقك قد تحددت وهذا يتطلب منك امور هامه كما قال الامام الشهيد حسن البنا
- ارادة قويه لا يتطرق اليها ضعف .. وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل .. ووفاء ثابت لا يعدوا عليه تلون ولا غدر وإيمان بالمبدأ ومعرفة به وثقة فيه تعصم من الخطأ فيه او المساومة عليه او الانحراف عنه او الخديعة بغيرة عزيمة وإصرار)
- الالحاح على الله عز وجل بالدعاء (امامك لحظة بالإبكار ولحظة بالعشى ولحظة بالسحر تستطيع ان تملا يديك منها بالخير الهاطل من الله عز وجل وأمامك مواسم الطاعات وايام القربات تستطيع منها ان تتعرض للخير الهاطل من الله عز وجل على عبادة)
- اقبال على القران بتلاوته وتدبر معانيه بشغف ولهفة
- ان تضع يدك فى يد اخوانك لإعادة مجد الاسلام من جديد ببذل الجهد والنصيحة والعمل المتواصل
- ان يقف احدنا على ثغرة يوقظ النائم ويوجه اليقظان وينبه الغافل ويوحد الجهود
كيف نصل الى هذا المستوى ؟؟؟؟
لقد حدد الامام البنا رحمه الله الطريق للوصول لهدا المستوى الربانى فقال ان تجاهد نفسك جهادا عنيفا لا هوادة معه حتى يسلس قيادها لك وحينها فقط تستطيع ان تكون ممن بدا فى تنميه ذاته وبناء نفسه من جديد وذلك من خلال بناء العقل، وتعبيد القلب، وترويض النفس
- بناء العقل ... يستطيع الفرد ان يبنى عقله من خلال ادراكه لاهميه العلم والمعرفة واعلاء شان القراءة والتعلم بالوقوف على ايات القران الكريم فاول مانزل من القرآن ( اقرا ) وفى عروس القران سورة الرحمن ( الرحمن علم القران خلق الانسان علمه البيان) ومن القسم فى القرا ( ن والقلم وما يسطرون ) ومن ثمار المعرفة ( امنا يخشى الله من عباده العلماء)
- وفى الحديث ( من كتم علما الجمه الله يوم القيامة لجاما من النار ) ( نضر الله امرئ سمع مقالتى فوعاها فاداها كما سمعها )
- ولكى نبنى العقل بناء صحيحا سليما لابد له من خمسة معارف
- - معرفة الله عز وجل ( فاعلم انه لا اله الا الله )
- معرفة الاخرة ( والآخرة خير وابقى )
- معرفة النفس ( وما ابرئ نفسى ان النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى )
- معرفة الدنيا (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُالرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴿٤٥﴾
- معرفة الفهم الشامل للإسلام ( فقه الواقع – فقه الاولويات – فقه الموازنات – فقه المقاصد – فقه الخلاف )
اما تعبيد القلب يحتاج الى ادراك ان هذا القلب هو مكان تنزل الواردات الالهيه وانه مناط التكليف وان المهتدى يكافئ مكافأة عظيمه – وان النوازع القلبيه قد تنجى الانسان او ترديه وان صلاح القلب هو صلاح الفرد والمجتمع ولذلك قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «من راقبَ اللهَ في خَواطرِه عصمَه اللهُ في حركاتِ جوارحه»
ووسيلتنا فى ذلك كثرة الذكر وزيارة المقابر وتذكر الموت وصحبة الصالحين والانشغال بعيوب النفس وعدم الخلطه بغير حاجه وقيام الليل والتوبة والتوكل والتبتل الى الله عز وجل
اما ترويض النفس ونقول ترويض النفس لأنها كالفرس الجامح ان تأخذ بلجامها وترشد وتقوم سلوكها تصبح عبئا ثقيلا على صاحبها فهى تحتاج الى سياسة حسم وعزم والى معرفة هذه النفس وخصائصها وتقلباتها وعصيانها ففى النفس ازدواجية عجيبة تطغى احداها على الاخرى بحسب الرعاية والعناية فهى مطمئنة اذا زاد الايمان.... وأمارة بالسوء ان قل .... وهى صابرة اذا قويت صلتها بالرحمن او جزعة اذا تراخى الانسان فى العبادة........... وهى تسول بالشر وتطوع فعل السوء وتوسوس لصاحبها بالإثم وهى ذاتها اللوامة التى تلوم صاحبها على فعل الشر اذا وقع فيه ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها)
ومن يعرف هذه الصفات فيها يكون لها بالمرصاد حتى تسير فى الطريق الذى يريد قال بعض الصالحين ( جاهدت نفسى عشرين سنه حتى استقامت لى)
فمن انتصر على نفسه وأحسن تربيتها فانه يصيب خيرى الدنيا والآخرة وينال اقبال الخلق عليه وحبهم له ويشعر بمحبه الله ومعيته وينجوا من العذاب فى الاخرة ويرى البشارة عند الموت
وكل ذلك يتحقق بالانتصار على النفس وزيادة القربات الى الله والتخلص من المألوفات (فارق نفسك بخطوة تنل مقصودك)
الى اللقاء فى الحلقه القادمة
نماذج ممن احسنو لأنفسهم

