د/ عادل فهمي*

لاشك أن هناك فارق كبير بين إعلام عَنْ الرئاسة وإعلام مِنَ الرئاسة ..الفارق حرف واحد لكنه مؤثر جدا في الوظيفة.. مؤثر جدا في  طبيعة الأثر!!

ومع اجتهادات مسؤولي الإعلام في رياسة الجمهورية وقلة الإمكانيات لديهم .. فلم تسلم مؤسسة الرئاسة منذ تولى الدكتور مرسي من نقد مستمر، تارة بسبب التصريحات والنفي..وتارة بسبب التسرع ..وتارة بسبب قيام بعض المستشارين بتقديم رؤى وآراء قد لا تتفق مع ما يراه الرئيس..!

بعد مائة يوم رأيت أن أجرى تقويما موضوعيا لإعلام الرئاسة ..لمصلحة الرئاسة ولمصلحة الوطن .. حتى نعطي لكل ذي حق حقه !!

أولا: الإعلام مهنة وعلم ورسالة وفن ... وقد أصبح التعامل مع وسائل الإعلام من أهم مؤهلات القيادة، وأصبح هناك علم جديد هو علم اتصال القيادة Leadership) Communication) وإن تحدي المستقبل وأهم مؤهلات النجاح في عالم السياسة والاقتصاد والاجتماع هو معرفة فنون التعامل مع وسائل الإعلام. وفي عصر ثورة الاتصال أصبح الفريق الإعلامي هو حلقة الوصل التي تربط بين القيادة في مجالات السياسة والاقتصاد من ناحية ومستهلكي وسائل الإعلام أو الجمهور من ناحية أخرى. فهل تشتمل مؤسسة الرئاسة  المصرية على فريق عمل إعلامي متكامل؟ وإن كان ذلك موجودا فأين مخرجاته ؟ وهل يكفي موقع أو مقالة أو تصريح أو بيان صحفي لتغطية وتحليل الجهد الدؤوب والعمل المتواصل للرئيس ؟

أنا أعتقد أن جهد الرئيس مرسي  في مائة يوم  أكبر بكثير مما اطلعنا عليه .. وأنه لم يجد الدعم الإعلامي المطلوب لا من إعلام الدولة بصحفها وقنواتها وإذاعاتها وهيئة استعلاماتها ..ولا من إعلام الرئاسة الفقير .. وبالطبع لن يجد من الإعلام الخاص أي دعم  ولذلك لا نندهش لمن يتساءل ماذا صنع الرئيس في مائة يوم ؟؟! وأخشى أن أقول إن عدم رؤية الإنجازات ..سببه ارتباك الممارسة الإعلامية في الدولة كلها..!!

ثانيا: تحديد المصطلحات مهم للغاية شتان بين :" إعلام عن ..." و " إعلام مِنْ .." ؟!

الإعلام عن الرئاسة هو مجرد متابعة إخبارية بسيطة عن حركة الرئيس وفريق عمله..أما " الإعلام من الرئاسة"  فهو إعلام الفكر والمحتوى إعلام التوجهات والرؤى وقيادة الرأي العام وإطلاق المبادرات وفق سياسة الحضور وليس الظهور..أي التواجد المؤثر وليس كثرة الصور المنشورة..والأحاديث غير المعدة !!

دعونا بداية نعقد  مقارنة بين إعلام عن ..وإعلام من :
1- إعلام عن الرئاسة يقوم به  متحدث إعلامي أو صحفيون ومراسلون يرصدون  أفقيا ما يحدث من اجتماعات ولقاءات للرئيس وفريقه.. أما "إعلام من الرئاسة"  فهو جهد فرق خبراء ومحللين ومحققين يقدمون التحليل والتفسير والتعمق فيما وراء عمل الرئيس وفريقه والإجابة عن سؤال لماذا ؟ لماذا ذهب الرئيس للصين ؟ ولماذا ذهب لإيران ؟ ولماذا لم يذهب للبرازيل ؟ وما مغزى منحه أوسمة لفلان أو فلان ..وما مغزى صلاته بين الفقراء والمهمشين..وهكذا حركة دائمة ويقظة 24 ساعة !!
2- الإعلام عن الرئاسة يعتمد الخبر والتقرير الصحفي أساسا للممارسة الإعلامية..أما " الإعلام من الرئاسة"  فيتعمد المقابلات والتحقيقات والمقالات والأفلام التوثيقية القصيرة، ودعوة الوفود وعقد المؤتمرات والصالونات ،مع نشاط التواصل في المناسبات الاجتماعية كما حدث مع تهنئة الكاتب الكبير هيكل بعيد ميلاده.
3- الإعلام عن الرئاسة يتخذ منهج  الدفاع والتبرير دائما لسلوك الرئيس..أما الإعلام من الرئاسة فيحلل ويوضح ويرد بموضوعية على ما يقدم من نقد لسلوك الرئيس، ويصحح بمهنية ما يرد من خطأ في حقه بشكل واقعي..!!
4- الإعلام عن الرئاسة.. يكتفي بتغطية الأحداث ومتابعتها أما الإعلام من الرئاسة فيصنع أحداث تخدم منهج الرئيس ومشروعه  ويطورها ويستفيد منها ويطوع أحداثا أخرى لمصلحة عمله، ويحيد أحداث ويتجاهل بعضها لدواعي المصلحة..!!
5- الإعلام عن الرئاسة يقدم معلومات صماء لوسائل الإعلام  أما الإعلام من الرئاسة فهو عمل متكامل معلوماتي وتحليلي وفكري وتعاون  دائم  مع الإعلاميين  فى الداخل والخارج ..!!
6- الإعلام عن الرئاسة يكتفي بدعوة الإعلاميين لحضور المؤتمرات الصحفية أما الإعلام من الرئاسة فلا يكتفي بالحضور بل يرسل لهم (Press Release) في مكاتبهم ، ثم يدعوهم لكل المناسبات التى تقيمها الرئاسة بهدف التعريف بما تقوم به من أنشطة، مع وجود مركز إعلامي متطور يمدهم بما يحتاجون إليه بشكل دائم.
7- الإعلام عن الرئاسة يحرص على توثيق ما ينشر في تقرير أما الإعلام  من الرئاسة فيرصد كل ما ينشر وفق آلية علمية معينة ويحلله ويتخذ بشأنه قرارات تبرز الانجازات التي تحقق بصورة مستمرة.
8- الإعلام عن الرئاسة يكتفي يوميا بإلقاء بيان أو قراءة ما تم اتخاذه من قرارات ..أما الإعلام من الرئاسة فيجهز من حين لآخر مؤتمرات الصحفية للرئيس وفريقه مع ما يستلزمه ذلك من ملفات للإعلاميين وإدارة الحدث بحرفية.   
9- الإعلام عن الرئاسة يكتفي بتحديد موعد للرئيس مع المذيعين والصحفيين..أما الإعلام من الرئاسة فيتلقى الأسئلة ويناقش الصحفي فيما يريد بالضبط ويحدد معه نوع الأسئلة وبعد اللقاء لا مانع من مراجعة الصياغة الصحفية والإعلامية التى  أدلى بها الرئيس  لتكون متمشية مع منهجية العمل.   
10-  الإعلام عن الرئاسة يكتفي بما يقدمه من بيانات صحفية وأما الإعلام من الرئاسة فتكون له قواعد بيانات ومكتبة متخصصة تساعد  الباحثين الذين يحتاجون إلي  الوثائق والبيانات فى اختصاصات تتصل بنشاط الرئاسة سواء للتأريخ أو للبحث.
11- إعلام عن الرئاسة يتلقى ما يرد من شكاوى ويحولها للجهات المختصة أما إعلام من الرئاسة فيحلل توجهات هذه الآراء والمقترحات التي ترسل بالبريد أو تنشر فى الصحف قبل إرسالها ومتابعتها مع الإدارات المعنية لإعداد الردود والإجابات الوافية عليها.
12- الإعلام عن الرئاسة يميل للوفاء بالحد الأدنى من الأخبار والمعلومات.. والهروب من بعض المطبات ..أما الإعلام من الرئاسة فيحرص على أن يكون  مؤثرا على المستوى الاجتماعي والثقافي. فيكون أولا متابعا نشطا بشكل مؤسسي لكل المجريات..وصانعا  للأخبار. ومنتجا  للمضمون للإعلامي ، و متفاعلاً  مع الأحداث و قائداً للرأي  ومحققا لمفهوم  الدبلوماسية العامة خدمة لمشروع الرئيس...!!

بعد 100 يوم نحتاج إلى:
رؤية للإعلام الرئاسي .. ومؤسسية للإعلام الرئاسي .. ومتخصصين للإعلام الرئاسي.. ومركز إعلامي دائم .. وموقع يليق بالرئيس.. وشكل جديد للإصدار اليومي.. وشمول لوظائف الإعلام الرئاسي.. لأن مشكلتنا هي الإعلام والعلاج هو الإعلام.. فداوها بالتي كانت هي الداء..مع ملاحظة مهمة.. إعلام من الرئاسة يفرق كتير عن إعلام عنْ الرئاسة ..!!
حفظ الله مصر

___________________
استاذ الإعلام بجامعة القاهرة