تصاعدت الأزمة داخل شركة مطاحن مصر الوسطى بعد بيان للمفوضية المصرية للحقوق والحريات أدان ما وصفه بـ“انتهاكات مستمرة” تمس حقوقًا مالية مقررة وضمانات الأجر العادل وغياب آليات إنصاف فعّالة.
وبحسب البيان، بلغت الانتهاكات “مستوى بالغ الخطورة” وانعكس ذلك في واقعة محاولة أحد العمال إنهاء حياته بإلقاء نفسه من أعلى الصوامع أثناء مطالبته بحقوقه.
هذه ليست واقعة فردية بقدر ما هي مؤشر على مناخ عمل يُنتج القهر ثم يجرّم الاحتجاج عليه، في ظل إدارة رسمية تُتقن إصدار الشعارات عن “العدالة الاجتماعية” وتتقن أكثر دفن الشكاوى في الأدراج.
أجر “شكلي” وحقوق متجمدة
قالت المفوضية إن شكاوى متكررة وصلت إليها من عاملين بالشركة بشأن تعطيل حقوق مالية مقررة والإخلال بضمانات الأجر العادل وغياب آليات إنصاف فعالة.
وحذرت من تحويل تطبيق الحد الأدنى للأجر إلى رقم شكلي “يُستكمل” بعناصر متغيرة مثل الحوافز والبدلات بما يفرغ القرار من مضمونه الاجتماعي ويُضعف الأجر الأساسي ويضر بالحقوق التأمينية ويقلص أثر العلاوات المستقبلية.
في قراءة نقابية لهذا النمط، يُعدّ كمال أبو عيطة أحد أبرز الأصوات التي طالبت تاريخيًا بفصل “الأجر الثابت” عن أي إضافات متغيرة، لأن البدلات والحوافز يمكن سحبها إداريًا، بينما الأجر الأساسي هو أساس التأمينات والعلاوات، وهو ما يجعل “التحايل الهيكلي” على الأجور بوابة دائمة لإفقار العامل حتى لو بدا الراتب على الورق أعلى.
سلامة مهدرة وإصابات “غير موثقة”
أشار البيان أيضًا إلى شكاوى تتعلق بتدهور منظومة السلامة والصحة المهنية داخل مواقع العمل وتكرر الإصابات والوفيات.
ولفت إلى تعطيل توثيق بعض إصابات العمل وحرمان مصابين من حقوقهم، معتبرًا أن الوقائع تستوجب التحقيق العاجل والمساءلة.
وعندما يصل العامل إلى لحظة يائسـة يحاول فيها إنهاء حياته من أعلى الصوامع، فهذه ليست “حالة نفسية فردية” بل نتيجة مباشرة لبيئة عمل تُدار بمنطق كسر الإرادة وإغلاق أبواب التظلم.
هنا يبرز طرح النقابي كمال عباس، المعروف بدفاعه عن حق العمال في بيئة عمل آمنة وآليات شكوى مستقلة، إذ إن أي منظومة تمنع التوثيق أو تُعطل محاضر إصابات العمل تُنتج عمليًا “اقتصاد إصابات” بلا محاسبة: العامل يتأذى مرتين، مرة في الجسد ومرة في الحق.
لجنة مستقلة.. اختبار لجدية الدولة
طالبت المفوضية بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة وشفافة تضم وزارة العمل والجهات الرقابية لفحص الشكاوى وملف العلاوات منذ 2016 وحتى 2025.
كما طالبت بضم العلاوات والزيادات المتأخرة إلى الأجر الأساسي وصرف الفروق المالية “المتجمد” بأثر رجعي بعد الحصر والمراجعة، ومراجعة هيكلة الأجور لمنع استخدام الحوافز والبدلات المتغيرة للتحايل على قرارات الأجور.
وطالبت أيضًا بإلزام الشركة بتطبيق معايير السلامة والصحة المهنية فورًا وفتح تحقيق عاجل في وقائع إصابات العمل وتوثيقها وعلاج المصابين وصرف مستحقاتهم.
وشددت على ضرورة حماية العمال من أي إجراءات انتقامية أو تعسفية بسبب الشكاوى أو المطالبة السلمية بالحقوق.
في السياق نفسه، يقدّم النقابي شعبان خليفة (من رموز العمل النقابي العمالي) زاوية مهمة تتكرر في أزمات شركات القطاع العام وقطاع الأعمال: المشكلة ليست “نصوصًا ناقصة” بقدر ما هي “تنفيذ مُعطّل”، لأن العامل حين يفقد طريقًا آمنًا للتظلم يصبح الضغط الاجتماعي داخل المصانع قابلًا للانفجار.
أما هشام فؤاد، المعروف بمواقفه النقابية المدافعة عن الحق في التنظيم والحماية من الانتقام الإداري، فيلفت الانتباه دائمًا إلى أن غياب لجنة مستقلة فعلًا—لا لجنة شكلية—يعني تحويل التحقيق إلى أداة لتبريد الأزمة لا لحلها، وهو ما ينسف الثقة بين العمال والدولة.
هذه الواقعة تضع حكومة الانقلاب أمام اختبار بسيط وواضح: إما فتح تحقيق مستقل يرد الحقوق المتجمدة ويوقف التحايل على الأجور ويحاسب المقصرين في السلامة المهنية، أو استمرار سياسة “التجاهل حتى تقع الفاجعة” ثم إصدار بيانات عامة بلا أثر على أرض الواقع.

