بينما تروج الأجهزة الرسمية لتراجع معدلات التضخم وانخفاض الأسعار على الورق، جاءت أسعار "ياميش رمضان" هذا العام لتصفع الواقع بتكلفة باهظة وزيادات جنونية وصلت إلى 80% في بعض الأصناف، في ظل تراجع كارثي للقوة الشرائية للمواطنين.
ومع اقتراب الشهر الكريم، الذي طالما ارتبط بهذه السلع كجزء من طقوسه، يجد المصريون أنفسهم أمام "مائدة فارغة" أو "ياميش للأثرياء فقط"، بعد أن قفزت الأسعار لمستويات تفوق قدرة السواد الأعظم من الأسر، مما اضطر التجار لتقليص وارداتهم بنسب وصلت إلى 40% و70% خوفًا من الركود والكساد.
هذا الارتفاع الفاحش في الأسعار، الذي طال حتى السلع الشعبية، يكشف زيف البيانات الحكومية التي تتحدث عن انكماش التضخم، ويؤكد أن سياسات "التجويع الاقتصادي" التي تنتهجها حكومة الانقلاب لم تترك للمواطن حتى فرحة رمضان البسيطة، بل حولت "الخشاف" و"قمر الدين" إلى سلع ترفيهية بعيدة المنال.
"البندق" للأغنياء فقط.. والمواطن يكتفي بـ"الفرجة"
تكشف الأرقام التي أعلنها محمد الشيخ، عضو شعبة العطارة، عن كارثة سعرية تضرب الأسواق. فالبندق، الذي كان يومًا في متناول الطبقة المتوسطة، قفز سعره إلى 940 جنيهًا للكيلو بزيادة 80% عن العام الماضي (520 جنيهًا). ولم يسلم الفستق والكاجو من "جنون الأسعار"، حيث سجل الأول 720 جنيهًا والثاني 680 جنيهًا، بينما وصل سعر اللوز وعين الجمل إلى 600 جنيه.
هذه الأرقام الفلكية تعني عمليًا خروج هذه الأصناف من قاموس الأسر المصرية، التي باتت تكافح لتوفير الأساسيات من زيت وسكر، فكيف لها أن تشتري "ياميش" بآلاف الجنيهات؟ التراجع الحاد في واردات الأصناف الفاخرة بنسبة 70% هو اعتراف صريح من السوق بأن "الزبون اختفى"، وأن القدرة الشرائية للمصريين قد دُمرت بفعل التعويم المستمر وتآكل الدخول.
"ياميش الغلابة" لم يسلم.. الزبيب والسوداني في المصيدة
لم تترك موجة الغلاء حتى "ياميش الغلابة" الذي كان ملاذ الأسر البسيطة. فالزبيب الإيراني قفز إلى 300 جنيه (بزيادة 50%)، وجوز الهند إلى 280 جنيهًا، وحتى الفول السوداني "أرخص المكسرات" وصل إلى 120 جنيهًا للكيلو. أما المشروبات الرمضانية الشعبية، فلم تسلم هي الأخرى؛ فلفّة التمر الهندي (400 جرام) سجلت 45 جنيهًا، والسوبيا 120 جنيهًا، والعرقسوس لامس الـ 100 جنيه.
هذا الغلاء الذي طال كل شيء يؤكد أن الأزمة ليست في "سلع ترفيهية" كما تدعي الحكومة لتبرير فشلها، بل هي أزمة هيكلية في العملة والتسعير والرقابة. فحين يصبح "كوب العرقسوس" عبئًا على ميزانية الأسرة، وحين يصبح "الفول السوداني" سلعة تُشترى بالجرام، نكون أمام انهيار حقيقي لمستوى المعيشة لا يمكن تجميله ببيانات "الإحصاء".
أكذوبة التضخم.. الأرقام الرسمية في وادٍ والأسواق في وادٍ آخر
في الوقت الذي يكتوي فيه المواطن بنار الأسعار، يخرج الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ببيانات تتحدث عن تراجع التضخم السنوي للشهر السادس على التوالي ليصل إلى 10%، بل ويسجل انكماشًا شهريًا في نوفمبر. هذه المفارقة الصارخة بين "تضخم الورق" و"تضخم الأسواق" تثير السخرية والغضب معًا. فكيف ينكمش التضخم بينما ترتفع أسعار السلع بنسب تصل لـ 80%؟
إن حديث الحكومة عن "استقرار الأسواق" أو "تحسن المؤشرات" هو انفصال تام عن الواقع المؤلم الذي يعيشه المواطن. فالتراجع في الواردات بنسبة 30% ليس دليلًا على "ترشيد الاستهلاك" بل هو دليل على "الفقر الإجباري". والهدوء الذي يسيطر على الأسواق حاليًا ليس هدوء "الاستقرار" بل هدوء "المقابر"، حيث يعجز البائع عن البيع والمشتري عن الشراء، في انتظار "معجزة" قد تحدث قبل رمضان لإنقاذ الموسم، أو الاستسلام لواقع "رمضان بلا ياميش".

