في توقيت حساس يعاني فيه الاقتصاد المصري من ضغوط هائلة، ويئن فيه المواطن البسيط تحت وطأة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، أثار توجيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإنشاء مدينة أوليمبية وترفيهية وسياحة علاجية جديدة في مدينة العلمين الجديدة موجة عاتية من الانتقادات والسخرية المريرة على منصات التواصل الاجتماعي.

 

المشروع الذي يمتد على مساحة 800 فدان باستثمارات تتجاوز 4 مليارات جنيه، جاء كشرارة جديدة أشعلت النقاش حول "فقه الأولويات" في الإنفاق الحكومي، حيث يرى قطاع واسع من النشطاء والمراقبين أن السلطة السياسية تواصل السير في مسار "المشروعات الخرسانية العملاقة" بمعزل عن الاحتياجات الأساسية للمواطنين من غذاء، وصحة، وتعليم.

 

المفارقة التي رصدها رواد مواقع التواصل تكمن في التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي الذي يطالب المواطنين بالتحمل والتقشف، وبين استمرار الدولة في ضخ مليارات الجنيهات (أو ملايين الدولارات) في مشروعات ترفيهية بمدن لا يسكنها سوى النخبة، بينما تعاني موازنات الخدمات العامة من عجز مزمن.

 

لم تكن التعليقات مجرد اعتراضات اقتصادية، بل تحولت إلى محاكمات شعبية لجدوى هذه المشروعات وتوقيتها، متسائلين عن المستفيد الحقيقي منها في ظل أزمة ديون غير مسبوقة.

 

مفارقات الإنفاق: طائرات خاصة ومدن للأثرياء

 

أولى زوايا النقد تركزت على المقارنات الرقمية التي تكشف عن خلل في ميزان الأولويات.

 

الفنان عمرو واكد، المعروف بمواقفه المعارضة، التقط خيط التكلفة ليعقد مقارنة لاذعة بين تكلفة المدينة الجديدة وتكلفة الطائرة الرئاسية، مشيراً إلى أن المبلغ المخصص لبناء مدينة كاملة (حوالي 80 مليون دولار بحسب تقديره لسعر الصرف) يبدو ضئيلاً بشكل مثير للسخرية مقارنة بسعر الطائرة الرئاسية الفاخرة التي قُدرت بـ 500 مليون دولار، في إشارة إلى غياب الشفافية والعدالة في توزيع الموارد.

 

 

وعلى الجانب الآخر، تناول "حزب تكنوقراط مصر" الخبر من زاوية التناقض بين الواقع المعيشي الصعب والأحلام الحكومية، مشيراً إلى أن الدولة التي تعجز عن توفير الغذاء والدواء والتعليم الجيد لمواطنيها، تقرر فجأة استثمار المليارات لـ"رفع اسم مصر على الخريطة العالمية" عبر مشاريع ترفيهية، وكأن الصورة الخارجية أهم من الستر الداخلي للمواطن.

 

وتابع حزب تكنوقراط مصر بالرغم انه مش عارف يأكل ولا يشرب و لا يعلم ولا يعالج... بتوجيه من السيسي.. مصر ستقيم مدينة أوليمبية وترفيهية وسياحة علاجية في العلمين الجديدة على مساحة نحو 800 فدان باستثمارات تتجاوز 4 مليارات جنيه، كإضافة نوعية، لتعزيز الاقتصاد الوطني ورفع اسم مصر على الخريطة العالمية

 

 

هذا التوجه أكدته قناة "مكملين" المعارضة، التي لخصت المشهد في جملة قصيرة تعكس المأساة: "الناس مش لاقية تاكل"، في إشارة إلى أن مشروعات الترفيه في العلمين تبدو كمن يزين القصر بينما المنزل يحترق.!!

 

 

السخرية السوداء: مشروعات "للفرجة" وليست للعائد

 

لم يخلُ المشهد من السخرية المريرة، التي باتت سلاح المصريين المفضل في مواجهة الأزمات.

 

الناشط محمد عبد الرحمن انتقد بأسلوب تهكمي فكرة "الجدوى الاقتصادية" لهذه المشروعات، معتبراً أن المعيار الوحيد للوطنية في العرف الحكومي الحالي هو أن يكون المشروع "خاسراً" ولا يدر عائداً، ساخراً من إهمال ملفات التعليم والصحة لصالح مشروعات "الكلام الفارغ".

 

 

وفي السياق ذاته، تساءلت "فريدة" بتهكم عن ماهية "المدينة الأوليمبية"، في إشارة إلى غموض الهدف من تكرار مثل هذه المنشآت.
وسخرت: الا ايه هي المدينة الأولمبية دي يا مسعودي؟

 

 

أما الحساب المسمى "سنبل"، فقد قدم تحليلاً ساخراً يقارن بين مصر والدول الغنية. فبينما تبني الدول المتقدمة القرى الأوليمبية عند فوزها بتنظيم المسابقات، تبني مصر مدناً كاملة دون أن تكون مرشحة لأي حدث، ساخراً من "عظمة الدولة" التي قد تكون تستعد لمسابقات خيالية مثل "الرقص على الجليد".

 

فقال سنبل : الدول الغنية تبني القرية الاولمبية عندما تريد تنظيم المسابقات. و مصر تفوتها بمراحل و تبني مدينة وليس قرية أولمبية و هي لم تكلف بتنظيم أي مسابقات اصلا. العالم مبهور بعظمة هذه الدولة والحساد في غيظ ينفطرون. في انتظار بنية لتنظيم مسابقات الرقص على الجليد بإذن الله.

 

 

العدالة الغائبة: ديون الفقراء لرفاهية الأغنياء

 

البعد الطبقي كان حاضراً بقوة في انتقادات النشطاء، حيث يُنظر إلى مدينة العلمين الجديدة ومثيلاتها كجزر منعزلة مخصصة لطبقة الأثرياء، بينما يتحمل فاتورة إنشائها عموم الشعب من خلال الديون والقروض.

 

الحساب المسمى "البرنس" لخص هذه المعادلة الظالمة بقوله إن الحكومة تقترض لتعمير "مدن الأغنياء" بأموال الفقراء، وفي النهاية يتولى المساكين سداد الفاتورة بينما يستمتع الأغنياء بالخدمات.

 

 

هذا التكرار في المشروعات الفارهة استفز أيضاً إسماعيل حسني، الذي انتقد وجود مدينة أوليمبية في العاصمة الإدارية وأخرى في العلمين، ساخراً من فكرة "تدليع النفس" وكأن مصر تمتلك فائضاً مالياً يسمح بتكرار المدن الأوليمبية في كل محافظة، متجاهلاً الاحتياجات الملحة للمحافظات المنسية.