في جريمة اقتصادية جديدة بحق الفلاحين المصريين، قررت حكومة الانقلاب سرقة دعم الأسمدة من المزارعين البسطاء وتحويله إلى أرباح للمصانع الكبرى عبر التصدير، لتصل نسبة المخصصات للتصدير إلى 53% مقابل تقليص حصة الفلاحين المدعومة إلى 37% فقط.

 

هذا القرار الذي يأتي في ظل أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع جنوني للأسعار، ليس مجرد سياسة خاطئة، بل هو خيانة مباشرة للفلاحين الذين يُعتبرون عماد الاقتصاد الوطني، وتهديد صارخ للأمن الغذائي المصري في ظل ظروف غير مسبوقة من التدهور المعيشي.

 

قرار جائر: التصدير أولاً والفلاحون في آخر القائمة

 

بدأت وزارة الزراعة تطبيق نظام جديد للحصص السمادية يعتمد على توجيه 53% من إنتاج الأسمدة للتصدير مقابل 45% سابقاً، بينما تم تقليص الكميات المدعمة المخصصة للفلاحين من 55% إلى 37% فقط. ورفعت الحكومة سعر الطن من 4500 جنيه إلى 6000 جنيه، مع ادعاء كاذب بأن وزارة المالية ستتحمل الفارق. لكن على أرض الواقع، يدفع الفلاحون الثمن الحقيقي من جيوبهم ومن محاصيلهم.

 

يقول د. محمد عبدالله، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة: "هذا القرار يمثل انقلاباً على الفلاحين بكل معنى الكلمة. الدولة تتخلى عن مسؤوليتها الأساسية في تأمين مدخلات الإنتاج الزراعي لصالح أرباح قصيرة المدى من التصدير. نحن لا نتحدث عن سياسة اقتصادية بل عن جريمة منظمة تهدد الأمن الغذائي القومي". ويضيف: "الغاز الطبيعي الذي تشتريه المصانع بـ5.5 دولار يُباع للفلاح بأسعار تفوق قدرته، بينما يُصدر الباقي لتحقيق أرباح طائلة للمستثمرين المقربين من السلطة".

 

الفلاحون يدفعون الثمن: انخفاض الحصص وارتفاع الأسعار

 

تأثرت المحاصيل الحيوية بشكل كارثي بهذه السياسات. انخفضت حصص الفراولة بنسبة 50% لليوريا و55% للنترات، والبصل بنسبة 50%، والبطاطس بنسبة 33% لليوريا و40% للنترات.

 

هذه المحاصيل التي تمثل مصدر رزق ملايين الفلاحين أصبحت الآن في خطر حقيقي. الجمعية العامة للائتمان الزراعي، التي تخدم مساحات شاسعة من الدلتا، تراجعت حصتها الشهرية بنسبة 28% لتسجل 108 آلاف طن فقط مقابل 150 ألف طن سابقاً.

 

المهندس أحمد السيد، الخبير الزراعي وعضو سابق بالجمعيات الزراعية، يقول: "الفلاح الصغير هو الضحية الأولى. عندما تُقطع حصته من السماد المدعم، يضطر لشراء السماد من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، مما يزيد تكلفة الإنتاج ويقلل هامش ربحه.

 

النتيجة الحتمية هي التخلي عن زراعة محاصيل استراتيجية أو تقليل المساحات المزروعة". ويضيف: "الحكومة تتحدث عن مخزون كافٍ، لكن على الأرض الفلاحون يبحثون عن شيكارة سماد باليوم والليلة، والجمعيات الزراعية ترفض الصرف إلا بشروط تعجيزية".

 

أزمة متفاقمة: من نقص الغاز إلى تدمير الزراعة

 

تأتي هذه السياسات بعد أزمة غاز خانقة أدت إلى توقف مصانع الأسمدة لنحو 30 يوماً في مايو ويونيو الماضيين، بسبب توقف الواردات من إسرائيل.

ورغم أن التوريدات عادت بنسبة 100% في سبتمبر، إلا أن الحكومة استغلت الأزمة كذريعة لتنفيذ مخططها المرسوم مسبقاً بتحرير سوق الأسمدة وخدمة مصالح المصدرين.

والآن، بدلاً من تعويض الفلاحين عن الأضرار السابقة، يتم معاقبتهم بتقليص حصصهم تحت ذريعة "تعويض المتأخرات".

 

د. سامية حسن، أستاذة المحاصيل الحقلية، تحذر من تداعيات خطيرة: "انخفاض حصص الأسمدة بنسب تصل إلى 55% يعني انخفاضاً حتمياً في الإنتاجية بنسب متقاربة.

المحاصيل الشتوية التي تُعد السلة الغذائية للمواطنين ستشهد تراجعاً في الكمية والجودة، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق ويزيد من معاناة المواطنين".

وتؤكد: "الحكومة تلعب بالنار. عندما تضعف الإنتاجية الزراعية المحلية، تزيد الاعتماد على الواردات التي تستهلك العملة الصعبة، وهو ما يعمق الأزمة الاقتصادية".

 

المهندس خالد مصطفى، خبير سياسات الدعم الزراعي، يكشف عن خلفية القرار: "هذا ليس قراراً فنياً بل سياسياً محضاً. المصانع الكبرى التي يديرها رجال أعمال مقربون من السلطة ضغطت للحصول على نسبة تصدير أعلى لتحقيق أرباح بالعملة الصعبة، والحكومة رضخت لهم على حساب الفلاحين. الـ10% المخصصة للسوق الحرة ستذهب بالطبع لمن يدفع أكثر، وليس للفلاح البسيط".

ويضيف: "هذا القرار يكشف عن فساد مستشري وانفصال تام بين السلطة والواقع المعيشي للمواطنين. بدلاً من محاسبة المسؤولين عن أزمة الغاز، يُعاقب الفلاحون ويُكافأ المستثمرون".

 

في النهاية، يبدو أن حكومة الانقلاب قد اختارت طريقاً خطيراً يهدد الأمن الغذائي للبلاد.

الفلاحون الذين يُعدون عماد الاقتصاد يُحرمون من دعمهم، والمحاصيل الاستراتيجية تُعرض للخطر، والمصانع الكبرى تستفيد وحدها. هذه السياسات لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وإشعال غضب اجتماعي قد لا يُحمد عقباه.