لم تعد التحذيرات من انهيار الاقتصاد المصري مجرد تكهنات للمعارضة، بل أصبحت حقيقة رقمية صادمة موثقة بشهادات دولية. تقرير البنك الدولي لعام 2025 جاء ليزيل ورقة التوت الأخيرة عن حكومة الانقلاب، واصفًا مصر بأنها "نقطة قاتمة" في خريطة الاقتصاد العالمي. الأرقام "المفجعة" التي كشفها التقرير تؤكد أن البلاد دخلت مرحلة الخطر الوجودي، حيث تحولت الديون من أداة تمويل إلى "حبل مشنقة" يلتف حول عنق الدولة، مهددًا سيادتها ومستقبل أجيالها.
بينما يواصل النظام ترويج أوهام "الجمهورية الجديدة"، تشير البيانات إلى واقع مرعب: ديون خارجية ستصل إلى 200 مليار دولار بحلول 2027، وخدمة دين تلتهم نصف عوائد الصادرات، وحكومة أدمنت الاقتراض لسداد القروض القديمة، في "دائرة جهنمية" لا فكاك منها إلا ببيع أصول الدولة وأراضيها التاريخية في مزادات علنية للأجانب.
161 مليار دولار.. فاتورة "الفنكوش" التي سيدفعها الشعب
الأرقام لا تكذب، وهي هنا مفزعة بكل المقاييس. الدين الخارجي قفز إلى 161 مليار دولار في أكتوبر 2025، بنسبة زيادة جنونية تضع مصر ضمن الفئة "الأكثر مديونية" عالميًا. الأخطر من حجم الدين هو تركيبته؛ حيث تعتمد الحكومة بشكل مفرط على الديون قصيرة الأجل (31 مليار دولار) والأموال الساخنة (46 مليار دولار)، وهي أموال "طيارة" يمكن أن تتبخر في لحظة، مخلفة وراءها انهيارًا ماليًا شاملاً.
إن وصول نسبة الدين إلى الصادرات لرقم فلكي (233%) يعني ببساطة أن مصر "مرهونة" بالكامل للخارج. فكل دولار يدخل من التصدير، يذهب منه 49 سنتًا فورًا لسداد الفوائد والأقساط، ولا يتبقى للدولة سوى الفتات لشراء الغذاء والدواء والوقود. هذه المعادلة الصفرية تعني أن التنمية توقفت، وأن الدولة تحولت إلى "محصل ضرائب" يعمل لصالح الدائنين.
الديون الخفية.. الثقب الأسود في الموازنة
ما يزيد المشهد رعبًا هو ما كشفه خبراء الاقتصاد، وعلى رأسهم طلعت خليل، عن "الديون السرية" التي لا تظهر في التقارير الرسمية. الحكومة تفتح باب الاقتراض على مصراعيه للهيئات الاقتصادية (كهرباء، بترول، نقل) بضمان الخزانة العامة، دون أن تُسجل هذه القروض ضمن الدين العام المعلن. هذه "الثغرات الهائلة" تخفي عشرات المليارات من الدولارات التي ستُفاجأ بها الأجيال القادمة، لتجد نفسها مطالبة بسداد فاتورة فساد وسوء إدارة لم تشارك فيها.
الاعتماد على سندات "اليوروبوند" و"الساموراي" و"الباندا" بفوائد مرتفعة، وضع رقبة الاقتصاد المصري تحت مقصلة الأسواق العالمية وتقلباتها، مما جعل تكلفة خدمة الدين تتضخم بشكل يبتلع الأخضر واليابس.
بيع الأصول والسيادة.. الحل السهل للفاشلين
أمام هذا العجز المالي، لم تجد حكومة الانقلاب حلاً سوى اللجوء إلى "البيع". بيع الشركات الرابحة، بيع الأراضي الجديدة، وخصخصة الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة. الخبير الاقتصادي أحمد خزيم يؤكد أن تكلفة الدين فرضت ضغوطًا هائلة على الإنفاق العام، مما أدى إلى تدهور الخدمات المجانية التي هي حق دستوري للمواطن.
النظام يختار الحل الأسهل والأكثر كارثية: بدلاً من الاستثمار في الإنتاج والتصنيع، يبيع "ممتلكات الشعب" لسداد ديون أنفقها على مشاريع استعراضية لا تدر عائدًا. إنها سياسة "الأرض المحروقة" اقتصاديًا، حيث يتم تجريد الدولة من أصولها وتركها هيكلاً عظميًا مكبلاً بالديون.
حكومة "المتفائلين" في مواجهة الكارثة
المثير للسخرية والمرارة في آن واحد، هو حالة "الإنكار" التي تعيشها الحكومة. فبينما يحذر البنك الدولي من "مخاطر مركبة" وصدمات مالية وشيكة، يخرج وزير المالية بتصريحات وردية عن "تحسين المؤشرات" و"توسيع قاعدة الصادرات". هذا التفاؤل المصطنع يخفي عجزًا حقيقيًا عن مواجهة الأزمة، واسترخاءً يعتمد على الحلول الأمنية والقروض الجديدة لتأجيل الانفجار.
توصيات صندوق النقد بضرورة "وقف الاقتراض للمشاريع العامة" و"قصر القروض على سداد الديون القديمة" هي اعتراف دولي بأن الحكومة المصرية فشلت في إدارة الموارد، وأنها تحتاج إلى "وصاية مالية" لمنعها من إغراق البلاد أكثر.
إلى أين المسير؟
مصر اليوم تقف على حافة الهاوية. استحقاقات سداد تصل إلى 35 مليار دولار في 2027، وموارد دولارية تتناقص، ونظام لا يملك رؤية سوى "الاستدانة والبيع". التقرير الأممي ليس مجرد جرس إنذار، بل هو نعي لسياسات اقتصادية قادت البلاد إلى طريق مسدود.
إن استمرار هذا النهج لن يؤدي إلا إلى سيناريو واحد: إفلاس الدولة، وفقدان القرار الوطني، وتحول مصر إلى دولة تابعة تنتظر "المعونات" لتعيش، بينما يدفع المواطن البسيط ثمن هذه المغامرة من قوت يومه ومستقبل أبنائه.

