المدارس الدولية المرموقة، "مدارس النيل" بالتجمع الأول، من منارة للعلم إلى "وكر" للانتهاك والتحرش بالبراءة. لم تكن الصرخة هذه المرة بسبب مناهج عقيمة أو مصاريف باهظة، بل كانت صرخة ألم وعار أطلقها أولياء أمور جدد، انضموا لقائمة الضحايا، متهمين "فرد أمن" في الخمسينيات من عمره بانتهاك أجساد أطفالهم الصغار (مرحلة KG2).
هذه الجريمة البشعة ليست حادثًا فرديًا معزولًا، بل هي نتاج طبيعي لمنظومة مهترئة تديرها حكومة الانقلاب، التي انشغلت بـ"خصخصة" التعليم وتحويل المدارس إلى مشاريع استثمارية لجمع الأموال، متجاهلة تمامًا معايير الأمان والرقابة واختيار الكوادر المؤتمنة على أرواح ومستقبل أطفالنا.
53 عامًا من "القذارة" تحرس براءة الطفولة
التفاصيل التي كشفتها التحريات الأولية تثير الغثيان. "فرد أمن" يبلغ من العمر 53 عامًا، يُفترض أنه العين الساهرة على حماية الصغار، يعترف بدم بارد بارتكاب 5 وقائع تحرش، ملامسًا أجساد أطفال لا يدركون من الدنيا شيئًا، ثم يذهب لممارسة رذيلته في دورات المياه.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في وجه وزير التربية والتعليم والجهات الأمنية: كيف تم تعيين هذا "الذئب البشري" في مدرسة تحمل اسم النيل وتتبع، ولو اسميًا، لإشراف الدولة؟ أين الفيش والتشبيه؟ أين الاختبارات النفسية والسلوكية التي يتشدقون بها في الإعلام؟ الحقيقة المرة أن معايير التعيين في "الجمهورية الجديدة" باتت تخضع للواسطة والمحسوبية أو "الأرخص سعرًا"، حتى لو كان الثمن هو اغتيال براءة الأطفال.
تستر وإهمال.. مدرسة أم "سلخانة"؟
توالي المحاضر من أولياء الأمور الجدد يكشف عن كارثة أخرى، وهي احتمالية وجود "تستر" أو إهمال جسيم من إدارة المدرسة. فاستمرار المتهم في ارتكاب جرائمه مع أكثر من طفل (3 بنات وولدين حتى الآن) يعني أن الرقابة داخل المدرسة منعدمة، وأن الكاميرات – إن وجدت – لا ترصد شيئًا، أو أن هناك من يغض الطرف.
في دولة تحترم مواطنيها، كانت هذه الواقعة ستطيح بوزير التعليم وتغلق المدرسة فورًا للمراجعة الشاملة. لكن في دولة الانقلاب، يمر الخبر مرور الكرام، ويُترك الأهالي يواجهون مصابهم في أقسام الشرطة، بينما تستمر المدرسة في تحصيل المصروفات الخيالية، وكأن شيئًا لم يكن.
الأمن الغائب.. إلا على المعارضين
المفارقة المؤلمة هي أن هذا "الانفلات الأمني" داخل المدارس يحدث في دولة بوليسية تحصي على المواطنين أنفاسهم. الأجهزة الأمنية التي تنجح بامتياز في تتبع "بوست" على فيسبوك أو اعتقال طالب هتف في الجامعة، تفشل فشلاً ذريعًا في تأمين أبسط قواعد السلامة لأطفال في عمر الزهور داخل مدارسهم.
إن ترك المدارس مرتعًا للمنحرفين والمرضى النفسيين تحت مسمى "أفراد أمن" هو جريمة دولة بامتياز. فالدولة التي تعجز عن حماية طفل في الـ "KG2" من يد عابثة داخل حرم تعليمي، هي دولة فاشلة، سقطت شرعيتها الأخلاقية قبل السياسية.
صرخة في وجه النظام
ما حدث في "مدرسة النيل" هو جرس إنذار مرعب لكل أسرة مصرية. أطفالكم ليسوا في أمان، لا في الشارع ولا حتى داخل أسوار المدارس "الدولية". النظام الذي يبيع كل شيء، باع أيضًا أمان أبنائكم. هذه الواقعة ستظل وصمة عار تلاحق حكومة السيسي، التي شيدت السجون والمعتقلات، ونسيت أن تشيد حصونًا لحماية الطفولة، فتركت "الذئاب" تنهش في لحم الوطن ومستقبله.

